عندما يدق «الحب» .... قلوب الكبار!

رياض وفتحية... غرام الأفندي والأميرة / 17

1 يناير 1970 05:54 م
| القاهرة- من محمود متولي |
الحب فوق القمة... مثل الحب تحت السفح... لا يتغير... ولا يتبدل ولا يتلون... هو لمسة من السحر تمس القلوب فتطهرها... وومضة من الأمل تضيئها... وتغفل بها عن خطايا وذنوب الدنيا فلا يرى العشاق سواء كانوا فوق القمة أو أسفل السطح... سوى الحب والحبيب.
لكن يبقى غرام المشاهير، ونزواتهم أيضا كأنه سر من أسرار الدولة العليا... يغلفه المشاهير بالكتمان... سواء كانوا نجوم سياسة أو مال أو رياضة أو أدب أو فن... وأحياناً ينفضونه كأنه رجس من أعمال الشيطان، لا يهمهم غير أن تظل الستائر الكثيفة تخفيه وتخبئه عن عيون الفضوليين، لكن بعضهم يخرج أحيانا عن صمته... ويستدعي المأذون... ويسمح للصحف بنشر الخبر وللصور.
وأعظم ما في غرام المشاهير أن تخرج لتلامس شغف عيون الناس... أنه يسترد لهم إنسانيتهم... وضعفهم... ويجعل من الملوك رعايا، ومن الرعايا ملوكا!، وأحيانا لا يهدد العرش والصولجان... غير دقة قلب ينبض بها قلب «الرجل الأول» في الدولة... أو المملكة.
«الراي»... سبحت في دهاليز وكواليس غراميات ونزوات المشاهير، ورصدت آهات وعذابات وآلام ودقات قلوب كبار نجوم القمة والمشاهير... سواء كانوا من الرؤساء أو الملوك أو الشعراء أو الفنانين أو المفكرين... لكشف أدق أسرار الحياة الخاصة بهم من خلال هذه الحلقات... في السطور التالية.


في أواخر يونيو العام 1946... قررت الملكة نازلي السفر إلى أوروبا بحجة العلاج والراحة النفسية، في جبال وبحيرات سويسرا، وغادرت الملكة مصر على ظهر باخرة، وبصحبتها الأميرتان «فائقة وفتحية»... كانت مارسيليا، «أجمل موانئ فرنسا»، هي المحطة الأولى لنازلي وابنتيها.
طار خبر سفر الملكة من القاهرة إلى قنصلية مصر في مارسيليا... التي قررت انتداب أمين المحفوظات رياض غالي ليساعد الملكة والأميرتين في تسهيل سفرهن إلى سويسرا. وبمجرد وصول الملكة وابنتيها إلى ميناء مارسيليا كان رياض غالي واقفاً في انتظارهن منذ الصباح... ما كادت الملكة تراه حتى سألته بالفرنسية: هل أنت مصري؟
وحسب شهادة الكاتب الصحافي مصطفى أمين، فقد انحنى رياض غالي بين يدي نازلي كرقم 8 وقال لها إنه مصري من مواليد أسيوط ...مسيحي الديانة... عمل بقنصليات مصرية عديدة بالعواصم والموانئ الأوروبية... درجته الوظيفية «موظف» بوزارة الخارجية.
واندهشت الملكة نازلي من إجابته وقالت: غريبة... كنت أظنك من أميركا الجنوبية. ابتسم رياض غالي وسار إلى جوار الملكة، وفجأة قال لها: لقد جئت بالشمس معك إلى فرنسا.
فوجئت نازلي بكلام رياض وقالت: غريبة... ألم يكن عندكم شمس؟
قال لها رياض ببساطة رائعة: لقد مضت بضعة أيام بغير أن نرى الشمس، وها هي تشرق مع إشراق جلالتك.
التفتت الملكة نازلي ناحية مندوب إدارة البروتوكول الذي أوفدته وزارة الخارجية الفرنسية ليكون في استقبالها، وسألته في جدية شديدة وباللغة الفرنسية: هل ما يقول صحيح، أم أنه يجامل؟
حقائب الملكة
وقال مندوب وزارة الخارجية بالفرنسية: بل هو الصحيح يا صاحبة الجلالة.
كلفت نازلي الشاب رياض غالي واسم شهرته: مينا بأن يعتني بحقائبها وكان عددها 36 حقيبة ثم سافرت نازلي إلى بلدة «برن» ولحق بها رياض في لوري ضخم حاملاً الحقائب وعندما وصلت نازلي إلى الفندق ـ في مدينة برن ـ كان في استقبالها موظفو المفوضية ولاحظوا مشهداً مثيراً وغريباً، فقد رأوا رياض ينزل من جانب سائق اللوري، ويقدم نفسه على أنه رياض غالي... من القنصلية الملكية في مارسيليا ثم صعد مع الحقائب إلى جناح الملكة. وبعد أن انتهى من إدخال كل الحقائب... قالت له نازلي: أتعبتك معي.
وفوجئت نازلي برياض وهو ينحني ويقول لها: إن هذا شرف عظيم لقد كنت أود لو أنني حملت كل هذه الحقائب على ظهري. إن اليوم هو أسعد أيام حياتي لأنني ركبت سيارة مع حقائب الملكة.
فرحت نازلي بما تسمعه وسألته: ما اسمك؟
ولدهشتها سمعته يقول لها: خادمك رياض غالي
التفتت نازلي ناحية الأميرة فتحية وقالت لها بالفرنسية: كم هو مؤدب.
وهنا تقدم رياض ليستأذن من الملكة في الانصراف قائلاً: كنت أود أن أبقى طوال حياتي خادماً لك هنا، ولكنني مضطر لأن أعود إلى وظيفتي في مارسيليا.
وببساطة شديدة قالت له نازلي: ابق هنا يوماً أو يومين.
اعتذر رياض لها بأن الأوامر تقضي بأن يعود، وفوجئ بالملكة تحسم الأمر بقولها: أنا أصدرت الأوامر بأن تبقى... وبالفعل بقي رياض.
خطاب الملكة
أرسلت الملكة نازلي خطابا إلى السفارة المصرية في مدريد ... تطلب فيه أن تقوم السفارة بتعيين أحد موظفيها للعناية بشؤونها وتدبير أمورها أثناء فترة أجازتها على شاطئ بحيرة «لا مارتين»!
سارعت السفارة إلى ترشيح موظف شاب ... وانطبقت كل المواصفات الملكية على رياض أفندي غالي ليحظى بهذا الشرف ... سمعته طيبة ... وسيم ... ماهر في البروتوكولات .
ويقول مصطفى أمين: إن وزارة الخارجية كانت قد حددت لرياض «5» جنيهات كبدل سفر ما دام في خدمة الملكة، لكنه أخفى ذلك عنها، وقال إنه قرر البقاء ليكون في شرف خدمتها.
عملية جراحية
ومن سويسرا انتقلت نازلي إلى الولايات المتحدة حيث أجريت لها عمليات جراحية، في الوقت الذي كان الملك فاروق يرسل إليها بين الحين والآخر طالبا إليها أن تعود إلى مصر فكانت تعتذر، ثم راحت تصرح برفض العودة نهائيا ما جعل الملك يكلف سفير مصر في واشنطن بمحاولة إقناعها بالعودة، فأصرت على الرفض.
اختارت نازلي أن تسكن في لوس أنجلوس وعلى مقربةٍ من هوليود عاصمة السينما، وتعرفت على كثيرين من نجومها، وأصبحوا زواراً لبيتها يحضرون حفلاتها إذا وجهت لأحد منهم أو منهن دعوة، لأن الكل يريد أن يكون في «أجواء صاحبة الجلالة».
واختارت الملكة لإقامتها في البداية بيتاً في شارع قريب من هوليود اسمه «تاور رود»، وقد زارها الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل في هذا البيت، الذي يقول: حين عبرت الحديقة ماراً بحافة حمام السباحة مع رياض غالي... كان رجاؤه وقد وصلنا إلى باب البيت أن أنتظر في الصالون قليلاً، لأن «جلالتها تؤدي صلاة الظهر حاضراً».
كان الملك فاروق يعرف أن والدته صادقت رجل بترول أميركي اسمه ريتشارد باولي، وأن باولي أقنعها أن تبيع مجوهراتها وتستثمر أموالها في حقل بترول كبير في منطقة جيتسبرغ. وبالفعل باعت الملكة مجوهرات بما قيمته 3 ملايين دولار، وبقيمة النقود وقتها «فإن ذلك كان مبلغاً هائلاً» ثم إن باولي دفع للملكة مبالغ وقال لها إنها أرباح الحقل، ثم «نفد الحقل» قبل الأوان،
غرام الأميرات
وزاد الطين بلة أن اثنتين من بنات نازلي كانتا معها في الولايات المتحدة، وهما الأميرتان فائقة وفتحية، وقد وقعت كل منهما في غرامٍ لم يكن فاروق راضياً عنه : الأميرة فائقة مع ديبلوماسي مصري هو فؤاد صادق... وقد تقدم بالفعل يطلب يدها من الملكة نازلي، والأميرة فتحية مع رياض غالي الذي تقدم لخطبتها هو الآخر من الملكة نازلي.
وكان الملك فاروق قد تلقى تقارير من بعض أصدقائه في الولايات المتحدة بأن رياض غالي كان على علاقة مع الملكة نازلي نفسها، وأن تلك العلاقة هي التي مهدت له الاختلاط بـ «فتحية».
ووصلت سيطرة رياض غالي على الملكة نازلي... إلى حد أنها قالت إنها إذا أرادت أن تختار بين صداقتها لرياض غالي وأمومتها لفاروق فإنها تختار صداقة رياض غالي، لأن فاروق أثبت في كل مناسبة أنه ولد عاق، أما رياض فقد أثبت أنه ولد مخلص.
ولم يكن رياض غالي يحلم بـ «نازلي»، ولكن كان يحلم بـ «فتحية»، ولكنه كان يعلم أنه لن ينال قلب فتحية إلا برضاء نازلي، بكل ما تعنيه الكلمة، وبكل ما توحي به. وقد كانت فتحية الابنة السادسة عشرة من العمر ترى فيه فارساً من فرسان القصص والروايات الغرامية.
مسدس وإعجاب
وزاد إعجاب فتحية بالشاب رياض عندما وجدته يشتري مسدساً سريع الطلقات؛ ليحميها ويحمي الملكة الأم، ولم يخطر على بالها أن هذا المسدس هو الذي ستُقتَلُ به، وأن الخطر الحقيقي سيكون أقرب إليها مما تتصور.
بدأ رياض غالي... يسهر مع فتحية بموافقة الملكة نازلي...وسرعان ما نقل السفير المصري في الولايات المتحدة إلى الملك فاروق أنه رأى الأميرة فتحية وهي في مشهدٍ غرامي مع رياض غالي في ملهى ليلي. استشاط فاروق غضباً فقال للسفير: «يا نهار أسود... إذا لم تُعد غالي هذا فسوف أقتلك».
غير أن محاولات السفير مع غالي باءت بالفشل، فطلب فاروق من رئيس الوزراء مصطفى النحاس الاتصال هاتفيا بالملكة نازلي في الولايات المتحدة لمنعها من تزويج فتحية من غالي، ولكن الملكة العنيدة قالت للنحاس: «أظن أن موضوع زواج ابنتي ليس من اختصاص رئيس الوزراء. قل للملك فاروق إننا لن نعود والبنت حاجوزها لرياض لأنه بيحبها وبتحبه...ثم أغلقت السماعة في وجه رئيس الوزراء».
طار عقل فاروق وأرسل إلى أمه يحذرها من إتمام مشروعها الخاص بزواج شقيقتيه وطلب سرعة عودتها، لكنها أصرت على موقفها.
كما فشلت محاولة فاروق خطف فتحية من الولايات المتحدة، فوجه طلبا رسميا إلى الولايات المتحدة لطرد أمه وشقيقته، غير أن نازلي هددت بنشر هذه الفضائح على صفحات الصحف الأميركية. ورفضت نازلي كل المساعي الرامية إلى منع إتمام هذا الزواج، مثلما رفضت مساعي حسن يوسف باشا رئيس الديوان الملكي بالإنابة، وردت طلب شقيقها الذي سعى إليها في الولايات المتحدة لإقناعها برفض هذا الزواج وعاد من هناك يجر أذيال الخيبة.
ودعا الملك فاروق رياض غالي إلى إشهار إسلامه وتزوج الأميرة الصغيرة فرفض ، عادت الأميرة فائقة من أميركا وبقيت نازلي وفتحية في أميركا ومالبث الملك فاروق ان حرمهما من كل الألقاب الملكية والثروة أيضاً ،ثم أعلنتا تحولهما إلى المسيحية على المذهب الكاثوليكي... واختارت لنفسها اسم ماري إليزابيث، وكذلك فعلت ابنتها فتحية وأيضاً فائزة التي انضمت إلى الاثنتين.
زواج مدني
تزوجت فتحية زواجاً مدنيا من رياض غالي في فندق فيرمونت في سان فرانسيسكو في 25 أبريل العام 1950، ثم أجريت مراسم دينية للزواج في 10 مايو العام 1950، وأثمرت هذه الزيجة عن ثلاثة أبناء هم: رفيق ورائد ورانيا .
وقامت ضجة كبيرة في مصر إزاء تلك الفضيحة الكبرى التي تسببت فيها نازلي وكان هذا الحادث المزري وغير المألوف بداية النهاية لأسرة محمد علي... التي حكمت أكبر بلد مسلم في العالم العربي لمدة 150 عاما وعجلت تلك الحادثة بانهيار تلك الأسرة العريقة.
ولم يجد فاروق أمامه سوى إعلان الحرب على الملكة الأم... ومالبث الملك فاروق أن حرمهما من جميع الألقاب الملكية والثروة أيضاً ،ثم أعلنتا تحولهما إلى المسيحية.
فقد أصدر مجلس البلاط حكمه في الموضوع، ووقف إلى جانب فاروق في دعواه ضد أمه وشقيقته فتحية.
وقرر مجلس البلاط توقيع الحجر على الملكة نازلي والتفريق بين فتحية وزوجها.
واعتبر أن زواج المسلمة من غير مسلم باطل بطلاناً أصليا ولا يترتب عليه أي أثر من آثار الزوجية طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية وأنه إذا أسلم شخص فعلا وتزوج بمسلمة عريقة في الإسلام فإن هذا العقد إذا حصل بغير رضاء الولي أو العاصب لا يصح.
الرد القاسي
وكان الرد على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي سريعاً وقاسياً... فقد تحدثت الملكة نازلي والأميرة فتحية أمام الصحافيين للتعليق على القرارات الصادرة من مجلس البلاط في مصر إزاءهما. وقالت وكالة أنباء يونايتد برس إن الأميرة فتحية سُئ.لَت عن رأيها في معارضة الملك فاروق لزواجها من رياض غالي، فقالت: «إن غايتي الوحيدة أن أجعل زوجي سعيداً، وأن أنجب له عدداً كبيراً من الأطفال».
وبدأ الغرام بين الأميرة فتحية وزوجها، ذلك أن الغرام يفتر و طرأت بينهما خلافات وصلت إلى حد أن رياض غالي ـ كما ورد في تحقيقات شرطة لوس أنجليس ـ كان يضرب زوجته دائماً، ثم يضرب الملكة نازلي ويضرب الأميرة فائزة إذا حاولتا التدخل لمنعه من الاعتداء على زوجته.
فقد أخذ الزوج في ابتزاز نازلي وابنتها ماليا، وفي حين انشغلت فتحية بإنجاب الأطفال، أخذ غالي يبدد الأموال في شراء وتعاطي المخدرات، واعتدى بالضرب على زوجته في أكثر من مناسبة، لدرجة أنه كسر ذات مرة زجاجة خمر في ملهى ليلي وحاول أن يضربها بها لأنها طالبته بالطلاق وانفصل الزوجان جسديا العام 1965، ثم طلبت فتحية الطلاق في العام 1973.
و حدث أن توفيت جليلة ـ أم رياض غالي ـ وكانت على علاقة طيبة بفتحية، فأرادت الأخيرة أن تقدم واجب التعزية، وأراد رياض إعادتها إليه، لكنها رفضت، وكانت تفكر آنذاك في العودة إلى مصر بعد أن أفلست هي وأمها، وبيعت آخر مجوهرات الملكة نازلي في المزاد العلني.
غير أن رياض طلب من فتحية أن تزوره للمرة الأخيرة، وكانت بالفعل زيارةً أخيرة، إذ أطلق عليها الرصاص في مساء 10 ديسمبر العام 1976، واستقرت «5» رصاصات في جسد فتحية لترديها قتيلةً على الفور... حاول القاتل إطلاق رصاصةٍ على نفسه بقصد الانتحار، لكنه نجا من الموت. وعندما تأخرت فتحية في العودة، ذهب ابنها إلى منزل مطلقها في لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا، ليجد جثة أمه على الأرض غارقةً في دمائها، في حين كان والده مصاباً بطلقٍ ناري أدى إلى أن يفقد جزءاً من قدرته على الإبصار إضافةً إلى ضعف الذاكرة لازمه حتى وفاته في سانتا مونيكا بلوس أنجلوس في 12 يوليو العام 1987.
حكمت إحدى المحاكم العليا الأميركية في 12 أبريل العام 1978 على رياض غالي بالسجن لمدة تتراوح بين سنةٍ واحدة و15سنة لقتله مطلقته الأميرة فتحية.
شيعت جنازة فتحية في مدينة لوس أنجلوس... ودُف.نَت هناك في مقبرة «غاردن أوف ذي هولي كروس» في كالفر سيتي بلوس أنجلوس بناءً على رغبة الملكة نازلي وضد رغبة أولادها الذين كانوا يريدون دفن أمهم في مصر. أما الذين شيعوا الجنازة فقد تجاوز عددهم 300 شخص، معظمهم من أصدقاء العائلة وأعضاء المجتمع الأرستقراطي الأميركي.
ومن المُحزن أن الملكة نازلي... كانت لا تزال على قيد الحياة حين أقدم رياض على قتل فتحية، وقد سارت في جنازة ابنتها تتوكأ على عصا.
وبقيت نازلي في لوس أنجلوس حتى توفيت هناك في 29 مايو العام 1978عن عمر يناهز 84 عاما.