الأجوبة المفيدة عن أسئلة العقيدة

1 يناير 1970 08:46 ص
زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أمور تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، والعميد المساعد بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت. وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة ([email protected]) أو فاكس رقم: (24815921)

دور المؤسسات التعليمية في تثبيت أمن البلاد



لا بد أن يعلم أن أعداء الملة يحسدون الأمة على كل نعمة، ويتمنون لها النكبة، ويرجون أن تعظم فيها البلية، لذا فنصائحهم لا ترفع محنة، ولا تكشف كربة، بل تزيد الطين بلة، ومن أمثلة ذلك ما نسمعه اليوم هنا وهناك من التواصي بتغيير المناهج التعليمية في البلاد الإسلامية، والسعي لتقليل المواد الدينية، وتهوين شأن المؤسسات الشرعية، بدعوى أن ما يقع في كثير من بلاد المسلمين في هذه الأيام العصيبة من قتل وتفجير، وهدم وتدمير إنما يقع باسم الجهاد، ودعوى الذود عن حياض الدين ومحاربة الظلم والفساد.

والحقيقة أن لا سبيل لصد عدوان تلك الشرذمة الطاغية والفئة الباغية إلا بحزم الأمراء وجهود العلماء، لذا قال شيخ الإسلام: (الكتاب يهدي والسيف ينصر {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31]، ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء والعلماء).

وعليه فالمؤسسات التعليمية وكليات الشريعة عليها مسؤولية عظيمة، ولها دور كبير، وسأشير إلى ما يجلي هذا الأمر في النقاط التالية:

1-أن الحجة على تلك الفئة كلما كانت من جهة ما يؤوون إليه ويستندون عليه كانت للمغرور بهم أنفع وأنجع، ولمن أشرب شبهتهم أوجع؛ لأنه لا (أبعد من البرء من مريض لا يؤتى من دائه إلا من جهة دوائه، ولا في علته إلا من قبل حميته)، ألا ترى أن الخوارج الأول لما ناظرهم ابن عباس رضي الله عنهما رجع منهم من رجع بالحجة، وهلك من هلك عن بينة.

2- أن السنة المعلومة من عادة هذه الفئة الباغية المهددة لأمن البلاد والعباد: التطاول على العلماء بالعيب، والولوغ في أعراضهم بالثلب، ومجابهتهم بالشتم والسب، وربما ترقوا مرتقى صعباً فيوقعون الحكم بردتهم ثم يتبع ذلك استباحة دمائهم، وما ذلك إلا لعظم أثر العلماء في رد باطلهم ودفع شبههم وبيان عوار مذهبهم وزيف أفكارهم، لذا حث الله عند الفتن على لزوم غرزهم، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 83].

3- نص العلماء على أن قول الخوارج نتج عن الجهل وعدم العلم، قال شيخ الإسلام: (قول الخوارج كان عن جهل بتأويل القرآن، وغلو في تعظيم الذنوب).

والدليل على ذلك أمور عدة منها:

أ- حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم).

ب- أثر ابن عباس رضي الله عنهما وفيه أنه قال لهم: (جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نزل الوحي، وهم أعلم بتأويله).

ج- قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين).

4- قرن الباري جل وعلا بين الأمن والهدى في قوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وفيه تنبيه على أن الأمن لا يكون إلا مع الهدى، وأصل الهدى هو العلم النافع، فالعلم والأمن مقترنان، فبقدر ما ينقص من العلم بقدر ما تهيج الفتن وتثار الإحن، وقد قرر ذلك شيخ الإسلام في قوله: (الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فبالهدى يعرف الحق، وبدين الحق يقصد الخير ويعمل به، فلا بد من علم بالحق، وقصد له وقدرة عليه، والفتنة تضاد ذلك، فإنها تمنع معرفة الحق أو قصده أو القدرة عليه، فيكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل، حتى لا يتميز لكثير من الناس أو أكثرهم، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته، ويكون فيها من ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير، ولهذا ينكر الإنسان قلبه عند الفتنة، فيرد على القلوب ما يمنعها من معرفة الحق.

5- الأمن مرتبط بالرحمة، فمن لم يكن رحيماً لا بد وأن يكون فضاً غليظاً، جباراً عنيفاً، وهذه الأوصاف تدفع صاحبها إلى الإفساد دفعاً، وتؤزه إلى القتل أزاً، فيسفك الدماء ظلماً فتذهب هدَراً، ويستبيحها أشراً وبَطَراً، قال الطبري: (من فعل الجبابرة قتل النفوس ظلماً بغير حق). وأما من كان رحيماً فيتعالى عن السب والشتم بله القتل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين لما قيل له ادع على المشركين قال: (إني لم أبعث لعَّاناً، وإنما بعثت رحمة). ولهذا كان لزوم الرفق واللين ديدن الصالحين، وسبيل المصلحين، قال الطاهر ابن عاشور: (اللين من شعار الدعوة إلى الحق، قال تعالى: { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 126]، وقال: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران: 156]... إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء، لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى). وأما العنف فهو قرين الفساد والإفساد، وطريق أهل الزيغ والعناد، فما عرف عن الطوائف التي اتخذته منهجاً أنها أتت بخير قط، فالتاريخ يشهد أنهم لا الإسلام نصروا، ولا الظلم رفعوا، ولا الكفر كسروا، بل أضروا وما نفعوا، فلا يصح أن يقال فيهم: إنهم هدموا مصرا، وبنوا قصرا، بل إنهم هدموا الكعبة، واستوطنوا البيعة. والمقصود أن الأمن مرتبط بالرحمة، والرحمة مرتبطة بالعلم، فكلما كان الإنسان أكثر علماً بالحق كلما كان أرحم بالخلق، يقول ابن القيم: (الرجل كلما اتسع علمه اتسعت رحمته، وقد وسع ربنا كل شيء رحمة وعلماً، فوسعت رحمته كل شيء، وأحاط بكل شيء علما).

6- أن الأمن الحق، والأمان المطلق، لا يكون إلا في دار النعيم، ولا سبيل إليها إلا بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل، يقول شيخ الإسلام: (الأمن من عذاب الله وحصول السعادة إنما هو بطاعته). ويقول ابن القيم: (بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة، فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة