أطفال حكموا العالم

الإسكندر المقدوني «الأكبر»... تولى الحكم وعمره 13 عاما / 16

1 يناير 1970 03:29 م
| القاهرة - من نعمات مجدي |
«هل حكم أطفال أو صغار؟» وهل تقلدوا زمام الأمور ومقاليد الحكم في بلدانهم؟
سؤال قد تكون الاجابة عليه لـ «الوهلة الأولى» لا، أو لا نعرف أو قد لكن من ومتى وأين؟
ونحن نقلب في أوراق قديمة جدا أو قديمة فقط، أو حتى حديثة، كانت المفاجآت تتوالى تباعا حيث اتضح أن الكثير من هؤلاء بالفعل حكموا وصالوا وجالوا وأيضا أخطأوا وارتكبوا مخالفات أثرت على شعوبهم.
ونحن نقلب في أوراق مختلفة أتضح أن كثيرا من المجتمعات «شمالية وجنوبية شرقية وغربية» حكمت من خلال أطفال وفتيان وشبان صغار.
وجدنا هذا في الممالك القديمة «مصر والعراق» ووجدناه في العصر الإسلامي ووجدناه في أوروبا وآسيا وغيرهما.
عثرنا على ما يؤكد أن طفلا في السابعة «حكم» وأن أكبر منه بسنوات قليلة قاد بلده وأن من هم في العشرين «كثر» تقلدوا زمام الأمور.
الأمر مع غرابته لا يخلو حتما من الطرائف والعجائب والمواقف الساخنة والمعارك المشتعلة حتى إن هذه الأمور حفرت في ذاكرة الشعوب أو في مجلدات تراثية.
«الراي» قلبت كثيرا في أوراق تراثية وقديمة ومتوسطة وحديثة واقتربت من حكايات غريبة وعجيبة مع أطفال وصغار وشبان حكموا وفي السطور التالية تفاصيل كثيرة.


كثيرون من تولوا الحكم «صغارا»... ولكن الأكيد أن بينهم مشاهير... ومن هؤلاء الاسكندر المقدوني... اسمه باليوناني «ألكسندروس» ولد العام «356 ق.م»... تتلمذ على يد أرسطو العام «343 ق.م»، ولكن لم يأخذ عنه أفكاره السياسية... تعلم فنون الحرب خلال المعارك، وأخذ مكان أبيه فيليب الثاني أولمبياس.
وفي العام «336 ق.م»... لم يخسر قط معركة خلال 11 سنة قتالا ضد قوات تفوقه عددا، خاض عدة معارك وخرج منها منتصرا... مارس خلالها القسوة والتسامح في آن واحد، وعندما استقر حكمه بدأ يفكر بحملة آسيا التي طالما خطط أبوه لها، انطلق في ربيع «334 ق.م»، وأصبح سيدا على آسيا الصغرى بعد الانتصار على أول جيش فارسي تابع تقدمه... حيث حرر الكثير من المدن اليونانية من الحكم الفارسي ملحقا هزائم ساحقة بخصومه، والجيوش الهاربة.
وطالب الاسكندر الأكبر الفرس بالخضوع الكامل وتابع خطته لتطويق شرق البحر الأبيض المتوسط، وأخضع الساحل السوري كله، وبعد احتلال القدس دخل الاسكندر المقدوني الى مصر التي كان الفرس قد أخضعوها لحكمهم منذ العام «343 ق.م».
واستطاع الاسكندر اكتساب السكان باحترام معابدهم وطقوسهم الدينية... حيث بنى مدينة الاسكندرية على الطرف الغربي للدلتا، واحتل الشاطئ كله واجتاز دجلة والفرات ودارت معركة خيالية في أربيليس... أنهت مقاومة الفرس نهائيا.
وكان أصعب ما واجه الاسكندر هو اخضاع المقاطعات الشرقية نظرا لأن سكانها كانوا من الشعوب الصلبة الجبلية المحاربة التي دافعت عن أرضها، فوسع حجم قوته وأدخل تعديلات على حياته، فأصبح الملك الأعلى الذي يجسد نصف الاله، وعمره لا يتعدى 13 عاما، وأحاط نفسه بأسطورة ذات تقاليد وطقوس شبه دينية، وكان على الجميع أن يركعوا أمامه، والا أعدموا.
انتفاضات كثيرة
اندلعت ضد الاسكندر انتفاضات كثيرة، ولكنها لم تمنعه من متابعة التقدم فبنى على طريقه مدنا استراتيجية رائعة وواصل تقدمه، وهو يقاتل حتى وصل الى شواطئ نهر بياس، وعندما أراد التقدم أوشك جنوده على التمرد فاضطر الى التوقف وعاد أدراجه حتى وصل الى المحيط الهندي... حيث أراد بناء ترسانة بحرية وبعد حيرة مضنية في صحارى ايران وصل الجيش الى سوس في «324 ق.م».
على الرغم من أن الاسكندر لم يمكث في مصر الا أشهر قلائل... فانه في خلال تلك المدة القصيرة تمكن من وضع أساس «مملكة مقدونية اغريقية»... كانت غربية في ظاهرها، مصرية في أصولها، وقد استمرت دولة البطالمة ثابتة الأركان ثلاثة قرون كاملة، وفي خلال تلك المدة الطويلة نهضت مصر من حيث العلوم والمعارف والاقتصاد، وقبل أن نتحدث عن حكم «الاسكندر الأكبر» لمصر سنلقي نظرة خاطفة على الأحوال العالمية قبل قيام الاسكندر بفتح معظم دول العالم القديم وبخاصة بلاد «الفرس».
عرش مقدونيا
بعد موت فليب المقدوني خلفه ابنه الاسكندر على عرش مقدونيا وكانت الأخطار من جميع النواحي داخل البلاد وخارجها، وكان أول ما وجه همه اليه هو بلاد اليونان التي قابلت موت والده «فيليب» بهتافات الفرح والسرور لأنه سلبها حريتها، ولقد بلغ بأهلها الفرح الى أنهم أصدروا منشورا ينص على تعظيم قاتل والده «فيليب الثاني» آخذا اقتراح الخطيب اليوناني المفوه «دموستين»... حيث قامت المدن اليونانية واحدة بعد الأخرى تطرد الحاميات المقدونية من أراضيها وتنفض عن نفسها عبء نير حكم الأسرة المقدونية، التي كان على رأسها وقتئذ الاسكندر الذي أخذ يهاجم المدن المنشقة حتى أخضعها لسلطانه، وأعاد فيها النظام والأمن الى نصابها، وبعد أن تم له النصر، وهدأت الأحوال انتخبته المدن الاغريقية قائدا عاما عليها... ليقود جيوشها لمحاربة بلاد الفرس التي كان والده قد بدأ فعلا في غزوها.
وطاردته الآمال في ذلك الوقت أن يلقب بـ «ملك مقدونيا»، ولكن صادفته صعاب كثيرة، على الرغم من أن المدن الأغريقية المغلوبة على أمرها قد أمدته بفرق في جنودها.
متاعب الاسكندر
كان الاسكندر الأكبر لديه الكثير من المشاكل التي كان لابد أن يتغلب عليها قبل أن يغادر وطنه لفتح بلاد الفرس، وخصوصا الدسائس والأحقاد التي نجمت عن موت والده «فيليب الثاني» بعد أن وجد سلطانه في بلاد الاغريق وكون حلفا، وكانت هناك استعدادات هذا الحلف لغزو بلاد الفرس، ولكن بسبب خيانة فيليب لزوجته «أوليمبياس»، والدة الاسكندر فشل في تكوين الامبراطورية الفارسية... حيث كانت «أوليمبياس» تعاني مما يرتكبه زوجها من خيانة علنية تجرح شعورها وتحط من كرامتها وكبريائها، وتأزمت الأمور بين فيليب و«أوليمبياس».
حتى وصل الخلاف الى قمته عندما وقع فيليب في حب فتاة مقدونية من علية القوم في مقدونيا، ولم تكن الأحوال تسمح له بأن يتخذها مجرد «خليلة»، هذه الفتاة هي «كليوباترا» ابنة أخت القائد «أنالوس»، ولم يكن في مقدور «فيليب» أن يكبح جماح شهوته... فاستسلم لها.
وهجر زوجته «أوليمبياس» والدة الاسكندر، وأقام حفلا عظيما أعلن فيه ارتباطه بـ «كليوباترا»، وفي أثناء الحفل دعا والدها القائد «آنالوس» أن يرزق العروسان ابنا شرعيا ليكون وارث عرش مقدونيا.
وعندما سمع «الاسكندر» هذه العبارة هب من مكانه وقذف كأس شرابه وأشهر سيفه أمام الرجل الذي نال من شرف أمه، وفي هذه الأثناء تدخل «فيليب» وحاول طعن الاسكندر وهو يترنح من شدة السكر... عندئذ صاح الاسكندر هازئا «تأملوا الرجل الذي يريد أن يعبر من أوروبا الى آسيا، وهو يسقط على الأرض عندما أراد أن ينتقل من مقعد الى مقعد».
وعلى اثر هذا المشهد لم تعد مقدونيا صالحة لتكون مستقرا للاسكندر، فقد صاحب الملكة والدته المطلقة الى «أبيدوس» مقر شقيقتها واعتزل العالم في جبال «لينسيستيس» وظل هناك الى أن دعاه والده للعودة الى مقدونيا، وفي هذا الوقت كانت «كليوباترا» زوجة والده قد وضعت غلاما، ما جعل خلافة الاسكندر محفوفة بالخطر.
موت فيليب
ولكن سرعان ما انتهى هذا الخوف بعد انتقام «أوليمبياس» منه... حيث سلطت عليه شخصا يدعى «بوزالياس» كان قد أساء اليه «فيليب»... حيث كان ثائرا عليه الى حد الجنون بسبب أنه لم يقض له بحقه في غريم له... حيث ظهر في احدى الحفلات التي أقامها «فيليب»... وهجم عليه بخنجر وطعنه طعنة كانت هي القاضية.
وعلى اثر ذلك قبض على الجاني وقتل في الحال غير أن الآثم الحقيقي لم يكن في الواقع سوى أوليمبياس والدة الاسكندر... وآل الملك بعد فيليب الى ابنه «الاسكندر»، وكان أول عمل داخلي قام به بين أفراد أسرته هو أنه تخلص بالاشتراك مع والدته من زوجة أبيه «كليوباترا»، ومن والدها وابنها.
فقد أمر بقتل «أنالوس» في آسيا، ولكن الاسكندر لم يكن المسؤول عن قتل «كليوباترا» وابنها الطفل، اذ ان ذلك كان من عمل «أولمبياس» والدته التي كانت تتعطش للانتقام فأغرت بذبح الطفل في حجر أمه وأجبرت «كليوباترا» على أن تموت مخنوقة بحزامها.
مشوار الاسكندر الأكبر
بعد أن تخلص الاسكندر من متاعبه الأسرية... أخذ يتطلع الى ما حوله من مؤامرات في مقدونيا ومدن الاغريق، ولكنه لم يمض زمن طويل حتى قضى على كل الثورات والاضطرابات في جميع أنحاء مملكته، وبذلك أصبحت بلاد الاغريق تدين له بالطاعة، غير أنها لم تكن طاعة عن حب وولاء بل عن خوف ورهبة، وعندما هدأت الأمور أخذ يعد العدة لغزو بلاد الفرس التي كان والده قد أتم العدة لغزوها.
وفي شتاء العام «334 ق.م» بدأ في عمل الاستعدادات الحربية وتنظيم أحوال بلاده، وقبل أن يغادر مقدونيا... يقال انه قسم جميع ضياعه الملكية ودخله بين أصدقائه، وعندما سأله القائد «برديكاس» ما الذي تركته لنفسك؟ قال «الأمل» فأجابه برديكاس: «ونحن أولئك الذين يخرجون للقتال معك في حاجة الى أن نشاطرك في أملك».
زحف الاسكندر الأكبر بعد ذلك بجيشه في ربيع العام «334 ق.م» لغزو بلاد الفرس، وكان غرضه فتح فارس وانزال عاهلها العظيم عن عرشه ليعتليه هو، وقد كانت خطته على «3» مراحل... الأولى فتح «آسيا الصغرى»، والثانية فتح «سورية» و«مصر»، وهذان الفتحان كانا لفتحه الثالث، وهو الاستيلاء على «بابل وسوس».
حيث زحف الاسكندر على رأس جيش قوامه «35.000» مقدوني... حيث بدأ بفتح آسيا الصغرى التي كان يدافع عنها الفرس بجيش عظيم يبلغ نحو «40» ألف مقاتل فاكتسح الجيش الفارسي أمامه واستولى على بلاد «آسيا الصغرى» الواحدة تلو الأخرى.
ووضع في أقاليمها النظام، وحشد في هذه الحرب الغاشمة «110» رجال، وبذلك أصبح مسيطرا على جميع ولايات آسيا الصغرى وباستمرار تقدمه جنوبا، واجه الاسكندر جيش الفرس الأول الذي قاده الملك داريوس الثالث في أسوس في شمال شرق سورية.
ولم يكن معروفا كم عدد جيش داريوس حوالى 500 ألف رجل، ولقد انتهت هذه المعركة بنصر كبير للاسكندر، حيث كان هدفه الأعظم هو الاستيلاء على بلاد «فينيقيا» وبخاصة «مور» و«صيدا» و«أرادوس».
وبسقوط هذه المدن أصبحت سورية ومصر في متناول الاسكندر، ولا ريب أنه لم يقابل أي مقاومة في زحفه جنوبا نحو مصر الى أن وصل الى غزة التي كانت ترابط فيها حامية قوية ضخمة، وكان حاكم هذه المدينة وقائد حاميتها من قبل «دارا» ويدعى «باتيس» فهاجم الاسكندر غزة من جميع جهاتها بالمنجنيق والألغام، وواجه مقاومة شرسة حتى تمكن من السيطرة عليها، وقبل هذه المعركة قفز الاسكندر الأكبر شمالا تاركا أمه وزوجته وأولاده... حيث عاملهم معاملة جيدة.
وبعد استيلائه على مناطق سورية الداخلية وحتى نهر الفرات اتجه نحو الساحل السوري غربا... وفي سورية اتجه جنوبا حتى اقتحم مدينة «صور» وحاصرها لمدة سبعة أشهر العام «332ق.م» وبعدها احتل غزة بعد معركة شرسة.
الزحف على مصر
اعتبر الاسكندر أن دخوله مصر نزهة... بعد حالة الحرب الطاحنة التي خاضها في حصار «صور» و«غزة»، وذلك في أكتوبر «332 ق.م»، ولقد ساعده في فتح مصر أن أهلها كانوا ساخطين على الحكم الفارسي في أواخر أيامه.
ومن أجل ذلك لم يكن «مازاكس» مستعدا لمقاومة غزو الاسكندر، وزحف الاسكندر... بجيشه من غزة الى مصر... فوصل الى الحدود المصرية بعد مسيرة «7» أيام وعسكر في بلوز «الفرما»... حيث الحامية المصرية التي كانت تقع على الحدود وتشرف على الفرع الشرقي للنيل، ومن المدهش أن الاسكندر عندما وصل الى مصر، ولم يجد أبوابها مفتوحة له وحسب بل رأى حشودا من المصريين حتى تجمعوا ليرحبوا ؟ بقدومه.
احتفال عظيم
أمضى الاسكندر بعد ذلك بعض الوقت في «منف»... حيث توج ملكا على مصر في احتفال عظيم قدم خلاله هدايا فاخرة للآلهة كما قدم قربانا للعجل «أبيس»، وأقام مباريات رياضية وموسيقية... حيث حرص على أن يحضر معه من بلاد الاغريق أشهر المغنين لهذه المباريات بمناسبة عيد تتويجه فرعونا على مصر.
وبذلك أظهر الاسكندر نفسه في دور السياسي الذي يرغب في التقريب بين الشرق والغرب... ولا عجب في أن يقيم احتفال تتوجيه في «منف» التي كانت منذ أقدم العهود المكان المختار لتتويج فراعنة مصر، وقد ظلت كذلك حتى نهاية العهد الفرعوني وبعد الاحتفال بتتويجه انحدر الاسكندر من «منف» في أقصى فروع النيل، وهو الفرع الجانوبي حتى مصبه، ومن هناك أقلع في اتجاه غربي على الشاطئ ليشاهد كلا من جزيرة «فاروس» التي اشتهرت في شعر «هومر» وبحيرة مريوط.
تأسيس الاسكندرية
ولقد لفت انتباه الاسكندر أثناء سيره في فرع النيل بقرية «راكوتيس» الصغيرة المشهورة بصيد الأسماك، وقد وجد بعض الأثريين في موقع هذه القرية بقايا مباني ميناء قديم على زعمهم.
وعلى أي حال فانه لم يكن في هذه البقعة ما يجذب نظر السائح العادي خلال القرن الرابع قبل الميلاد، عندما فكر الاسكندر في انشاء ميناء بحري فيها... اذ كانت عبارة عن ساحل منخفض عليه جزيرة صغيرة بعيدة عنه أقيمت عليها قرية لا أهمية لها تسكن فيها جماعة من صائدي الأسماك.
والواقع أنه لم يكن في نظرها ما يوحي بقيام مدينة عظيمة كالاسكندرية بعد فترة قصيرة من الزمن... ومع ذلك فان هذا الموقع هو الذي اختاره الاسكندر ليكون البقعة التي عزم على أن يؤسس فيها المدينة الهائلة التي أقامها على ثرى مصر وقد كان يشعر أنه بعمله هذا سيقوم بنشر رسالة خاصة لبلاده وهي «الثقافة الاغريقية» في بلاد الشرق.
وقد يكون من السهل أن تستنبط مثل هذا الرأي، لأن الاسكندر كان من أعظم عبقريات التاريخ، كما كانت الاسكندرية تعد من أعظم مدن العالم القديم ومن أهمها موقعا من حيث التجارة البحرية.
ويرجع الفضل للاسكندر الأكبر في تخطيط المدينة، ووضع محيط دائرة جدرانها واتجاه شوارعها الرئيسية ومواقع المعابد المعدة لعبادة الآلهة الاغريقية والمصرية والواقع أنه عندما لقى الاسكندر حتفه العام 323 ق.م كانت الاسكندرية الميناء الذي قدر له الحظ أن يكون حليفا لميناء «صور» من حيث السيادة التجارية في شرقي البحر الأبيض المتوسط.
زيارة... لواحة سيوة
تعد رحلة الاسكندر الأكبر الى واحة سيوة لزيارة معبد «آمون» ثاني حدث عظيم وقع في مصر أثناء مسكنه فيها... حيث تدل شواهد الأحوال على أن الاله «آمون» في واحة سيوة لم يكن له شأن يذكر في العهد المتأخر من تاريخ مصر الى أن جاء الملك «أوكريس» وأخذ في احياء عبادة هذا الاله، وهذا الملك يعد أول ملك مصري ظهر اسمه على النقوش المصرية على معبد هذه الواحة.
وبدأ الاسكندر في السير على حسب الأنظمة المصرية، وبمجرد دخوله وادي النيل والاعتراف به فرعونا... لم يجعل في مقدوره أن يتخلص من ضرورة الحصول على أب الهي، وأن يعلن أنه ابن «آمون» وابن «رع» وابن أولئك الآلهة كبارهم أو صغارهم ممن سيخاطبهم، ولم تخلصه صفته الهيلانية من هذا المصير اذ الواقع أن مصر كانت لها كثير من الحكام الأجانب.
وكان عليها أن تطبق نظريتها الخاصة بالملكية الشمسية تحقيقا لتاريخها، ولذلك فان الطرق التي استخدمها الفراعنة - الذين هم من أصل مصري - قد استعملها منذ زمن بعيد الفراعنة الذين هم من سلالة أجنبية... فهل كان الاسكندر يعلم كل ذلك... والشيء الوحيد الذي نعلمه هو أن الاسكندر دخل أفريقيا مجرد انسان في البشر بوصفه «ابن فيليب»، وخرج منها بوصفه الاله الكامل ابن «آمون» راضيا أو كارها فهذه الموازنة التي أوردناها فيما سبق بين أقوال المؤرخين من الاغريق وبين ما جاء في النقوش المصرية القديمة دليل على أن «كاليستنيس» الاغريقي كانت له دراية بسير الأمور في مصر أو أنه قرأ كثيرا عن مصر ومعتقداتها.
عودة الاسكندر
بعد أن عاد الاسكندر الأكبر من واحة «سيوة»... وهو يحمل لقب فرعون بكل معاني الكلمة أمضى الشهر الأخير من اقامته في مصر في مدينة «منف»، وقد كانت أول مهمة قام بها هي تنظيم أحوال البلاد وتعيين موظفين مختلفين ليقوموا بادارة الحكومة.
و في هذه الفترة زاره رئيس أسطوله «هجلوكس» وكان معه أسرى «أرسيتونيكوس» وغيره من مختلف ملوك مدن الاغريق... فأمر الاسكندر أن يسلم هؤلاء الى مدنهم وأن يعاملهم السكان كما شاءوا، ويلحظ أن الاسكندر منذ اللحظة التي توج فيها ملكا على مصر أصبح يدعى ابن الاله ووارثه ملك القطرين، وبعبارة أخرى كان يعد في نظر المصريين الها.
قبل أن يغادر الاسكندر أرض مصر لشن الغارة على ملك الفرس وانتزاع ملكه منه نهائيا، منح مصر حكما ذاتيا ثابت الأركان، فكان يدير حكومة البلاد حاكمان: أحدهما مصري الأصل وهو يتيزي... والثاني يدعى «دولواسبيس» ويقال انه كان أناضوليا أو فارسي المنبت، ولكن يظهر أنه كان مصريا أيضا وقد قسمت ادارة البلاد بينهما.
وبعد خروج الاسكندر من مصر اتجه الى «مدينة بابل» بعد معركة «جاوجايلا»، وكذلك مدينة «سوسا» فيما بعد... حتى فتحت، وفي منتصف فصل الشتاء العام «331 ق.م» اتجه الاسكندر الى بيرسبوليس عاصمة الفرس... حيث قام بحرقها بأكملها انتقاما لما فعله الفرس في أثينا في عهد سابق.
نهاية مأسوية
وصل الاسكندر الأكبر الى بابل في ربيع «323 ق.م» في بلدة تدعى «سوسة» على نهر الفرات في سورية حاليا... قام الاسكندر بنصب معسكره بالقرب من النهر شرق سورية وبعد مدة في شهر يونيو من العام «373 ق.م» أصيب بحمى شديدة مات على اثرها تاركا وراءه امبراطورية عظيمة واسعة الأطراف.
وكانت آخر العبارات التي نطق بها وهو على فراش الموت... نطق بجملة غامضة بقي أثرها أعواما كثيرة... حيث قال «الى الأقوى» يعتقد أنها قادت الى صراعات شديدة استمرت حوالى نصف قرن من الزمن.
وفي رواية أخرى مات الاسكندر الأكبر مسموما بسم دسه له طبيبه الخاص الذي يثق فيه ثقة عمياء وسقط مريضا حوالى أسبوعين.
وكان قد سلم الخاتم الخاص به لقائد جيشه برداكيس، وهو على فراش المرض، وطلب من الجنود زيارته في فراشه، ويبدو أن المحيطين به في تلك الفترة كانوا متآمرين نظرا لتصرفاته وسلوكياته الغريبة... حيث انه في أواخر أيامه طلب من الاغريق تأليهه في الوقت الذي كان عنيفا مع الكثيرين... بالاضافة الى اكثاره من شرب الخمر... كل هذه العوامل جعلت البعض يتربصون به ويحاولون الفتك به.