دقّت ساعة الإضراب... الوزير الصالح يطالب بتغليب «صوت العقل والحكمة والعودة الى المفاوضات»

يوم امتحان... «الذهب الأسود»!

1 يناير 1970 02:40 م
• النقابيون: عودة الحقوق المسلوبة واستقالة المتسببين في الانتقاص من حقوق العاملين

• «الحرس» مستعد للدعم الفني واللوجيستي... و«الداخلية» تحذر من المسيرات والتجمعات

• الدعاة النشمي والعلي والطبطبائي والمسباح والخميس والمطوع: الإضراب محرّم شرعاً... ولا يجوز تعطيل العمل
تصبحون على إضراب...

هو عنوان اليوم، يوم «الذهب الأسود» 17 أبريل، وقد حزم اتحاد عمال البترول والنقابات النفطية الأمر، واعلنوا المضي قدماً في الإضراب، متسلحين بحقوق ومكاسب، وبـ «دعم دولي» ما ينذر أن «كرة الثلج» قد تكبر مع كل يوم إضراب.

هل من مبادرة في «النفس الأخير» قبل أن تدق الساعة السابعة صباحاً، وربما بعدها، لـ «تنفيس الاحتقان» والتمعن بروية في «الخسائر المليارية» التي قد تنتج عن الإضراب اذا بقي «مفتوحاً»، أم أن الأمر ماض في «سجال التصعيد» الذي قد يقود الى حل الاتحاد والنقابات؟... الإجابة رهن تطورات اللحظة الأخيرة.

من جهته، لم ينقطع نائب رئيس الوزراء وزير المالية وزير النفط بالوكالة أنس الصالح عن متابعة تطورات الساحة النفطية الكويتية، على الرغم من مشاركته في اجتماع تشاوري في العاصمة القطرية الدوحة لوزراء النفط الخليجيين تمهيداً لاجتماع وزراء الدول المنتجة للنفط اليوم.

ودعا الصالح اتحاد البترول وصناعة البتروكيماويات والنقابات العمالية التابعة له الى تغليب المصلحة العامة وصوت العقل والحكمة والجلوس إلى طاولة المفاوضات لتجنيب القطاع النفطي الدخول في منازعات تضر بمصالح وسمعة ومكانة البلاد محلياً وعالمياً.

وقال الصالح في بيان صحافي ان المرحلة الحرجة التي يمر بها اقتصاد الدولة نتيجة انخفاض أسعار النفط تقتضي عمل الجميع على تجسيد وحدة الصف والعمل برؤية مشتركة لتحقيق التقارب في وجهات النظر، وإنهاء كل ما قد يؤثر على المسيرة النيرة للقطاع النفطي الكويتي وعلى عمليات التنمية التي يشهدها.

وأكد الصالح أن مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة لا تزال تؤكد عدم المساس بحقوق العاملين المتمثلة في الرواتب والمنحة الإضافية ومكافأة نهاية الخدمة وطريقة احتسابها ولا بالمزايا الوظيفية التي اكتسبوها بموجب أحكام هيئة التحكيم والاتفاقيات العمالية المبرمة.

ويبقى السؤال الأهم حالياً، من ينزع فتيل أزمة إضراب النفط؟ إذ يؤكد اتحاد عمال البترول والنقابات، المضي قدماً في الإضراب لحين تنفيذ مطالبهم بإلغاء قرارات الانتقاص من حقوق العاملين ومكتسباتهم، ومن ثم بدء التفاوض على المبادرات، وقد تلقى هؤلاء دعماً ومساندة من اتحادات ونقابات عمالية خارجية، منها الاتحاد الدولي للنقابات الصناعية، الذي يضم تحت مظلته 50 مليون عامل في 140 دولة، والذي أعلن «تضامنه مع نضال اتحاد البترول في سعيه لحفظ حقوق العمال».

بدورها، ترى مصادر متابعة انه في حال اتخذت الجهات الرسمية في الدولة قراراً صبيحة اليوم بحل الاتحاد والنقابات وفقاً للقانون، فإن هذا القرار سيجبر العاملين على العودة لأماكن عملهم حتى لا يقعوا تحت المساءلة وتبعاتها القانونية.

في المقابل، تؤكد مصادر عمالية ان مثل هذا القرار ستكون له تبعات دولية في ظل توقيع الكويت على مواثيق ومعاهدات دولية، وبالتالي ستكبر كرة الثلج، ولا أحد يعرف إلى أين ستصل.

وشدد رئيس نقابة العاملين في شركة الناقلات الكويتية فايز الميموني، على انه لا يمكن حل الاتحاد من قبل الهيئة العامة للقوى العاملة، الا بانعقاد جمعية عمومية غير عادية، أو من خلال رفع قضايا تنظر فيها المحاكم الكويتية، مشيراً الى ان الاضراب اليوم لن ينتهي الا بعودة كافة «الحقوق المسلوبة، وعلاوة عليها اقالة المتسببين في الانتقاص من حقوق العاملين».

رئيس نقابة العاملين في نقابة نفط الكويت صلاح المرزوق حمّل الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول نزار العدساني المسؤولية الكاملة عن الأزمة الأخيرة التي دفعت عمال القطاع النفطي الى اعلان الاضراب الشامل والمفتوح في القطاعات النفطية كافة بالبلاد.

ووجه المرزوق تساؤلاً للعدساني قال فيه «لماذا امتنعت عن حضور لقائنا مع الوزير أنس الصالح بينما حضرت لهيئة القوى العاملة؟»، وشدد على ان من الواضح ان «العدساني يتبع سياسات فاشلة هدفها اجهاض الاضراب دون اعطاء العمال حقوقهم المشروعة».

وأعرب نائب رئيس الاتحاد العام لعمال الكويت ناصر العتيبي عن استغرابه ورفضه للتصريحات المهددة بحل اتحاد البترول ونقاباته في حال الإصرار على مطالبهم العادلة، مؤكداً أن مثل هذه التصريحات لا قيمة لها.

من ناحيتها، أعلنت شركة البترول الوطنية الكويتية ان اغلاق بعض وحدات التشغيل في مصفاة الأحمدي يعد أمراً طبيعياً مخططاً له مسبقاً وفقاً لخطة الصيانة الدورية أو بسبب التكامل مع مشروع الوقود البيئي، الذي يجري تنفيذه في مصفاتي ميناءي الأحمدي وعبدالله.

واوضحت الشركة «إن ما تناقلته بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول اغلاق وحدات التشغيل للظروف الاستثنائية التي يعيشها القطاع النفطي حالياً أمر غير صحيح»، لافتة الى أنه قد يتم إغلاق وحدة أو أكثر من اجمالي 52 وحدة تعمل في مصفاة الأحمدي «اذا كان ذلك ضرورياً كجزء من خطة الطوارئ».

وكشف رئيس لجنة تنمية الموارد البشرية البرلمانية النائب الدكتور خليل عبدالله أن اللجنة قدمت التطمينات الكافية للعاملين بالقطاع النفطي بأن البديل الاستراتيجي لن يمسهم، مستغرباً من اصرارهم على التفاوض مع الحكومة ومؤسسة البترول الكويتية «رغم ادراج البديل على أجندة اعمال اللجنة، والقرار النهائي سيكون قرارها وبما يوحي بأن اغراض هذا الاضراب قد تكون سياسية وليست فنية».

وأوضح عبدالله «ان التوجه لنقاش الحكومة حول سلم الأجور والمرتبات في أي قطاع من قطاعات الدولة ينم عن جهل أو عبث، فالجهة المنوط بها اقرار واصدار البديل الاستراتيجي هي مجلس الأمة»، معلناً ان «الاصرار على مفاوضة الحكومة وقبول الحكومة بهذا التفاوض أمر مستغرب فكيف تفاوض على شيء لا تملك البت فيه؟».

واكد عبدالله ان من يتحمل مسؤولية تطور الموقف هو مجلس ادارة مؤسسة البترول الوطنية والتعامل الحكومي «البارد» مع الحدث، مشدداً على ضرورة ان يستعجل مجلس الأمة اليوم قبل الغد قانون النقابات وجمعيات النفع العام.

واعرب عبدالله عن اعتقاده بأنه اذ كانت هناك نتائج لهذا الاضراب «فهي لإظهار فشل الاصلاح الحكومي في خطوات معالجة الاختلالات الاقتصادية».

من جهته أكد رئيس اللجنة المالية البرلمانية النائب فيصل الشايع لـ«الراي» ان الحكومة أوضحت وفي اكثر من مناسبة أن البديل الاستراتيجي لن يمس العاملين بالقطاع النفطي الحاليين ولن يتم تطبيقه على هذا القطاع الا بالتعيينات الجديدة بعد اقرار القانون، لافتا الى ان تقرير لجنة تنمية الموارد البشرية البرلمانية في شأن البديل الاستراتيجي لم ينجز حتى الان «فعلى اي اساس يقام اضراب يترتب عليه الاضرار بمصلحة البلاد الاقتصادية؟»

وشدد الشايع على ضرورة ان «يراعي الاخوة في النقابات النفطية الظرف الذي تمر به البلاد والمصلحة العامة والوقوف مع حكومة بلادهم في هذا التوقيت، من خلال الجلوس والحوار والبعد عن اي اضرابات، وان يحرصوا على استمرار التدفقات المالية وان لا يكونوا عقبة في طريق اصلاح الميزانية»،مشيراً الى ان «الحل بالحوار وليس بالاضراب والاضرار بمصالح البلاد».

وفي إطار الاستعدادات لمواكبة الإضراب، قالت مصادر في الحرس الوطني لـ«الراي» إن «الحرس» أنهى اجراءاته بالتنسيق مع مؤسسة البترول من اجل تقديم الدعم الفني واللوجستي للمؤسسة، وتم تشكيل فريق مشترك معها «لادارة الازمة».

وزادت المصادر «بحسب الخطة التي وضعت نتوقع ان لا يكون هناك تأثير للاضراب الا بعد 15 الى 30 يوما بسبب وجود المخزون من المشتقات لدي المحطات خلال الاسبوع الاول، اما في الاسبوع الثاني فان الحرس الوطني سيقوم بتقديم الدعم اللوجستي في عملية نقل الوقود من مخازن المحطات النفطية الى محطات الوقود».

وأشارت الى أن «الحرس» أنهى نقل كامل فريق دعمه الفني واللوجستي الى مواقع المنشآت النفطية، وهو جاهز حاليا لتسلم المواقع حال صدور الاوامر في حال تقرر المضي في الاضراب.

اما وزارة الداخلية، التي حجزت بعض قطاعاتها مثل امن المنشآت وامن الدولة والمباحث الجنائية، فقد حذرت من اقامة المسيرات والتجمعات او نصب الخيم او مكبرات الصوت، مؤكدة انها ستواجهها بحزم وتمنع اقامة التجمعات بموجب القانون ولن تتسامح معها.

وأكد عدد من الدعاة عدم جواز الإضراب لما فيه من تعطيل لمصالح الدولة والمواطنين.

وقال الدكتور عجيل النشمي إن الإضراب عن العمل «محرم شرعاً لما فيه من تعطيل مصالح الناس، وخصوصاً في الجهات الخدمية كالكهرباء والماء، وأخطر منهم البترول، لما يترتب عليه من خسائر فادحة».

وأكد النشمي «من تسبب في الإضراب يستحق شرعاً عقوبة من عطل مصالح الناس أو تسبب في خسائر مالية للدولة، والتعبير عن الرأي مكفول ويمكن التعبير بعد الدوام مثلاً».

بدوره، قال إمام وخطيب المسجد الكبير الشيخ الدكتور وليد العلي لـ«الراي» إن الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات «ليست من شعائر الدين الإسلامي في شيء، وليس من أعمال أهل الإيمان المطالبة بالحقوق ولو كانت مشروعة بسلوك طريق ترك العمل ونشر الفوضى وتأييدها وإثارة الفتن والطعن في أعراض غير المشاركين فيها وغيرها مما ترفضه النصوص الشرعية ويأباه خلق المسلم تربيةً ومنهجاً وسلوكاً، وإنما يتوصل إلى الحقوق المطلوبة بالطرق المشروعة، وذلك بمراجعة المسؤولين وولاة الأمر، فإن تحققت المطالب فذلك من فضل الله سبحانه، وإن كانت الأخرى وجب الصبر والاحتساب والمطالبة من جديد حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين».

من جهته، قال عميد كلية الشريعة السابق الدكتور محمد الطبطبائي إنه لا يجوز للعاملين في القطاع النفطي الإضراب وتعطيل العمل، وعليهم المطالبة بالوسائل القانونية.

من جانبه، قال الشيخ ناظم المسباح إن «الإضراب لا يجوز شرعاً لدى كثير من العلماء، لأن هناك بعض المهن لا يستطيع الناس الاستغناء عنها لساعات، فالإضراب يفتح باب شر»، مؤكداً أن «حرمة الإضراب ذهب إليها عدد من كبار العلماء منهم الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ ناصر الدين الألباني، والشيخ ابن عثيمين، رحمهم الله جميعاً، وكذلك الشيخ صالح الفوزان».

وقال الداعية الشيخ الدكتور عثمان الخميس في تصريح خاص لـ«الراي» إن «من له مطالب يجب أن يسلك الطرق الشرعية بأن يلجأ للقضاء ويشكو من الظلم الذي يتعرض له، فلا يجوز التذرع بتخفيض الرواتب لتنظيم الإضرابات» ، متسائلا: «ماذا لو أضرب الأطباء ؟ كيف نتخيل حال المرضى وقتها، أو أضرب رجال الشرطة ؟ هل نضر أمن البلاد ؟! فالإضرابات تعرض المجتمع للخطر».ورأى الداعية الشيخ فيصل قزاز الجاسم ان«الاضراب الذي ينفذه عمال النفط محرم ومن اشترك به فهو آثم».

وقال الجاسم ان «الاضراب يفتح باب الشر لكل من له مطالبة»، موضحا ان «شركات النفط ليست شركات خاصة بحيث لو منع مالكها الناس حقوقهم المتعاقد عليها جاز أن يمتنعوا عن العمل ‏بل هي شركات حكومية ولذا وجب الصبر».

واضاف ان «الإضرار بالبلاد وتكبيدها خسائر كبيرة قد تفوق المطالبات كل ذلك لمصالح شخصية فردية تعدٍ وظلم وعدم وفاء للوطن ولذا فلا يجوز المشاركة في هذا الإضراب، ومن اشترك فهو آثم وكل مال يأخذه المطالبون بسبب خضوع الدولة لمطالبهم خوفاً من العواقب فهو سحت».

من جهته، قال الأستاذ في جامعة الكويت الدكتور عادل المطيرات لـ«الراي» إن «الإضراب عن العمل عموماً لا يجوز وليس من الإسلام في شيء، ولم يثبت في تاريخ الإسلام منذ عهد النبوة شيء يسمى إضراباً أو اعتصاماً عن العمل، وهذا الإضراب له نتائج سيئة في المجتمع منها: إحداث الفوضى والبلبلة في المجتمع مما ينذر بالفتن المؤدية إلى إتلاف النفوس والأموال والأعراض».

وأضاف أن الإضراب «يؤدي كذلك إلى إضعاف هيبة الدولة مما يجرئ ضعاف النفوس إلى فعل ما يريدون لإحداث المشاكل في المجتمع».