بين «النصرة» و«حزب الله» وإيران

«بيع الجثث» في سورية ينطوي على ملايين الدولارات

1 يناير 1970 04:49 ص
في سريّة تامة، تجري في سورية عمليات تبادل للاسرى والجثث بين «جبهة النصرة» من جهة وايران و«حزب الله» من جهة اخرى، حيث تُدفع الملايين من الدولارات، كما تتضمن الصفقات شحنات غذائية وإطلاق سجناء داخل سجون النظام السوري في بعض الأحيان.

وتختلف «النصرة» عن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في مرونتها الأيديولوجية وتكتيكها، ما يجعلها أكثر براغماتية في المرحلة الحالية، وهذه المفارقة لا تتصل بمحاكمة أوجه الفرق بين الطرفين، ولكنها من باب الاشارة الى اختلاف المقاربات بين السلفيين المتطرّفين من كلا التنظيمين في ما يتعلق بمعاملة الأسرى ومبادلة الجثث والتفاوض في شأنها، خصوصاً اولئك الذين قُتلوا في ارض المعركة على ارض الشام.

... فلماذا تُعتبر «النصرة» اكثر ليونة من «داعش»؟

يرى أعداء «النصرة» ان هذا التنظيم عدو متحضّر، يتبع مقاربة جديدة تتأقلم مع الزمان والمكان، وانه أصبح يولي اهمية خاصة لجثث مقاتليه، على عكس «داعش». ففي معركة شمال سورية، يُنقل عن المتحاربين ان «النصرة» خسرت 4 مقاتلين في محاولتها سحب واسترداد جثة واحدة لمقاتل لديها، بغض النظر عن مستوى المسؤولية التي يحملها القتيل، ما يدل، على الارجح، على ان هذا التنظيم الذي يؤوي أعداداً كبيرة من المقاتلين الاجانب، يحرص على تسليم جثة القتيل الى ذويه كي يُدفن في وطنه الأصلي.

وأدركت «النصرة» أهمية الجثة وكرامتها عند «حزب الله» وايران، اللذين يتواجد مقاتلوهما في سورية. ففي تفاوض واحد على سبيل المثال، قبضت «النصرة» 200 ألف دولار من «حزب الله» مقابل إرجاع جثة، بغض النظر عن المستوى التنظيمي للقتيل. ذلك ان «النصرة» تدرك تماماً ان الحزب وايران لا ينسيان جثث قتلاهما في ارض المعركة، مهما طال الزمن، ويسعيان دائماً إلى المقايضة بهم.

إلا ان كل هذا الامر لا ينطبق على «داعش» الذي يسعى إلى الترويج للوحشية في القتل، بالصوت والصورة، عبر أفلام هووليودية، اصبحت مملّة ومهملة من الاعلام العالمي. ففضّل التنظيم حرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة، ليبثّه على الاعلام، مستخدماً أحدث التقنيات السينمائية المتوافرة، وهو ما تسبب في الاسراع بإعدام ساجدة الريشاوي (التي ترددت في تفجير نفسها مع زوجها في عمان العام 2005) وكذلك إعدام زياد الكربولي (احد مساعدي مؤسس القاعدة في العراق، التي تحولت الى داعش لاحقاً، ابو مصعب الزرقاوي). كما رفض «داعش» الملايين من الدولارات وإطلاق عدد كبير من السجناء «ليطبّق الشريعة». بينما تتخذ «النصرة» سياسة اخرى اليوم، بحسب المكان والظرف الذي تتواجد فيه، اتباعاً لسياسة التمكين، فتقبل المال لقاء الجثث وتفاوض على اطلاق سجنائها وسجناء حلفائها من سجون النظام، وتطلب مستشفى متنقلاً مقابل الجثث او الاسرى لديها. واذا طلبت مبلغاً مبالَغاً فيه - كما حصل في احدى المرات حيث طلبت مليوني دولار مقابل جثة واحدة - ورُفض طلبها، يؤجَّل الموضوع إلى ظروف افضل فتحافظ على الجثث والاسرى الى اللحظة التي يصبح التفاوض اكثر مرونة بين الطرفين.

وهذا ما لا يفعله «داعش» الذي يحتفظ بالاسرى لتدريب عناصره على الذبح، او لاختبار شجاعتهم، او لعرض المقاتلين الاجانب وهم يذبحون انساناً، لإظهار هؤلاء على انهم أصبحوا مجرمين في بلادهم، وهم مكشوفو الوجه ولا مفرّ لهم إلا في كنف المناطق التي يسيطر عليها «داعش». وهكذا، فعبر سياسة التمكين التي تتبعها «النصرة»، تتأقلم مع المجتمع الموجودة فيه ومع متطلباته، ولا تفجّر داخل المساجد، وتبتعد عن قتْل المدنيين، ولا تظهر على الإعلام لتنفيذ أحكام شريعة يشمئزّ منها الناس، من دون ان تختلف - في الجوهر - عن أحكام الشريعة التي يتبعها «داعش» في العلن.