| د. خالد الصالح |
في مثل هذا الشهر قبل نحو 12 عاماً، رحل عن دنيانا الأديب المفكر البحريني الخليجي يوسف الشيراوي، الذي كان من أبرز رجالات الخليج من التكنوقراط. تذكرت هذا الرجل الكبير عندما لامست قدماي مملكة البحرين العزيزة وأنا أصل إليها عن طريق جسر الملك فهد - رحمه الله - ولم تكن هذه المرة الأولى التي أتذكر فيها الشيراوي وأنا داخل للبحرين، فقد التقيت بالرجل مرة واحدة في حياتي، وكانت تكفي بالنسبة لي لمعرفة سعة أفق هذا الإنسان وثقافته وعشقه للأدب العربي.
هذا اللقاء الوحيد كان ضمن مؤتمر للسرطان عُقد في البحرين قبل سنوات قليلة على وفاة هذا الرجل الكبير، التقيت به قبل الافتتاح، تحاورت معه قليلاً، واستمعت لكلمته في افتتاحية المؤتمر بإنصات، ومازلت أذكر كلماته التي تعكس شخصيته، فقد افتتح كلمته بقوله «إنني كنت أؤمن بأن الأطباء أشخاص متكبرون ولكنني عندما اختلطت بهم في التحضيرات لهذا المؤتمر اعترف أمامكم بأنني لم أعد أؤمن بأنكم أشخاص متكبرون، لا أنتم فقط مجانين».
كلمات بسيطة جعلت اللقاء أكثر ودية بين الأطباء الجراحين الذين قدموا من كل أنحاء العالم لحضور مؤتمر السرطان وجعلت من السهل على الجميع أن يستمع إليه بكل حب وودّ بعد هذه الطرفة التي قربت المسافات.
تاريخ الشيراوي، طويل ويحتاج لنسرده إلى كتب وليس فقط مقالات، وقد شاء الحظ بتواجدي الأخير في البحرين قبل أيام أن ألتقي إحدى بناته، وهي السيدة سيما الشيراوي، التي تحدثت قليلا في سيرة والدها، وقد ذكرت لي أن أباها كان يؤمن بأن للبحرين مستقبلا كبيرا ولا سيما في مجالين مهمين، هما مجال السياحة العلاجية ومجال التعليم.
ما ذكرته ابنة الشيراوي يتحقق الآن في البحرين، فلم تعد جزيرة معزولة بل أصبحت مركزا حضاريا جاذبا، فما أن تطأ قدماك أرضها، حتى تشعر بالنظام والجمال وحسن المعاملة يحيط بك في كل مكان، دولة متقدمة في كثير من مجالاتها ويبدو واضحا الآن أن حكومة البحرين تؤكد على ما كان يتمناه الشيراوي حول السياحة العلاجية والتعليم.
التعليم في البحرين أصبح قطبا جاذباً ولاسيما الجامعي، والآن تسارع الخطى لوضع الأنظمة واللوائح التي تسهل العلاج السياحي داخلها، وحالما تنتهي تلك القوانين وتنفتح البحرين طبياً كما انفتحت علمياً، سيتأكد ما قاله المفكر الكبير قبل عقود.
مملكة البحرين حددت مسارها، وعرفت طريقها، ونجحت نجاحاً كبيراً في التنمية، ودائما ما يسأل الكويتي نفسه عندما يزور مثل تلك البلاد الجميلة، ما أهداف الكويت بلادنا؟ وماذا وضع مفكروها لمستقبلها المقبل؟ وما المسار المتأمل أن نسير فيه والذي لا أعتقد أن أحدنا حتى الآن يعرف دروبه؟
رغم أننا نمتلك مفكرين كبار لا يقلون قيمة عن الشيراوي، إلا أن الفرق أنه كان مقرباً ممن بيده القرار، أما مفكرونا ومبدعونا فهم بعيدون عن أصحاب القرار أو قل إن شئت مُبعَدين عن أصحاب القرار، لهذا ما زال قادتنا يتلمسون طريقهم من دون نور كافٍ من عقول واعية، وعندما تتلمس طريقك في الظلام فإنك لن تصل إلى أهدافك بسهولة.
رحم الله الشيراوي، أعطى الكثير وأبدع بالكثير، وخلق فكراً استفادت منه بلاده فأصبحت البحرين رغم قلة مداخيلها نموذجاً للبلد النامي الذي يسارع الخطى في طريق التقدم... الفال أيضاً للكويت إن شاء الله.
[email protected]