احتضار الصحافة الورَقية في لبنان!

1 يناير 1970 09:22 ص
رمزي النجار: الصحافة الإلكترونية يقرأها الجهاز العصبي والورقية يقرأها العقل ... والاثنان مهمان

يوسف الحويك: الضائقة التي تمرّ بها الصحافة في لبنان لا تعني أنها تتهاوى

عوني الكعكي: الصحف في العالم تتحوّل إلى إلكترونية... و«الورقية» تضعف ولن تموت
«صوت الذين لا صوت لهم» يختنق، فصحف لبنان تعاني أزمة مادية حادة، دفعت بثلاث من أعرقها الى إجراءات قد تؤدي الى التخلي عن النسخة الورقية وحصْر إصداراتها بالنسخة الرقمية.

لبنان البلد الرائد في مجال الصحافة مهدَّد بأن يخسر ليس فقط الريادة، بل المكانة ايضاً، بعدما وجّهت صحيفة «السفير» كتاباً معمَّماً على موظفيها وصحافييها تبلغهم فيه أن الظروف الصعبة التي تواجهها «جعلت من الضرورة طرح كل الاحتمالات للنقاش بما فيها التوقف عن الصدور، وتلك الظروف مرشحة أن تزداد صعوبة، في المرحلة المقبلة».

وجاء وقع الخبر كـ «الصاعقة» على الجميع، سواء قرّاء الصحيفة أو جميع اللبنانيين، فـ «السفير» التي صدر عددها الأول في 26 مارس العام 1974، تُعتبر إرثاً ثقافياً بعدما واكبت محطات سياسية وتاريخية سواء لبنانية ام عربية.

صحيفة «اللواء» ليست أفضل حالاً فقد أبلغت موظفيها، عبر مذكرة، عن فتح باب الاستقالات، وجاء فيها: «عطفاً على إجراءات التقشف الأخيرة، وإفساحاً للمجال أمام الزملاء لاتخاذ الخيار المناسب لكل منهم... تَقرر فتح باب الاستقالة أمام مَن لا يستطيع الاستمرار في العمل في هذه الظروف القاسية».

صحيفة «النهار» هي الأخرى قفزت الى الواجهة مع التقارير التي تحدّثت عن اغلاق نسختها الورقية والاكتفاء بالالكترونية منها. فقد ذكرت معلومات ان «دار النهار للنشر» بدأت عملية تصفية تمهيدا للاقفال النهائي وبيع الاسم العريق الذي كان يحتل الموقع الابرز بين دور النشر في لبنان والعالم العربي.

وحسب تقارير نشرت في بيروت، فان القرار بتصفية شركة «دار النهار» صدر قبل نحو شهر نتيجة وقوعها تحت كاهل ديون ثقيلة، وان اجتماعا عقد وتبلغ الموظفون بالقرار مع شرح الواقع الذي بلغته الدار والمسار القانوني لدفع التعويضات والاقفال، فيما بدأت «جردة» بالممتلكات ومنها الكتب وحقوق النشر لتخمينها والعمل على بيعها مع رخصة الدار بغية تسديد كامل الديون وفي طليعتها مستحقات الموظفين.

هذه الأزمة لم تقتصر على لبنان. ففي بريطانيا، توقفت صحيفة «الاندبندنت» عن نشر النسخة الورقية، وفي الولايات المتحدة اكتفت كلّ من «نيوزويك» و«كريستيان ساينس مونيتور» بالنسخة الالكترونية.

وزير الاعلام رمزي جريج تحرّك وعقد لقاءات مع رؤساء تحرير بعض الصحف التي تعاني الضائقة المالية، مبدياً أسفه لقرارات الاحتجاب عن النسخ الورقية، وموضحا انه عرض هذه الازمة على مجلس الوزراء وأبلغه نيته القيام بالاتصالات اللازمة من اجل مساعدة الصحف المتعثرة على تجاوز هذه الازمة.

وعن الأسباب الكامنة وراء تفاقم الأزمة التي تطول أبرز الصحف في بيروت، تحدّث نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي لـ «الراي»، حيث قال: «الثورة في عالم التكنولوجيا هي السبب، فالصحف في كل أنحاء العالم تتحوّل إلى الكترونية وليس فقط في لبنان وذلك لأسباب عدة، منها أنها أوفر وأسرع وتواكب العصر. في السابق كان الانسان يستخدم الدراجة الهوائية لعدم وجود السيارات ومع صنْعها هل استمرّ باستخدم الدراجة ام انتقل الى السيارة؟ الأمر ذاته بالنسبة للصحف».

وأضاف: «لذلك، هذه الازمة متوقّعة. فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي لديه من المال ما يكفي على سبيل المثال أوقف صحيفة الأنباء الورقية واكتفى بالالكترونية قبل اكثر من عام، لانه لا يريد ان يخسر المال، فالصحف الورقية خسائرها كبيرة على عكس الالكترونية حيث خسائرها أقلّ».

واكد الكعكي ان «كل مؤسسة لها خصائصها وظروفها الخاصة. هناك أقوال عدة في ما يتعلق بجريدة السفير، والبعض يقول بالإبقاء على الموقع الالكتروني والبعض الآخر يتحدث عن إغلاقه، الشيء الرسمي الوحيد هو الرسالة التي بعثها رئيس تحرير الصحيفة إلى الموظفين، وغير ذلك مجرد أحاديث».

وفي ما يتعلق بـ «النهار» علّق: «أكيد هناك أزمة، وربما دائمة، فالمداخيل الشرعية بأي عمل صحافي او بأي صحيفة ومجلة يتغيّر ويتراجع، من هنا ضرورة اعادة برمجة وتنظيم المصاريف».

وهل الأزمة تتعلق بانكماش حجم السوق الاعلانية أو بشحّ المساعدات من الخارج؟ أجاب: «الأمر يتعلق بتراجع المبيعات والاعلانات. طبعاً ما يدور في المنطقة والحروب يؤثر، فمنذ ان بدأت الحرب العراقية في الثمانينات من القرن الماضي خسرنا أكبر سوق أساسية للصحف والمجلات اللبنانية. وللعلم، فإن المجلة التي كانت تدخل سوق العراق لم تكن بحاجة الى اي مساعدات، فالمبيعات كانت تكفي. ومن بعدها خسرنا سوق ليبيا الذي كان يعتمد على صحفنا، الى جانب أسواق أخرى خسرناها. اضافة الى ان الخليج العربي لديه صحافته ومؤسساته الاعلامية عدا عن إمكاناته المالية».

وعن فرضية إنشاء الدولة لصندوق مساعدات للصحف، قال: «هذه عملية معقدة جداً، المساعدات تأتي لنقابة الصحافة التي تساهم فيها للزملاء أصحاب الصحف والصحافيين ويذهب قسم كبير منها للتأمين الصحي»، مضيفاً: «ننسى أمراً أساسياً، فالاستاذ محمد البعلبكي شغل منصب نقيب الصحافة على مدى 33 عاماً من دون أن يتمكن من اصدار صحيفته ولا أعتقد أن هناك أسبابا غير مالية لذلك».

وهل هذه الصغية تؤثر على استقلالية الصحافة؟ أجاب: «كل شيء يؤثر، اذا كتب صحافي مقالاً في اميركا ضد يهودي، نرى العديد من الشركات توقف اعلاناتها ما يضطر الصحافي الى كتابة مقال معاكس لاعادة الاعلانات، والأمر ذاته في بقية الدول ومنها لبنان».

وعن الحلول المطروحة، قال: «هناك أمور عدة بإمكاننا تبنيها ولكنها ليست الحلّ النهائي، اذ لا توجد حلول جذرية لدينا، ومنها مساعدات تخفف من أعباء المصاريف، كوضع تعرفة خاصة للهاتف بالنسبة للصحافيين، وإلغاء الضريبة على القيمة المضافة على الورق، واشتراكات لبعض المؤسسات الحكومية، وتعميم من المصرف المركزي على المصارف بزيادة الاعلانات في الصحف».

وختم نقيب الصحافة في لبنان: «الصحافة الورقية ستبقى مهما كانت الظروف، تضعف لكنها لن تموت».

من جانبه، يرى الخبير في التواصل الإعلامي رمزي النجار ان «الفارق بين الصحافة الالكترونية والصحافة الورقية هي كالفارق ما بين الفاست فود وبين المطبخ الذي هو حضارة الطعام وفن التذوق، فهل الفاست فود يغني عن الطعام الحضاري الذي يأخذ عشرات السنين من التراكم والعمل والطباخين والوصفات التي تُعتبر فنية؟ بالتأكيد لا، نحن نأكل الاثنين»، مضيفاً: «الحداثة لا تعني اغتيال العراقة، بل على العكس الحداثة تؤكد ضرورة المحافظة على العراقة».

ويتابع: «الصحافة الالكترونية التي أحترمها طاغ عليها عنصر الوقت والسرعة والتكنولوجيا أكثر من المادة التي تحتويها، ولذلك أرى أن الصحافة الالكترونية يقرأها الجهاز العصبي، والورقية يقرأها العقل والاثنان مهمان. نحن نستعمل الاثنين ولا أحد ينوب عن الآخر»، مستطرداً: «السرعة والصرعة موجدان في الالكتروني، ولكن المحتوى بمفهومه الطقسي الذي يعطي تفرداً لشخصية القارئ موجود فقط في الورقي. والانسان يريد الاثنين».

وعن إمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الوضع الراهن، قال النجار: «طبعاً ممكن. انا لا أقول إن الظرف سهل، بل هو صعب جداً اذ تتداخل فيه عوامل عدة... الآتي صعب لكن يجب ألا ننعى. نعم هناك احتجاب لبعض الصحف وتوقُّف موقت وخروج من الساحة لبعضها، الى حين العودة من باب آخر».

المدير التنفيذي لـ «نادي الصحافة» يوسف الحويّك أكد «أن نادي الصحافة تأسس في العام 1993 ويضم نحو 200 صحافي والهدف منه إنشاء تكتل مهني حقيقي وهو يُعتبر الجهة الصحافية الافعل في لبنان، ولكن ليس باستطاعته القيام بشيء بالنسبة للازمة التي تمر بها الصحف».

الضائقة المالية التي تمرّ بها مؤسسات اعلامية عدة سواء تلفزيونية أو صحف ورقية سببها، حسب الحويّك «انعكاس الوضع السياسي المتأزم والمتمثل بعدم انتخاب رئيس للجمهورية والشلل في الادارات والمؤسسات الدستورية وتداعياته على الوضع الاقتصادي»، مضيفاً: «حتى المصارف تسرّح موظفين، وقد خفضت الموازنات المالية الخاصة بالاعلانات في الصحف والتلفزيونات».

وأوضح «كنادي الصحافة لا يسعنا في هكذا ظرف إلا أن نتأسف على أحوال زملائنا وأحوال المؤسسات التي يعملون فيها، ونقف الى جانبهم وندعو المسؤولين الذين يعرقلون مسيرة الدولة والاستحقاقات الدستورية الى وعي خطورة هذه الأفعال والمخاطر المحدقة بنا، فبلدٌ بلا صحافة حرّة ليست له قيمة. الصحافة هي السلطة الرابعة التي تشكل احدى ركائز الوطن وفقدانها يعني ان هناك خلالاً في البلد».

وختم الحويك: «الضائقة التي تمرّ بها الصحافة في لبنان لا تعني انها تتهاوى بل هي بخير وتوجد كفاءات مخضرمة وشابة تعمل في المجال الصحافي نتمنى ان تتاح لها الفرص كي تعمل».