المأزق الرئاسي المتمادي يستولد أزمات بالجملة
انتكاسة حكومية في لبنان على وقع «منازلة» طائفية
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
10:46 ص
توقع عودة ميشال سماحة إلى السجن من جديد
جنبلاط يملأ الوقت الضائع بحملة تصاعدية على الفساد
... «أمن الدولة يكاد أن يُفجِّر الدولة وأمنها». بهذه الخلاصة الشديدة السلبية انتهى السجال العاصف في مجلس الوزراء اللبناني الذي اضطر أمس الى رفع جلسته بعد أربع ساعات من مناقشة أزمة جهاز «أمن الدولة» من دون التوصل الى حل، وسط انقسام غلب عليه الطابع الطائفي.
وعكست تعليقات الوزراء بعيد الجلسة المنحى الخطر لما بلغته المناقشات. فوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي طالب بشطب «الكلام الطائفي» من محضر الجلسة قال «ان طائفة أمن الدولة أهم من عمل الحكومة وأمن المطار وقوى الأمن والأمن العام»، في إشارة الى الاصطفاف الطائفي الذي حال دون مقاربة البنود الأخرى على طاولة مجلس الوزراء.
وبدا وزير الخارجية جبران باسيل أكثر وضوحاً في تظهير ما يمكن ان يوصف بـ «التوجس المسيحي» من تهميش جهاز «أمن الدولة» عبر الصراع الدائر بين مديره (المسيحي) ونائبه (الشيعي) حين قال: «إنهم لا يريدون حلاً لمشكلة جهاز أمن الدولة بل يريدون حل الجهاز»، مشيراً الى انه «ليس هناك من جهاز (أمني) مهم وجهاز غير مهم».
وإذا كان لسان حال الوزراء ان الجلسة «حلت الدولة بدل من حل مشكلة أمن الدولة»، فإن تحديد موعد لجلسة للحكومة الثلاثاء المقبل، أوحى بأن رئيسها تمام سلام لن يستسلم للمأزق الحالي ويتجه الى إدارة محركاته أملاً في التوصل الى تفاهم عبر اتصالات جانبية تفادياً لمزيد من الشلل الحكومي.
وتترافق الانتكاسة الحكومية مع غياب أي ملامح تحريك جدي للأزمة السياسية الكبرى المتصلة بالفراغ الرئاسي والتي تمضي نحو مزيد من الجمود والمرواحة والتعقيد.
وإذ تتصاعد الاهتمامات بقوة بجملة ملفات فساد صارت في عهدة القضاء اللبناني ولا سيما منها ملفات الاختلاس في قوى الامن الداخلي وشبكة بالدعارة وملف شبكات الانترنت غير الشرعي، اتجهت الأنظار امس الى جلسة المحاكمة الاخيرة للوزير السابق ميشال سماحة في ملف نقل متفجرات والاعداد لتفجيرها من سورية الى لبنان والتي أبقته قيد التوقيف في نظارة المحكمة العسكرية في انتظار صدور الحكم النهائي في غضون ساعات، وسط تقديرات بإعادته الى السجن بفعل التشدد المحتمل في الحكم الذي سيصدر بحقه.
وسط هذا المناخ لم تخف مصادر سياسية لبنانية واسعة الاطلاع خشيتها من ملامح تهميش الأزمة الرئاسية التي تبدو متجهة أكثر فأكثر نحو المجهول، في ظل الانسداد الداخلي وتكثف العوامل الخارجية التي لا تفسح للآمال المعلقة على مداخلات إقليمية ودولية بحيث تشق الطريق لاختراق ينهي واقع الفراغ الرئاسي والشلل المؤسساتي في لبنان.
وتخوفت المصادر في هذا السياق من جولة اشتباكات سياسية جديدة بعد 20 أبريل الجاري، وهو الموعد المقرر لجولة الحوار الوطني المقبلة على خلفية الانقسام السياسي حول مسألة انعقاد جلسات التشريع لمجلس النواب التي يضغط رئيس مجلس النواب نبيه بري للشروع في عقدها قبل بدء جولات الانتخابات البلدية والاختيارية المقررة في مايو المقبل.
ولفتت هذه المصادر الى ان التوتر المتصاعد حول الأزمة الرئاسية سيرخي ذيوله الثقيلة على موضوع التشريع تماما كما حصل العام الماضي، وربما أكثر حاليا لان القوى المسيحية التي تتجمع حول موقف متحفظ من عقد جلسات التشريع بداعي عدم جواز عقدها قبل انتخاب رئيس الجمهورية تبدو متصلبة اكثر من السابق وإن لحسابات تختلف بين الواحدة والأخرى، فيما لا تبدو واضحة بعد مواقف القوى الاساسية الاخرى من هذه القضية.
وتخشى المصادر ان تثير تلميحات نسبت الى الرئيس بري بأنه سيعتمد النصاب القانوني لا الميثاقي في عقد جلسات تشريعية، اي بأكثرية النصف زائد واحد مهما كان الحضور النيابي لجلسات كهذه، الى استنفار اوسع للرفض المسيحي لهذه الجلسات، بما يزيد الواقع السياسي تأزما خصوصا ان الانقسام الحاد بين القوى المسيحية حول الأزمة الرئاسية يتسبب بمزيد من المزايدات في ما بينها.
واشارت المصادر الى انه في وقت يستبعد الجميع ان تؤدي الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت في 16 إبريل الحالي الى تحقيق أي اختراق فعلي في الازمة الرئاسية، لم تبرز واقعيا نتائج ملموسة في المسألة الرئاسية على الاقل للزيارة التي قام بها الرئيس سعد الحريري لموسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، بما يؤشر الى خلو جعبة اللاعبين الدوليين من عوامل التحرك او الاندفاع الفعلي نحو الأزمة اللبنانية، ولو ان ذلك لا يقلل اهمية زيارة هولاند لبيروت ولا لقاء بوتين مع الحريري.
بل ان المصادر لاحظت انه قد يكون من نتائج عودة الحريري مرتاحا الى لقائه وبوتين ان النائب المرشح سليمان فرنجية عاد يرفع وتيرة تمسكه بالترشح في مواجهة العماد ميشال عون، بما يعني ان معادلة المرشحين عون وفرنجية مستمرة بلا حسم عنوانا لأزمة مرشحة للتمدد طويلا بعد. وفي ظل ذلك لن تكون المرحلة المقبلة الا محفوفة بمزيد من الاشتباكات السياسية داخل الحكومة والمجلس النيابي سواء بسواء الامر الذي سيرتب نشوء مخاوف اضافية من تداعيات الازمات الداخلية والخارجية التي تحاصر لبنان.
واذ لفتت المصادر في هذا السياق الى الحملات اليومية التي يشنها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في ملفات الفساد والتي يوزع فيها سهامه في اتجاهات ومواقع سياسية وعسكرية وأمنية مختلفة، اعتبرت ان جنبلاط بما يمتلكه من سعة معطيات واستشراف يبدو كأنه يدرك ان الوقت الضائع السياسي مرشح لان يطول كثيراً، وقرر تبعا لذلك ان يملأه بإثارة الجانب الاشد تأثيرا حاليا في الواقع الداخلي مستعيضا عن معارك لا طائل منها في الازمة الرئاسية بالتعامل اليومي المنهجي مع ملفات الفساد.