| د. أنيسة فخرو |
لماذا اخترنا المقارنة بين هذين البلدين؟ ما هي الظروف الراهنة التي يعاني منها البلدان؟ كلاهما في حالة استقرار نسبي والحمد لله، وليس فيهما حروب مباشرة كاليمن أو سورية، لكن يعاني الاقتصاد من صعوبات جمة، وهو يعتمد على السياحة بدرجة كبيرة نسبيا، وكلاهما يواجه تحديات داخلية كبيرة، وضغوطات خارجية رهيبة.
تقدر مساحة مصر بـ 1002450 كم2، وعدد سكانها نحو 90 مليون عربي، 10 في المئة منهم مسيحيون، وهي دولة عابرة للقارات، تمتد حضارتها إلى أكثر من 10 آلاف سنة، ومثلما كانت الكتابة المسمارية سببا في حضارة الرافدين والإنسانية جمعاء، كانت الكتابة الهيروغليفية سببا في الحضارة المصرية والعالمية. وتوالت على مصر الكثير من الحقب والامبراطوريات منذ الدولة المصرية القديمة، مرورا بالفرس ثم الإسكندر الأكبر والبطالمة، ثم الرومان الذين بفضلهم انتشرت المسيحية في مصر، حتى الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص، وتعاقبت الدول عليها، منذ الطولونية فالأخشيدية فالفاطمية فالأيوبية فالمملوكية والعثمانية وصولا إلى الجمهورية.
ويعتمد الاقتصاد أساسا على السياحة، لما تحويه مصر من كنوز أثرية تقدر بثلث الآثار العالمية، كما يعتمد الاقتصاد على الزراعة والصناعة وعائدات قناة السويس، ويصنّف أكثر من 20 مليون نسمة تحت خط الفقر، فيما تعاني الطبقة الوسطى من ضغوطات شتى، حيث كانت تزيد نسبتها على 70 في المئة في عهد الرئيس السابق جمال عبدالناصر، لكن بدأت تتقلص منذ عهد الرئيس السابق انور السادات حتى أصبحت أقل من 50 في المئة.
وتقدر مساحة لبنان بـ 10452 كم2، أي عُشر مساحة مصر، وعدد سكانه لا يزيد على 5 ملايين، 94 في المئة منهم من العرب المسيحين والمسلمين، بلد متعدد الثقافات ومتنوع الحضارات التي تمتد إلى ما قبل 7 آلاف سنة، منذ عهد الفينيقيين، حيث مر عليهم الآشوريون والمصريون القدماء والفرس والأغريق والرومان والصليبيون والأتراك وأخيرا الفرنسيون، وعدد اللبنانيين المهاجرين يبلغ نحو 10 ملايين. ويعتمد الاقتصاد على السياحة والمراكز المصرفية، وهو مجتمع استثماري تجاري وساهمت هجرة العقول والعمالة اللبنانية الماهرة في بناء علاقات تجارية عالمية.
وفي ظل الأوضاع الراهنة، وتصاعد الأزمة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا بعد اعتبار «حزب الله»، منظمة إرهابية، وتحذير المواطنين الخليجيين من السفر والسياحة في لبنان، في حين يشكل الشيعة أقل من ربع السكان، وأعضاء الحزب أقل بكثير، فان هذه الإجراءات تؤثر سلبا ليس على «حزب الله»، بل على أجهزة الدولة كلها والشعب كله، الجميع يدفع الثمن بسبب وجود حزب خارج عن السرب.
فالاقتصاد اللبناني يتعرض لأزمة لم يمر بها من قبل، وكل قطاعات السياحة تقريبا في وضع مشلول منذ سنوات عدة، وتفاقم الوضع في الأشهر القليلة الماضية، فالفنادق والمطاعم غالبتها متوقفة عن العمل والأرزاق منقطعة، وكل القطاعات تأثرت بما فيها الخدمات الصحية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، إلى الدرجة التي تم الإعلان فيها عن نية بعض الصحف المخضرمة التوقف عن الصدور، فما ذنب الشعب، وما ذنب بقية الشيعة والسنة والدروز والمسيحيين؟
كم أتمنى أن تعود السياحة الخليجية إلى لبنان، وأن يُعاد النظر في القرار، لكن إذا قلنا إن مصلحة الخليجيين تقتضي ذلك، حتى لو كانت هذه الإجراءات الخيار المرّ بالنسبة لهم، إن افترضنا ذلك فلنسأل: لماذا لا يتحول الغضب على لبنان إلى رضا عن مصر؟ مصر الإسلام الوسط، مصر السياسة المعتدلة، مصر التي أوقفت المشروع الداعشي عن كل أقطار الوطن العربي والتي صدت بشبابها ونسائها هذا الخطر، والتي لولاها لوجدت دولة داعشية في سيناء، ولولاها لداهم الخطر كل الأنظمة العربية، فلماذا لا يتم ضخ الماكينة الإعلامية في دعوة الشعب الخليجي للسياحة والاستثمار في مصر من أجل تقوية الاقتصاد المصري وجعل هذه الصخرة منيعة على الأعداء دوما؟
الشعب المصري الآن في معاناة شديدة جراء الحرب الإرهابية على الجيش والاقتصاد، فالسياحة شبه مشلولة، وما يتعرض له المواطن اللبناني يتعرض له المواطن المصري أضعافا مضاعفة، فلماذا لا تأخذ الدول الخليجية موقفا قويا للتضامن مع مصر في وجه الأعداء؟
[email protected]