المشهد الأخير

يونس شلبي... غادر «أحلامه المؤجلة»! / 14

1 يناير 1970 04:52 م
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
إذا كانت الأفلام المصرية... اشتهرت في خمسينات وستينات القرن الماضي، بالنهايات السعيدة... كانتصار قوى الخير على الشر، أو التقاء الحبيبين، بعدما ظنا كل الظن ألا تلاقيا، وزفافهما بين الأهل والأحباب والأصحاب... فإن المشهد الأخير في حياة عدد غير قليل من الفنانين والمشاهير المصريين والعرب كثيرا ما بدا مأساويا مؤلما مفعما بالحزن.
ففي لحظة فارقة... تنطفئ أضواء النجومية، ويضعف الجسد الذي كان يوما ممشوقا يصول ويجول أمام الكاميرات، ويقدم أصعب الأدوار وأعنفها.
في لحظة فارقة... تكتفي الحياة بما قدمته لفنان ما، وتقول له «يكفيك هذا... لقد حانت نهايتك»... وشتان بين إقبال الحياة وإدبارها وتبسمها وسخريتها، وعطفها وقسوتها، وفارق كبير... بين أن تربت على كتفيك وتفيض عليك بحنانها، وبين أن تركلك بأرجلها، كما يركل اللاعب الكرة.
كم كان مؤلما... المشهد الأخير في حياة فنانين أثروا الشاشتين الصغيرة والكبيرة بأعمال مميزة، لاتزال باقية في الذاكرة، أو مطربين ومطربات أثروا وجداننا ببديع أصواتهم، أو نجوم ومشاهير في مجالات أخرى... كان لهم حضور قوي... وتأثير واسع، سرعان ما ينهار ويندثر.
فبينما كان النجم أحمد زكي يواصل تألقه وإبداعه الفني، باعتباره «حالة فنية مختلفة»... أوقفه المرض الخبيث، وأخفى حالة من الحزن في الوسط الفني، لم تنته بعد، وبالرغم من مرور نحو 4 أعوام على وفاته، ويشبهه شكلا ومصيرا عبد الله محمود الذي قتله السرطان في ريعان شبابه.
كما جاءت نهاية ممثلة بسيطة وطيبة القلب مثل وداد حمدي مؤلمة... عندما غدر بها «ريجسير»، وقتلها في شقتها، من دون أن تقترف في حقه إثما، وفي أوج تألقها... أمطر رجل الأعمال المصري أيمن السويدي زوجته المطربة التونسية ذكرى بـ «21» طلقة، لتقضي نحبها في الحال.
وهكذا تتعدد النهايات الحزينة لفنانين ومشاهير... طالما أمتعونا وأسعدونا، وطالما عاشوا عقودا من الشهرة والأضواء والثراء... ولكن الأقدار... التي يصرفها البارئ... كيف يشاء... وفي السطور التالية... نهايات مع الفقر والحاجة والمرض والنسيان وأشياء أخرى.
 
فنان كوميدي أضحك الكثيرين من خلال أفلامه ومسرحياته... كما شارك في العديد من المسلسلات، ومنها مسلسل الأطفال المشهور «بوجي وطمطم».
بدأ يونس شلبي مسيرته الفنية الحقيقية مع أبطال مسرحية «مدرسة المشاغبين»... فقد كان أحد المشاغبين الذين أضحكوا الناس، وكان أمامه العديد من المشاهد الكوميدية التي يمكن أن يؤديها لكن جاء المشهد الأخير فجأة وهو يمثل... حيث أصيب بأزمة قلبية، وأجرى الأطباء له عمليات كثيرة لزراعة الشرايين والقلب المفتوح، لكن حالته تدهورت وتوفي بأزمة تنفسية عن عمر يناهز 66 عاما.
ولد الفنان الكوميدي يونس شلبي بالمنصورة «125 كيلو مترا شمال القاهرة» في 13 مارس العام 1941، ودرس بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، وأصبح من بين ألمع نجوم الضحك في السبعينات من القرن الماضي... منذ جذب الانتباه بدوره في المسرحية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» مع سعيد صالح وعادل امام وأحمد زكي.
وقدم شلبي شخصية الفتى الأهوج غير الناضج عقليا في كثير من مسرحياته، ومنها «العيال كبرت» و«حاول تفهم يا ذكي».
أدوار صغيرة
كما شارك بأدوار صغيرة في نحو 77 فيلما سينمائيا، وقام ببطولة عدد قليل من الأفلام التي يعتبرها سينمائيون ذات طابع تجاري قليل القيمة فنيا، ومنها «العسكري شبراوي» و«ريا وسكينة» و«مغاوري في الكلية» و«سفاح كرموز» و«الشاويش حسن» و«عليش دخل الجيش» و«رجل في سجن النساء».
أما أدوار الفنان يونس شلبي الأكثر أهمية «في رأي النقاد» فكانت في أفلام قام ببطولتها آخرون، ومنها فيلم «الكرنك» مع نور الشريف وسعاد حسني، وأيضا فيلم «شفيقة ومتولي» مع سعاد حسني وأحمد مظهر وللمخرج علي بدرخان وفيلم «احنا بتوع الأتوبيس».
وشارك مع عادل امام وعبدالمنعم ابراهيم وللمخرج الراحل حسين كمال، وكان آخر أدواره في فيلم «أمير الظلام» مع الفنان عادل امام وسعيد صالح وكان في العام 2002.
مسيرة تلفزيونية
وقد شارك يونس شلبي في أكثر من 20 مسلسلا تلفزيونيا، منها مسلسل «عيون» مع سناء جميل وفؤاد المهندس، ومسلسل «الستات مايعملوش كده» ومسلسل «أنا اللي أستاهل»، اضافة الى مسلسل الأطفال الذي قدم على مدى سنوات عديدة في شهر رمضان وهو مسلسل «بوجي وطمطم».
وكان من المسرحيات التي قام بها مسرحية «مدرسة المشاغبين» و«العيال كبرت» والمسرحية الكويتية «عيال بوعبود» ومسرحية «الدبابير» مع الفنانة ميمي جمال.
والفنان يونس شلبي متزوج وله «6» من الأبناء في مراحل التعليم المختلفة الخاص ومما يذكر أنه خلال تسعينات القرن العشرين قل نشاط يونس شلبي ودخل في محنة المرض، وفي العام 2001 تعرض لجلطة دماغية ثم تماثل للشفاء وخضع للعلاج في مستشفى خاص بالسعودية.
كانت أسرة يونس شلبي أسرة بسيطة لم تكن تعرف شيئا عن الفن، وعلى الرغم من ذلك فان يونس لم يواجه بمعارضة من أسرته عندما قرر الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية الذي تخرج فيه العام 1961، وهو لايزال بعد في العشرين من عمره.
لم يكن يونس يملك ملامح الوسامة التي اعتاد عليها نجوم المسرح، ولكنه كان يمتلك مقومات أخرى، كان في مقدمها التلقائية والتي فتحت له بالفعل الأبواب المغلقة.
بدأت مشاهد حياة يونس شلبي الفنية عندما كان فتى صغيرا وهو في الصف الثاني الاعدادي حيث كان مشاركا في فريق التمثيل.
واستمر يونس على ذلك المنوال حتى قام بانهاء دراسته الثانوية، وعندما التحق بمعهد الفنون المسرحية اختاره المخرج وعميد المعهد الدكتور نبيل الألفي ليشارك في أول عمل مسرحي بعنوان «الغول».
وفي السنة الرابعة وبسبب صداقته للفنان سعيد صالح نجح يونس شلبي في الانضمام الى فرقة الفنانين المتحدين التي كانت تعد وقتها لتقديم مسرحية «مدرسة المشاغبين».
ابن الناظر
ورشحه الفنان عادل امام لأداء شخصية «منصور ابن الناظر»، وهي الشخصية التي قدمته بنجاح للجماهير التي أخذت ضحكاتها تتعالى في كل مرة يظهر فيها حتى ولو لم يتفوه بكلمة واحدة، وأصبح ليونس... لزماته وافيهاته الضاحكة، وأصبحت تلك الافيهات مرافقة لاسمه في كل مرة يذكرها فيها.
كان لنجاح يونس شلبي بشكل كبير في تلك المسرحية دور كبير في اختيار الفرقة له، وذلك للمشاركة في بطولة مسرحية «العيال كبرت» التي قدمها مع 3 من زملائه الذين شاركوه بطولة مسرحية «مدرسة المشاغبين»، وهم: أحمد زكي وسعيد صالح وحسن مصطفى، وليتوالى نجاح ذلك الكوميديان الذي أثبت خلال أدائه أن فن الكوميديا كان بحاجة الى تلك الشخصية المتجددة بأسلوبها، بعد ذلك شارك يونس شلبي في العديد من الأعمال السينمائية التي رشحه لها نجاحه الكوميدي في عالم المسرح، ليبلغ عدد الأفلام التي شارك فيها سواء في أدوار البطولة أو أدوار ثانوية حوالى 90 فيلما.
وأصبح يونس شلبي قاسما مشتركا في الأفلام التي قدمت في حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ومن بين تلك الأفلام «قليل من الحب كثير من العنف» و«هارب من التجنيد» و«الأسطى محروسة» و«امرأة واحدة لا تكفي» و«الشاويش حسن» و«محطة الأنس» و«شفيقة ومتولي» و«حكمتك يا رب» وغيرها من الأفلام، أما أول بطولة سينمائية له فكانت في فيلم «رجل في سجن النساء» اخراج حسن الصيفي، وقام فيها بأداء شخصية امرأة بائعة في بوتيك، ونجح في هذه الشخصية بجدارة حيث ساعده في ذلك تركيبته الجسدية.
بطولة مطلقة
أما أول بطولة مطلقة له فكانت في فيلم «4 - 2 - 4» بعد أن اعتذر عادل امام عن الفيلم، ثم توالت أعماله بعد ذلك ومنذ نهاية السبعينات بدأت علاقة يونس شلبي مع التلفزيون حيث شارك الفنان يونس شلبي الراحل فؤاد المهندس في بطولة المسلسل الكوميدي الشهير «عيون».
وبالرغم من مشاركته في العديد من الأعمال التلفزيونية الأخرى، الا أن ذلك المسلسل ظل الأهم في مشوار حياته الفنية في الدراما التلفزيونية.
ولم ينازعه سوى مسلسل الأطفال الشهير الذي قدمه مع الفنانة هالة فاخر وكان بعنوان «بوجي وطمطم» الذي أخرجه على مدى سنوات مخرج العرائس الراحل رحمي.
وبالرغم من أن الأداء الصوتي فقط ليونس شلبي في المسلسل... الا أنه نجح في الاقتراب من عالم الأطفال الذين اعتادوا على أن ينادوه باسم «بوجي» منذ اليوم الأول وشخصية بوجي هي الشخصية التي كان يؤديها يونس في المسلسل.
حياته العائلية
أما حياة يونس شلبي العائلية فكان دائما يصفها بأنها ملك لزوجته وبناته الخمس وابنه الوحيد «عمر» - لذا فقد حرص على الابتعاد بهم عن دائرة الأضواء ليحيوا حياة هادئة كأسرة عادية.
أما مأساة يونس شلبي مع المرض فقد بدأت العام 1993 حينما كان يعرض احدى مسرحياته في احدى الدول العربية، فتعرض للاصابة بجلطة في المخ أثناء العرض، ما استلزم نقله الى أحد المستشفيات هناك لتلقي العلاج لكنه طلب أن يستكمل علاجه بمصر، لكنه لم يشف نهائيا من مرضه حيث ساءت حالته، ما اضطره لملازمة الفراش لفترات طويلة، وبخاصة بعد تعرضه لعدد من العمليات الجراحية الصعبة.
في الوقت نفسه الذي تكررت فيه اصابته بجلطات في المخ والساقين بشكل أثر على حركته، وزاد الأمر سوءا حينما أعلن الأطباء ضرورة خضوعه لعملية جراحية دقيقة وخطيرة في شرايين القلب، وعلى الرغم من مرورها بسلام، الا أنها أصابته بالاكتئاب بعدما باع كل ما يملك لانفاقه على العلاج، وبالرغم من الزيارات القليلة من زملاء الوسط الفني له، الا أن يونس شلبي المجروح من الداخل كان يلتمس لهم العذر لانشغالهم في أعمالهم، وان كان يعبر عن جرحه ببعض العتاب بين الحين والآخر.
المشاهد الأخيرة
بدأ المشهد الأخير في حياة الفنان يونس شلبي منذ العام 2001، وقد شكت زوجته من اهمال الجميع لزوجها الى الحد الذي باع فيه كل ما يملك للانفاق على علاجه، فقد كان يونس يرفض أن يطلب من الدولة الانفاق على تكاليف مرضه، حتى صدر قرار من وزارة الصحة بعلاجه على نفقتها عقب الطلب الذي تقدم به نقيب الممثلين أشرف زكي.
وجاءت استجابة وزير الصحة والسكان في مصر لنداء الفنان الكوميدي يونس شلبي من أجل توفير نفقات علاجه على حساب الدولة أسوة بزملائه من الفنانين، وخاصة عندما تخلت النقابة عنه وباع كل ما يملك لتغطية نفقات العلاج والأدوية التي ارتفعت أسعارها بجنون، حتى ان ثمن فاتورة «مستشفى المقاولون العرب» الذي أجرى فيه العملية الجراحية الأخيرة زادت على 30 ألف جنيه، ولم يكن بامكانه أن يتحملها.
وكان يونس شلبي يقول انه كان يعاني من المرض منذ أكثر من 8 سنوات وأنه أجرى عدة عمليات جراحية، منها زراعة شرايين في قدميه، وقلب مفتوح، وأخيرا عملية لحام عظام القفص الصدري بمستشفى المقاولون العرب، وذلك كلفه الكثير من المال، ما جعله يعاني ماديا، وخاصة أنه ظل لفترة طويلة يعالج من جلطات كثيرة تعرض لها في الساق والمخ وتلقى علاجا لفترة طويلة في أحد المستشفيات السعودية المتقدمة.
رد الجميل
كما قال يونس «أنا لم أطلب من أحد أن يعالجني لأنني قدمت للدولة الكثير، وكنت أقوم بدفع الضرائب المستحقة عليَّ وحان الوقت الذي تقوم فيه الدولة برد الجميل لأبنائها»... لذا كان دائما ما يناشد الدولة أن تكرمه كما كرمت العديد من الفنانين في الانفاق على علاجه.
وكان يقول: «هذا آخر ما كنت أتمناه في ظل ظروفي الراهنة، وخاصة أنني أقوم بشراء أدوية غالية السعر، وأنا سعيد بقرار وزير الصحة الذي أصدره لأنه جاء في الوقت المناسب، ولأنني قمت ببيع جميع ممتلكاتي في المنصورة من أجل توفير نفقات العلاج، وقد تكلفت الكثير، وكان المبلغ الذي يطالبني به مستشفى المقاولون العرب فوق طاقتي... وأنا لي 6 أبناء لايزالون في مراحل التعليم الخاص ويحتاجون مصروفات عالية من أجل استكمال دراستهم».
وقبل وفاته كان يونس شلبي يقول «أنا أصبحت الآن لا أملك شيئا سوى الستر، لأن النقابة التي أنتمي اليها لم تقم بأي عمل تجاه أي واحد من أبنائها، ففي مثل هذه الحالات كان يجب عليها أن توفر لي الرعاية الصحية الكاملة، وليس للنقابة أي دور في علاجي أو حتى مساعدتي ماليا، وخاصة أن النقابة لا تسأل عن فنان يعاني من المرض، وكان يونس يطالب النقابة بانشاء صندوق لرعاية المرضى وأسرهم حتى لا يعاني أي فنان مثل معاناته.
حالته تدهورت
وكان يونس شلبي في آخر أيامه يعاني من عدم التركيز في بعض الأحيان، وذلك بسبب الجلطات التي تعرض لها في المخ، وقد كان يلازم الفراش وتدهورت حالته الصحية أكثر من مرة نتيجة تعرضه لعدد من العمليات الجراحية الصعبة، فضلا عن معاناته من مرض السكري، وقد أصابه ذلك بالاكتئاب، وقد زاد من حجم معاناته ابتعاد زملائه وأصدقائه المقربين المرافقين له في مشواره الفني.
وكان آخر عمل تعاقد عليه الفنان يونس شلبي على القيام به في التلفزيون هو مسلسل «أحلام مؤجلة»، وكان قد تعاقد على المشاركة فيه، ولكن لم يأذن له القدر بذلك، ويبقى ذلك العنوان هو عنوان لطموحاته وأمنياته المؤجلة والذي استطاع أن يرسم البسمة على وجه كل من يشاهده ببساطة وتلقائية.
لم يلبث أن أصيب يونس شلبي بجلطة وسكري وأزمة في التنفس، ودخل المستشفى في 26 أكتوبر العام 2007 وظل يعاني حتى وافته المنية صباح يوم الاثنين الثاني عشر من نوفمبر العام 2007 أي بعد حوالى أسبوعين من دخوله مستشفى المقاولون العرب بالقاهرة ووري الثرى بمقابر أسرته بمدينة المنصورة، وقد توفي عن عمر يناهز 66 عاما وبعد معاناة مع المرض استمرت حوالى 8 سنوات.
وقد شارك في تشييع جنازة الفنان الكوميدي آلاف من محبيه والمقربين لفنه من أبناء محافظة الدقهلية، والذين استقبلوا جثمانه بالدموع بعد أن كان يملأ حياتهم بفنه الجميل وبالابتسامات والضحكات، ولم يشارك في الجنازة أي من الفنانين... وكان آخر ما قاله يونس شلبي عن أصدقائه الفنانين: «لا أتذكر أن يكون أحد حتى من الأصدقاء والزملاء المقربين لي في مشواري الفني... قد سأل - ولو عن طريق الاتصال التليفوني - لا عادل امام ولا سعيد صالح ولا حسن مصطفى لكني مقدر حجم انشغالهم... فالحياة لا ترحم.