عندما نهضت وزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح واقفة لتؤدي القسم الدستوري في مجلس الأمة، وقاطعها بعض النواب بالصراخ والضرب على الطاولات، قلت لصديقي الجالس بجواري: «تصرف النواب هذا يسمى في علم السياسة هجص لبن تمر هندي، وهم الآن يعترضون على ملابسها لكنهم سيبلعون ألسنتهم بالهناء والشفاء أمام انهيار التعليم، والتعليم له علاقة بالأمن الوطني...».
ومحاسبة المسؤول المخطئ في هذا البلد عيب بواح وشق جيب ونواح، وهل سمعتم أو قرأتم يوما أن سمو رئيس الحكومة حاسب أحدا من وزرائه، معاذ الله؟ وكيف نحاسب الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ ودوقة التربية نورية الصبيح عبثت في أمعاء التربية عبثا جما ليقينها بأنه «ما في الحمض أحد» و«محد يمّك وأنا أمك»، وأصرت على بدء العام الدراسي في شهر رمضان، بعد تفكير استغرق شهرين، وهو حقها، ونحن معها ونؤيدها في ذلك ونوقع لها على بياض. وكنا نعتقد بأنها قضت الشهرين في مناقشة الوكلاء ومديري المناطق التعليمية، وتبيّن لنا بأنها تتعامل مع هؤلاء وأولئك بالطريقة القذافية، هي عليها إشاعة الفوضى في المنزل وهم عليهم إعادة ترتيب الغرف والصالات بعد خروجها.
وبدأ العام الدراسي، ولا كتب في المخازن، وهذا لا يهم، والتكييف معطل في عدد كبير من المدارس، وهو أساسا من أسوأ أنواع التكييف، والتلاميذ الصغار يشكون الحر ويبكون، ولا يهم، وبرادات المياه معطلة، ولا يهم، والنقص حاد في الهيئة الإدارية والتدريسية، ولا يهم، والعمالة كما النوق العصافير، لا يمكن الحصول عليها، وهي ليست مشكلة الدوقة، فليتصرف المديرون والمديرات ولينقذ كل منهم نفسه، ويا روح ما بعدك روح «استأجروا من العمالة السائبة في الشارع»، ولو أن عاملا من هؤلاء اعتدى على أحد الأطفال فستضيع مديرة المدرسة «في الرجلين»، وستوقفها الدوقة عن العمل وتشكل لها لجنة تحقيق، ولا يهم، والدوقة في مكتبها الوثير بينما المديرون والمديرات «على خط النار» في مواجهة مع أولياء الأمور، والشتائم هذه الأيام تنتشر في المدارس كما الوباء، ومديرة إحدى المدارس بكت بسبب الأوضاع المزرية، وهي التي كانت تمني نفسها بعام دراسي ناصع البياض، ولا يهم، وتم توزيع كتب «مهارات الحياة»، ولا أحد يعرف من سيتولى تدريسها، إلى هذه اللحظة، ولا يهم، وسيتخرج أبناؤنا بشهادة «يقرأ ويشرب»، ولا يهم، المهم ألا تتعرض الدوقة نورية لما يكدر خاطرها «فهي من أعز الناس حسبا ونسبا» كما يقول الشيخ جاسم المهلهل، الذي يبدو أنه خلط بين التعليم والزواج، جزاه الله خيرا.
وسيبحث عادل الصرعاوي عن عذر للدوقة بين أكوام القش، والصرعاوي «من رجالتها المخلصين» وهو بدرجة نائب في البرلمان، وسيقول بأن «شهر سبتمبر جاءها بغتة، قاتل الله سبتمبر». أما رئيس اللجنة التعليمية في البرلمان الدكتور فيصل المسلم، وهو من كنا نعول عليه، فيسبح الآن في بحور العسل، ومعاملاته في الوزارة أرض جو، وما يهمه الآن هو المصالحة بين الدوقة نورية ووكيلة التعليم العالي دكتورة رشا الحمود، كما صرح في الصحافة، والصلح خير، أما حبيب القلب، التكتل الشعبي، فلن يتدخل في التعليم ما لم يسمع عن سرقة أو تلاعب في عقود الصيانة، وسيتوه لو سار أبعد من ذلك. واخيبتاه يا «شعبي».
وعليه، ستلعب الدوقة بحسبة التعليم، بينما يجوب سمو الرئيس الكرة الأرضية ليتأكد بنفسه بأن المحيطات لا تزال في مكانها، وسيلمس بيديه خطوط الطول والعرض لعله لم ينقص منها أي خط لا قدر الله، فمعدل السرقات مرتفع هذه الأيام، حمانا الله وإياكم.
محمد الوشيحي
[email protected]