| د. يعقوب أحمد الشراح |
تعودت الناس أن تفكر من دون أن تدرك أن للعقل طاقة تستخدم بنسب مختلفة، وعادةً لا يستخدم الإنسان العادي عقله أو وعيه إلا بنسبة ضئيلة قد لا تتجاوز (2-3 في المئة)، بينما يُعتقد أن العباقرة والمبدعين يستخدمون (10-15 في المئة) من طاقة العقل.
ولأن طاقة العقل أو الوعي قوة هائلة كامنة في الذاتِ، فإن مفعولها كبير في الحالة المادية للجسد، فهي التي تجعل الفرد يشعر بالارتياح أو الإجهاد، القبول أو الرفض، الانفعال أو الهدوء، المرض والصحة. ويقال أحياناً ان الأمراض التي تصيب الإنسان، أو التغير في حالته النفسية والمزاجية، إنما يعود ذلك إلى طاقة العقل وانعكاساته الداخلية على البدن... والعكس أيضاً صحيح، فقد وجد أن الأمراض يشفى منها الإنسان إذا استخدم طاقاته الكامنة في تغيير نظرته السلبية لنفسه ولما يشعر به من مرض.
والناس لا تعرف أن العلم الحديث في مجال النفس والأعصاب، يعتبر الطاقة الكامنة مكافأة لعملية الأيض التي تحدث في الخلايا العصبية المنتشرة في المخ، بل وجد أن الوعي أو الطاقة العقلية يمكن تصويرها وقياسها تماماً كما يحدث لتصوير الجسد طبياً. ولقد أدخلت تقنيات جديدة لتطوير قياس الطاقة الجسدية منها ما يسمى بتصوير «كيرليان» الذي يقيس الهالة المحيطة بالجسم، حسب الحالة لدى الأفراد. لكن العلم توصل الى ظاهرة عجيبة تتلخص في أنه عند التصوير بأشعة «كيرليان» واكتشاف خلل معين في حقل الطاقة، فإن ملاحظة هذا الخلل ممكنة قبل حدوث أو استفحال المرض. أي أن أي تغيير في حالة الوعي يؤدي إلى تغيير في مجال الطاقة هو بمثابة جرس إنذار لتغيير متوقع في جسم الإنسان.
لهذا توجهت الأنظار في حقول أخرى، كالطب والتربية والنفس والدين وغيرها، إلى التعمق في الدراسات الخاصة بالوعي واللاوعي وتأثيرات العقل على نشوء الاختلافات لدى الناس، أو التأثيرات الإيجابية للتعامل مع الحالات المختلفة لطرق التفكير والاتجاهات العقلية التي لطاقة العقل دور فيها.
وعندما نحاول الاستدلال على تأثيرات الطاقة الكامنة في تشكيل العقل المبدع أو العبقري مثلاً، فإننا ندرك أهمية التعليم والتدريب في هذا المجال. فالعقل المبدع يعني استخدام كل أجزاء نصفي الدماغ (الشقين الأيمن والأيسر) معاً، وهذا لا يحدث لكل الناس، ونادراً يستخدم الإنسان الفصين أو الشقين معاً وفي الوقت نفسه ما يقلل كفاءة المخ إلى النصف. فكلما نشط فص من المخ دخل الفص الآخر في حالة الاسترخاء والهدوء.
إن العقل لا يفكر كالحاسب الآلي، كما يعتقد البعض، فالاختلاف ناشئ بسبب أن الحاسب الآلي يعتمد على المعلومات في تشكل خطوط مستقيمة، بينما العقل يفكر بطريقة متوهجة ومشعة. فكل كلمة أو رسم أو رمز أو شكل هي في الوقت نفسه فكرة ومركز لأفكار أخرى، إما أن تكون مركزة أو منتشرة تميز حالة التفكير وأنماطه عند الفرد. لذلك يختلف المبدع أو العبقري عن العقل العادي في قدراته على استخدام الخلايا المكونة لفصي الدماغ. ويقال ان العباقرة يستخدمون الفص الأيمن أكثر من الفص الأيسر للدماغ.
ولأن نظام التعليم يلعب دوراً بارزاً في إعداد الفرد للحياة، ركزت أنظمة التعليم المتقدمة على إعداد برامج تعليم موجهة للمخ الأيمن في محاولات منها لتعزيز قدرة الفص الأيمن على التأثير في التفكير والإبداع، وتنمية المواهب لدى التلاميذ. فلقد وجد أنه لا يكفي التعويل وبنسبة عالية على المخ الأيسر من دون مشاركة فاعلة من المخ الأيمن، فأي مخ من المخين لا يفعّل وظائفهما إلا المحفّزات لخلاياهما، وأحد هذه المحفزات القوية هو التعليم الذي ينمي العقل والإدراك، ويؤثر في شخصية الفرد بدرجة عالية...
[email protected]