المشهد الأخير

إيهاب نافع... عندما يتوقف المخ والقلب! / 13

1 يناير 1970 06:11 ص
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
إذا كانت الأفلام المصرية... اشتهرت في خمسينات وستينات القرن الماضي، بالنهايات السعيدة... كانتصار قوى الخير على الشر، أو التقاء الحبيبين، بعدما ظنا كل الظن ألا تلاقيا، وزفافهما بين الأهل والأحباب والأصحاب... فإن المشهد الأخير في حياة عدد غير قليل من الفنانين والمشاهير المصريين والعرب كثيرا ما بدا مأساويا مؤلما مفعما بالحزن.
ففي لحظة فارقة... تنطفئ أضواء النجومية، ويضعف الجسد الذي كان يوما ممشوقا يصول ويجول أمام الكاميرات، ويقدم أصعب الأدوار وأعنفها.
في لحظة فارقة... تكتفي الحياة بما قدمته لفنان ما، وتقول له «يكفيك هذا... لقد حانت نهايتك»... وشتان بين إقبال الحياة وإدبارها وتبسمها وسخريتها، وعطفها وقسوتها، وفارق كبير... بين أن تربت على كتفيك وتفيض عليك بحنانها، وبين أن تركلك بأرجلها، كما يركل اللاعب الكرة.
كم كان مؤلما... المشهد الأخير في حياة فنانين أثروا الشاشتين الصغيرة والكبيرة بأعمال مميزة، لاتزال باقية في الذاكرة، أو مطربين ومطربات أثروا وجداننا ببديع أصواتهم، أو نجوم ومشاهير في مجالات أخرى... كان لهم حضور قوي... وتأثير واسع، سرعان ما ينهار ويندثر.
فبينما كان النجم أحمد زكي يواصل تألقه وإبداعه الفني، باعتباره «حالة فنية مختلفة»... أوقفه المرض الخبيث، وأخفى حالة من الحزن في الوسط الفني، لم تنته بعد، وبالرغم من مرور نحو 4 أعوام على وفاته، ويشبهه شكلا ومصيرا عبد الله محمود الذي قتله السرطان في ريعان شبابه.
كما جاءت نهاية ممثلة بسيطة وطيبة القلب مثل وداد حمدي مؤلمة... عندما غدر بها «ريجسير»، وقتلها في شقتها، من دون أن تقترف في حقه إثما، وفي أوج تألقها... أمطر رجل الأعمال المصري أيمن السويدي زوجته المطربة التونسية ذكرى بـ «21» طلقة، لتقضي نحبها في الحال.
وهكذا تتعدد النهايات الحزينة لفنانين ومشاهير... طالما أمتعونا وأسعدونا، وطالما عاشوا عقودا من الشهرة والأضواء والثراء... ولكن الأقدار... التي يصرفها البارئ... كيف يشاء... وفي السطور التالية... نهايات مع الفقر والحاجة والمرض والنسيان وأشياء أخرى.


طيار هبط على مطار الفن... لفترة ليست بالطويلة - ولكنه مع هذا تحول من مجال التمثيل الى «البيزنس» - تزوج 11 مرة وأنجب 4 أبناء... تنقل في كثير من السفريات، وكتب مذكراته ليسرد فيها علاقاته سواء السياسية أو الشخصية التي تنبئ عن شخصية... عاشت حياة مليئة بالأحداث، أحداث عاشها بالطول والعرض لكن مشهد النهاية كان مختلفا تماما فقد كان فاقدا للوعي مصابا بضمور في خلايا المخ... هكذا كان سيناريو حياة الفنان ايهاب نافع.
ولد الفنان ايهاب نافع في القاهرة العام 1935 وتخرج في الكلية الجوية المصرية العام 1955، ثم مارس عمله كضابط طيار في سلاح الطيران بالجيش المصري... حيث شارك في صد هجوم الطائرات البريطانية على مصر خلال العدوان الثلاثي على مصر العام 1956، وعمل بعدها ضمن السرب الجمهوري كأحد الطيارين الخاصين للرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
نجومية السينما
واستمر ايهاب نافع في خدمة القوات الجوية... حتى رتبة الرائد الى أن جاء العام 1963 الذي فتح باب نجومية السينما أمامه ليجد نفسه ومن دون أي ترتيب ممثلا ويقول ايهاب نافع عن ذلك التحول في حياته: انه اختلف مع الراحل كمال رفعت الذي كان يعمل معه ووقتها كان متزوجا من الفنانة ماجدة منذ 8 أشهر فقط، ولم يكن أمامه بديل الا أن يسافر لانكلترا ليعمل طيارا باحدى الشركات وكان ذلك يعني ابتعاده عن زوجته فقرر أن يدخل عالم التمثيل... انه العالم الذي لم يفكر الدخول فيه بالرغم من أن ابن عمته عزالدين ذوالفقار المخرج المشهور.
وقد تزوج ايهاب نافع من الفنانة ماجدة العام 1964، وكان قد انفصل عن زوجته الأولى ملكة جمال نادي المعادي - ابنة وزير الصحة آنذاك - أنجبت له ابنه الدكتور أيمن.
وكان ايهاب قد التقى مع ماجدة في مطار امبابة أثناء تمثيلها لأحد المشاهد في فيلم «المراهقات» وبالفعل ظهر ايهاب في لقطة صغيرة، ولكنها كانت كافية لبدء التعارف مع الفنانة ماجدة.
وهذه الرواية تختلف معها الفنانة ماجدة التي قالت: انهما تعارفا في السفارة الروسية... وهو التعارف الذي تطور الى اعجاب فزواج فانجاب لابنتهما غادة.
زواج وطلاق
استمر زواج ايهاب وماجدة لمدة 3 سنوات، ثم حدث الطلاق وتقول الفنانة ماجدة عن الطلاق بينهما: ان ما تم هو «طلاق أبيض» فلم يكن بينهما أي خلاف، كما تقول أيضا: أذكر أننا كنا في أحد الأماكن في بيروت نتناول العشاء وكنا نرقص ففوجئ بي أطلب منه الطلاق لأنني اكتشفت أن شخصيته كطيار... جعلته يحب الانتقال بينما أنا مرتبطة ببلدي ولا أتصور نفسي خارجها لفترة طويلة.
وقلت له: نحن أصدقاء ولا أريد أن يقع بيننا أي خلاف ولأن بيننا عشرة جميلة علينا أن ننفصل بحب.
فسألني: هل هناك طلاق بحب؟ فقلت له: لماذا لا نؤسس هذه القاعدة؟ وأنا لم أر منك أي شيء سيئ... وعيبك الوحيد هو السفر وأنا أحب أن أعيش بجوار زوجي... وأنا أرفض أن أعيش خارج مصر كما تريد... والله يعلم كيف كانت حالتي عند وقوع الطلاق... فلا توجد سيدة تحب الطلاق فالمرأة عادة تحب الأسرة والاستقرار.
وتقول ماجدة عن ايهاب: انه انسان طيب ودائما في حاله... لا يحب المشاكل أو ارتفاع الصوت... وبكل صراحة فهو حتى لا يعرف أن يدافع عن نفسه من الآخرين... وأنا أعرفه جيدا وكانت ماجدة متأثرة بالطلاق حتى انها قالت «لم أكن وحدي الذي تأثرت بالطلاق، فأنا أعرف أنه دخل المستشفى لمدة شهرين تأثرا بما حدث وكذلك والدته التي كانت تقول لي... «انني لا أشعر بالاطمئنان على ايهاب الا معك».
أما علاقتهما بعد الانفصال فقالت عنها: «كان ايهاب يرى غادة من وقت لآخر، لكنه في السنوات الأخيرة لم يكن يراها، وعندما مرض وجدت غادة تحت قدميه تتمنى له الشفاء... كما أن غادة على علاقة جيدة مع ابنه من زوجته الأولى الدكتور أيمن وهو نسخة من أبيه وعندما كان أيمن طفلا كنت أحبه وكان يحبني ولاتزال علاقتنا جيدة.
أفلامه السينمائية
شارك ايهاب نافع في تمثيل 18 فيلما سينمائيا كان أشهرها فيلم «الحقيقة العارية» العام 1963 و«هجرة الرسول» العام 1964 و«الراهبة» العام 1965 و«للرجال فقط» العام 1966 و«النداهة» العام 1975 و«المدمن» العام 1983 وفيلم «لصوص خمس نجوم» وكان آخر فيلم «زمن الممنوع» مع الفنانة ليلى علوي العام 1988.
كما شارك في تمثيل بعض الأفلام السينمائية خارج مصر مثل فيلم «في طريقي رجل» وهو انتاج لبناني وفيلم «طريق بلا نهاية» وهو انتاج تركي.
اضافة الى مشاركته في بعض المسلسلات التلفزيونية، وفي العام 1990 ابتعد عن عالم السينما والفن وتفرغ لادارة أعماله التجارية.
بعد انتهائه من تمثيل فيلم «طريق بلا نهاية» سافر ايهاب نافع لأستراليا ليشارك في مسلسلات تلفزيونية قبل أن ينشغل بعالم البيزنس، وبعد 12 عاما من غيابه عن مصر عاد ليقوم بعدة أعمال تجارية، لم يكن ايهاب بعيدا عن الفن فقرر أن ينتج لكنه أخذ درسا مهما.
وقال: للأسف الأفلام الهادفة لا تكسب... فقرر أن يتوقف عن الانتاج بعد أن أنتج فيلمه بتكلفة 242 ألف جنيه وحقق دخلا لم يزد على 165 ألف جنيه، كما عمل كضيف شرف في فيلم «اللعبة الأخيرة» اخراج يوسف شرف الدين لتنقطع صلته بالتمثيل.
مسيرة حياتية
تزوج ايهاب نافع 11 مرة وكانت احدى زوجاته هي أرملة رفعت سليمان الجمال - رأفت الهجان - حيث قال ايهاب نافع: «تعرفت على رفعت علي سليمان الجمال العام 1953 وكنت أحد المسؤولين عن تلقي رسائله وأرسل تعليمات له، وكان أول لقاء شخصي جمعنا في فرنسا العام 1971، وكانت بيننا صداقة وتزوجت أرملته «فالترود بيتون» بعد شهرين من وفاته وانفصلنا العام 1989.
واستمر ايهاب نافع في حرصه على ذكرى صديقه الجمال وحاول أن يقدم فيلما سينمائيا بعد اذاعة مسلسل «الهجان»... حيث كان يرى أن المسلسل أغفل نواحي شخصية وانسانية مهمة في حياته بالرغم من أنه كان قد أبلغ كاتب المسلسل الراحل صالح مرسي بهذه التفاصيل في جلسة استمرت 5 ساعات.
معاهدة السلام
وذكر ايهاب نافع أنه لعب دورا سريا في معاهدة السلام حيث نقل بعض المعلومات للرئيس السادات التي استعان بها في توقيع المعاهدة... وكانت مهمته نقل هذه المعلومات للرئيس مباشرة،
وبالفعل سافرت الى مصر وعندما وصلت مطار القاهرة كان هناك من ينتظرني من رئاسة الجمهورية وطلبوا مني أن أسلمهم الملف الذي به تلك المعلومات التي حصلت عليها من مصدر خاص لي في أميركا فرفضت.
وطلبت لقاء الرئيس بنفسي لتسليمها له، وكنت قد وصلت في منتصف الليل فأخبرتهم بأنني أريد أن يكون اللقاء في الصباح للأهمية، فاقتادوني الى فندق هيلتون النيل ولم أنم حتى الصباح.
وعند استراحة السادات في الاسماعيلية رحب بي السادات وسلمته «الظرف»، فقال لي «انت طبعا تعرف محتواه، فقلت له نعم يا فندم ففتح الظرف وأخذ يقرأ وبعد أن انتهى من قراءة الأوراق قال لي أين ستكون في الفترة التي سأكون فيها في أميركا».
فقلت له «يا فندم أنا أعمل في أميركا» فقال: وممكن أن تكون قريبا منا حتى اذا احتجناك نجدك وقالها بالانكليزية فقلت: بكل ممنونية يا فندم.
حياة بالطول والعرض
عاش ايهاب نافع بالطول والعرض بين الأمراء والقصور والملايين ولف العالم كله وعرف الكثير من البنات وتزوج 11 مرة واشتغل في كل شيء من طيار لتاجر سلاح وسمسار بترول... الخ.
واشترى كاديلاك وكان عمره 15 عاما من صرّة ذهب منحها اياه أحد الملوك العرب... الذي كان يشرف والد ايهاب على علاج عينيه... حيث كان أبوه طبيبا للعيون وللأسف أعجب الملك فاروق «بالسيارة» فأخذها من ايهاب.
لكنه في مذكراته كتب عن زوجته الفنانة ماجدة فقال: «تعرفت على المنتج تاكفور أنطونيان فكان كلما التقاني يقول لي: «ماجدة معجبة بك وقد صرحت لي بذلك فلماذا لا تتزوجها؟» ومن كثرة - زنّه على وداني - أذعنت له ودامت الخطبة لمدة شهرين ومن ثم تم الزواج، والحقيقة أن ماجدة كانت دائما تتدخل في عملي ما يسبب لي مشكلة وخصوصا بالتمثيل، حتى ان عاطف سالم كان يقول لها: «دعيه هو يؤدي الدور لأن تدخلك فيه سوف يجعله يؤدي الدور بطريقتك أنت».
وبعد ذلك بـ 4 سنوات حدث خروجي من مصر لأنني لم أكن أستطيع العودة بسبب خلافات مع القيادة، فعشت في بيروت... وهي ظلت في القاهرة، حيث انها رفضت الحياة العائلية مع ابنتها وفضلت الأضواء والشهرة «ولم يكن ذلك بالطبع مناسبا فوجدت أنه - مافيش داعي أفضل معلقها - فطلقتها».
من ضمن زيجاته الـ 11 هناك المصرية والمغربية والأميركية والأسترالية والألمانية والسعودية وغيرها.
فقد تزوج من سميرة خاشقجي زوجة محمد الفايد السابقة... ومن فالترود بيتون زوجة رأفت الهجان السابقة، وقد تعرف ايهاب نافع على سميرة خاشقجي في «فيكتوريا كولدج» وتزوجها لمدة سنتين، وكان يجلس معها في قصرها في بيروت طوال النهار، وانفصل عنها عندما اتهمته بأنه تزوجها من أجل عيون شقيقها عدنان الذي كان يعطيه مرتبا قدره 20 ألف دولار في أوائل السبعينات، بالاضافة الى طائرة خاصة.
أرملة صديقة
أما أرملة الهجان - صديقه - فقد تزوجها في أبريل 1982 حتى يونيو 1989، وقد حدث الطلاق بسبب رفضها تسديد قرض بمبلغ 261 ألف دولار كان قد منحه ايهاب لها لتعمل فحص تربة لحقول بترول.
وقد حسم ايهاب أمر طلاقها بعد أدائه مناسك الحج وسؤاله لشيخ الحرم المكي عن حل مشكلته... وللفنان ايهاب نافع أربعة أبناء هم... الدكتور أيمن من زوجته الأولى... وغادة من زوجته الثانية الفنانة ماجدة... وزكريا وجوهرة من زوجته الثالثة الأسترالية... وقد عاش خلال الأعوام الأخيرة من حياته متنقلا بين عدة دول عربية وأوروبية.
المشهد الأخير
أما المشهد الأخير في الحياة الصاخبة للفنان ايهاب نافع في السنوات الأخيرة حيث كان يعاني من الشلل الرعاش وفي العام 2006 مر بلحظات حرجة حيث رقد في غرفة العناية المركزة بالمستشفى الجوي وكان فاقدا للوعي ومصابا بضمور في المخ ـ «جلطة»، بالاضافة الى نزلة شعبية.
والتقت الفنانة ماجدة به في المستشفى وكان ايهاب مريضا بعد أن كانت تملأوه الحيوية والنشاط وأخذت ماجدة تبكي وتقول «ما حدث لم أكن أحب أن أراه بهذه الصورة... ولم أحتمل أن أرى ايهاب وهو مريض هكذا» وكان ايهاب نافع يرقد في المستشفى والى جواره زوجته جيهان وأبناء شقيقيه.
وفي مساء 30 ديسمبر 2006 توقف قلب ايهاب نافع عن الخفقان في المستشفى عن عمر يناهز «71 عاما»... حيث تدهورت صحته وشيع جثمانه من مسجد السيدة نفيسة الى مثواه الأخير بمقبرة الأسرة بالقاهرة... وقد استدعت الفنانة ماجدة ابنتها غادة وزوجها آزاد من ايطاليا حيث كانا هناك، وأقامت سرادق عزاء يليق بمكانة ايهاب السياسية والاجتماعية والفنية... وشاركت مع ابنتها في تلقي العزاء من أصدقاء ومحبي زوجها السابق، وكانت الابنة غادة قد لازمت والدها طويلا بعد الأزمات الصحية التي تعرض لها في أواخر أيام حياته.