عبدالله كمال / ... ولكن / الإمام والصليب
1 يناير 1970
06:32 ص
لا أحد يتمنى أن يُسجن صحافياً بسبب رأيه بشرط أن نمايز بين الرأي والشتم، ولا أحد أيضاً يمكن أن يقبل أن يوضع صليب على صدر الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر.
قبل فترة نشرت جريدة «الفجر» الأسبوعية المصرية الخاصة في صدر صفحتها الأولى رسماً «جرافيكياً»، ألبست فيه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور سيد طنطاوي ملابس كاردينال في الفاتيكان، ووضعت على صدره صليباً فيما مثل إهانة تتجاوز حدود أي مستوى مقبول في انتقاد رجل بهذه المكانة حتى لو كنا نقبل تماماً مبدأ أنه لا كهنوت في الإسلام وأن رجل الدين ليس مقدساً.
ولم يكن غريباً أن يتضرر شيخ الأزهر، ولكنه لجأ إلى أسلوب حضاري، استناداً إلى حقه الدستوري، وليس استناداً إلى مكانته الدينية، وقدم بلاغاً إلى النيابة العامة... وجرت التحقيقات، وأصر الشيخ على أن يحصل على حقه وفق القانون من خلال حكم القضاء، وهذا أمر يحترم فيه ويحسب له أياً ما كان اختلاف البعض معه. إن رجل الدين طلب حكم القانون ولم يصدر فتوى بتكفير من أهانه وأهان موقعه.
أعرف جيداً، أنه قد جرت محاولات حثيثة ومستمرة ومتكررة من قبل «الفجر» لكي تترجى الإمام الأكبر أن يتنازل عن بلاغه، وسيقت إليه وساطات متنوعة لم يقبلها، وأصر على انتظار حكم القضاء، كما جرت من قبل الجريدة محاولات متنوعة لاستثارة أي موقف صحافي مساند، لا أعتقد أنها قد أحرزت أي نتيجة، ببساطة لأن الصحافيين أكثر الناس إدراكاً أن ما جرى لم يكن نقداً مقبولاً أو إعمالاً لحرية الرأي، وإنما ابتذال وتعسف وتطاول.
ولا يمكن هنا لأي أحد أن يزعم أن الإمام الأكبر قد نال توجيهاً، أو أن البلاغ الذي تقدم به موصى به من قبل «الحزب الوطني» الحاكم في مصر، كما توصف القضايا التي يتقدم بها مواطنون عابرون انطلاقاً من اقتناعهم أنه ليس من حق الصحافيين أن يشتموا زعامات وسياسيين يؤيدون أفكارهم ويؤمنون باحترام مكانتهم، ولا يمكن القول ان تلك هجمة جديدة على حرية الرأي، إنما هي من وجهة نظري محاولة من قبل شيخ الأزهر لإرساء قواعد احترام حرية الرأي وتحديد مساحاتها.
ولابد من الإشارة إلى أن جريدة «الفجر» نفسها لجأت إلى موقف غامض أثناء نظر القضية التي تأجلت قبل أيام إلى يوم 11 أكتوبر المقبل، فمن ناحية هي لم تتناول الموضوع مجدداً بأي صورة لكي تدافع عن موقفها، ومن ناحية ثانية هي لم تبادر إلى الاعتذار لفضيلة الإمام الأكبر لعل هذا يساعدها في تسول المصالحة منه، ومن ناحية ثالثة هي لم تلجأ إلى محاولة حشد الرأي العام لمساندتها في القضية، إذ إنها على يقين من أن أحداً لن يساندها.
المثير في الأمر، هو ما ورد في تغطية جريدة «الدستور» لوقائع جلسة القضية الأخيرة في عدد الأمس، ذلك أن محامية تدافع عن رئيس التحرير عادل حمودة قالت نصاً : «شيخ الأزهر فضحنا ولابد من فرض الصلح عليه». دعك من عبارة أنه لابد من فرض الصلح على الإمام الأكبر وما تضمنته من رغبة في فرض سلوك قسري على الشيخ الجليل، يناقض صفته كمواطن له حقوق دستورية له أن يوافق أو يرفض، ولكن انظر إلى كلمة «شيخ الأزهر فضحنا». كيف يمكن أن يتخيل هؤلاء أنه يمكن أن يعالجوا قضية سب وقذف بمزيد من السب والقذف.
والمدهش أن الجريدة التي تواجه القضية اصطحبت معها الدكتور مصطفى الفقي لكي يشهد بأنه لم ير في المقال المصاحب للرسم المشوه لشيخ الأزهر أي سب وقذف وإن اختلف مع بعض عباراته، وبغض النظر عن أنه يمكن لشيخ الأزهر أن يرسل عشرات من الأشخاص الذين يمكن أن يقولوا عكس ما قال الفقي، وأنهم رأوا في المقال سباً وقذفاً وتطاولاً، فإن المرء يمكن أن يتخيل موقف الدكتور الفقي لو أنه وجد نفسه، وهو ليس إماماً للأزهر، في الرسم نفسه الذي نشرته الجريدة للإمام وقد اعتلى صدره الصليب.
إن الصليب ليس سبة، ولكن وضعه على صدر شيخ الإسلام يمثل عدم احترام لعقيدته، ووصف شيخ الأزهر من خلال الرسم بأنه كاردينال في الفاتيكان لا يعتبر نقداً مقبولاً في إطار حرية الرأي. ونحن ننتظر حكم القانون.
عبدالله كمال
رئيس تحرير «روزاليوسف» ومستشار «الراي» بالقاهرة