على أبواب عشماوي

ليلة إعدام ريا وسكينة! / 12

1 يناير 1970 07:04 ص
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
هل تستيقظ الضمائر؟... هل تقترب أبواب التوبة؟... أم أنها الصدمة فقط وحدها... هي التي يمكن أن توقظ الضمائر... أم أنه حبل المشنقة... هو الذي يأخذ المذنب... إلى طريق مختلف... يحاول من خلاله أن يؤكد ندمه على ما فعله؟
أسئلة كثيرة... نطرحها... ونحن نبحث في أمر الدقائق الأخيرة... في حياة القتلة والسفاحين والإرهابيين والخونة... كيف تكون هذه الدقائق... قبل الاقتراب من حبل عشماوي «منفذ عملية الإعدام»!
هل تتبدل أحاسيس... من قتلت زوجها... أو من قتل ولده... أو من خان بلده... أو من كمنت لأبناء جيرانها... أو من اصطادوا الضحايا تباعا وشربوا من دمائهم؟
وإذا بالفعل تبدلت... هل هو الخوف... أم أنه القناعة بالتوبة... قبل مغادرة الحياة... والندم على الأفعال والجرائم... بعد فوات الأوان!
وهل يمكن أن تنفعنا دموع عاشقة قتلت زوجها لتخلو لها الحياة مع «عاشق»... أو من أباح دماء سياح وفجر باصا يقلهم... أو من قدم لعدو معلومات عن بلده؟
القتلة والخونة... قد يذرفون الدمع أنهارا... وقد يطلبون التوبة والصفح والعفو... ولكنهم قتلة... لابد من عقابهم... وحبل المشنقة في انتظارهم... ولعل مشهد إعدام طاغية العراق «صدام حسين»... كان من أشهر هذه المشاهد.
«الراي»... بحثت كثيرا في أوراق قديمة وحديثة... عن أيام... أو ساعات أو حتى دقائق ما قبل الإعدام... ووجدت فيها الكثير من المواقف والحكايات... وعبارات الندم... ورايات سوداء ترفع... وقمصان حمراء تلبس... وشرود ذهني... وذكريات أليمة تجتر... وأيضا وجدت فيها «الإنقاذ»... أو نزول عدالة السماء عن «متهم... ليس متهما»... وفي السطور التالية الكثير:
 
قضية «ريا وسكينة»... كانت ولاتزال من القضايا التي شغلت الرأي العام المصري كله وحدثت في مدينة الإسكندرية «220 كيلو مترا شمال غرب العاصمة المصرية» في بدايات القرن العشرين، وقد أصدرت محكمة جنايات الإسكندرية حكما بإعدام امرأتين ـ ريا وسكينة ـ وكانت هذه سابقة في تاريخ المحاكم المصرية، وقد صدر الحكم في قضية النيابة العمومية باللبان العام 1921، لكن الكثير منا لا يعرف الساعات الأخيرة التي واجهتها ريا وسكينة وعصابتهم الإجرامية قبل الإعدام بدقائق... ونذكر القضية كما هي مسجلة في أوراق النيابة العمومية في اللبان بشكل رسمي.
في قضية النيابة العمومية ـ لبان سنة 1921 ضد المتهمتين ريا وسكينة و8 آخرين وبعد سماع طلبات النيابة العمومية وطلبات المدعي بالحق المدني وأقوال المتهمين ودفاع المحامين عنهم وشهادة الشهود والاطلاع على أورق الدعوى وأخذ رأي فضيلة «مفتي مدينة الإسكندرية» والمداولة قانونا وطلب محامي المتهمتين الأولى والثانية استعمال الرأفة معهما وترك تقدير قيمة التعويض قبلهما للمحكمة.
طلبات المحامي
وطلب المحامي عن المتهم الثالث إجراء الكشف على قواه العقلية لمعرفة درجة مسؤوليته وطلب في الموضوع الحكم ببراءته... وطلب محامي المتهم الرابع اعتباره شريكا ومعاملته بالمادة 199 عقوبات أو باستعمال الرأفة طبقا للمادة 17 عقوبات وإبدال عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة فوض الرأي في تقدير التعويض قبله، وطلب المحامون عن باقي المتهمين الحكم ببراءتهم ورفض الدعوى المدنية قبلهم.
وقد تبين من التحقيقات التي حصلت في الدعوى ومن شهادة الشهود الذين سمعوا أمام المحكمة إنه في غضون المدة من يناير إلى نوفمبر العام 1920 ورد إلى بوليس قسم اللبان بالإسكندرية 10 بلاغات عن اختفاء 10 نسوة من الطبقات القاطنة بدائرة اللبان وقدمت هذه البلاغات من ذوي قرابتهن وحفظتها النيابة لعدم الاهتداء إلى معرفة مقر هؤلاء النسوة وأسباب غيابهن.
وكانت سكينة ـ المتهمة الثانية ـ تسكن في ذلك الوقت منزلا كائنا في حارة ماكوريس رقم «5» خلف قسم اللبان، وكان مؤجرا لشخص يدعى محمد الذي أجر غرفة لسكينة بالدور الأرضي ثم أخلى هذا المنزل وتسلمه المؤجر في 30 أكتوبر العام 1920، فأخذ يجري فيه بعض التحسينات التي طلبها منه مستأجر جديد.
الجثامين... تباعا
وفي يوم 15 نوفمبر 1920 بينما كان أحمد - ابن صاحبة العقار - يحفر في أرضية الغرفة التي كانت تقيم بها سكينة لأجل تركيب مواسير المياه... إذ عثر على جثة امرأة كانت مدفونة فيها فأخطر القسم بذلك.
وباستمرار الحفر بأرضية تلك الغرفة وجدت بها أيضا جثتان لامرأتين خلاف الجثة الأولى، ثم حفرت أرضية غرفة أخرى لسكينة بمنزل موجود بحارة النجاة رقم «5» بقسم اللبان فوجدت بها جثة رابعة وقد علم وقتئذ أن لسكينة أخت تدعى «ريا» وهي المتهمة الأولى وهي متزوجة من حسب الله ـ المتهم الثالث ـ وكانت تسكن غرفة بالدور الأرضي بمنزل كائن بشارع علي بك الكبير بقسم اللبان.
وكانت ريا تكثر من التردد على غرفة بمنزل آخر كائن بحارة النجاة رقم 8 بدوره الأرضي تشغلها أمينة - المتهمة الثامنة - وقد وجدت 12 جثة نسائية مدفونة بالغرفة الأولى وجثة أخرى لامرأة مدفونة بالغرفة الثانية، وتلك الجثث البالغ مجموعها 17 هي جثث النسوة المذكورة أسماؤهن بأمر الإحالة وهذه المحلات جميعها أعدت سرا وكانت البغايا من النساء تترددن عليها تارة من تلقاء أنفسهن وتارة بطلب من ريا وسكينة لتعاطي المسكرات وارتكاب الفحشاء فيها وكانت إدارة المحلات مشتركة بين ريا وسكينة وأرباحها تقسم بينهما.
ودل التحقيق على أن 8 جثث من الـ 17 جثة التي اكتشفت تم التبليغ عنهن وهن «نظلة وسليمة ونبوية وزنوبة وفاطمة وفردوس» وتبين أيضا أنه كان لهؤلاء النسوة مصوغات.
وقد تم استجواب سكينة أمام النيابة وقررت بأنها اشتركت بالاتفاق مع أختها ريا في قتل 10 نسوة من اللائي وجدت جثثهن بالمنازل، وبأن مطلقها محمد عبدالعال وحسب الله - زوج ريا - وعرابي وعبدالرازق صاحبهم قتلوا «هانم ونظلة وعزيزة وزنوبة» وبأنهم ما عدا محمد قتلوا أنيسة.
وبأن حسب الله مع عرابي اشتركا في قتل نبوية زوجة السماك وسليمة الشهيرة بـ «أم عرفات» بائعة الغاز، ونبوية القهوجية وفاطمة المخدمة.
ومع عبدالعال في قتل فردوس وقررت بأن المجني عليهن كن يحضرن بدعوة منها وأختها ريا إلى تلك المنازل للالتقاء بالرجال... حيث يكون هؤلاء المتهمون في انتظارهن... باتفاقهم معها ومع أختها «ريا» على قتل النسوة وسرقة ما يكون معهن من المصوغات.
أسلوب القتل
ولأجل تسهيل قتلهن بواسطة من ذكروا من المتهمين كانتا تقدمان إليهن الخمور القوية المفعول ما يكفي القليل منها لإسكارهن سكرا شديدا لا يستطعن معه محاولة أي مقاومة أو استغاثة.
فكان أولئك المتهمون ينتهزون الفرصة لاغتيالهن بواسطة كتم النفس والخنق وقررت أيضا بأن أحدهم كان يخنق كل امرأة منهن بمنديل يشده حول عنقها أو بيديه، بينما كان الآخرون ممسكين بيديها ورجليها وصدرها أو فمها لمنعها من إبداء أي حركة إلى أن يتم زميلهم فعلته وتزهق نفس المرأة وبأن عرابي هو الذي كان يباشر الخنق في معظم تلك الحوادث.
ثم يدفنون جثثهن بالأمكنة التي وجدن فيها بعد تجريدهن من مصوغاتهن ومما يجدونه معهن من النقود وكانت المصوغات تباع بعد ارتكاب الجرائم بمعرفة سكينة وريا إلى المتهم الصائغ وغيره وأثمانه توزع بينهم.
وأمام المحكمة قررت سكينة بأن القاتلين لسليمة هم حسب الله ومحمد عبدالعال وعبدالرازق وسلامة الكيت وقد كررت اعترافها أمام المحكمة
أما ريا فقد اختلفت في أقوالها أمام النيابة، واعترفت أثناء استجوابها من قاضي الإحالة باشتراكها هي وسكينة بطريق الاتفاق في قتل 6 من تلك النسوة وهن: هانم ونظلة وأمينة وأنيسة وفهيمة وفردوس.
وقررت بأن القاتلين لهن هم زوجها حسب الله ومحمد وعرابي وعبدالرازق، واتفقت روايتها مع رواية سكينة فيما يختص بكيفية حصول القتل ودفن الجثث والتصرف في المصوغات المسروقة وقد كررت اعترافها أمام المحكمة أيضا،
اعترافات حسب الله
وقد اعترف حسب الله أمام النيابة بأنه قتل من النسوة 8 وهن: نظلة وسليمة ونبوية الشهيرة بـ «فهيمة» باشتراكه مع محمد وعرابي وعبدالرازق، وفاطمة المخدمة ونبوية باشتراكه مع عرابي وسليمة باشتراكه مع محمد وأنيسة مع عرابي وحسان وعبدالرازق، وقرر بأن القاتل لفردوس هو محمد وحده.
أما عبدالعال... فقد اعترف في تحقيق النيابة بقتله هانم ونظلة بالاشتراك مع حسب الله وعرابي وعبدالرازق وبأنه اشترك معهم أيضا في قتل امرأة لها «سنّة ذهب» لا يعرف اسمها ورابعة يبلغ عمرها 36 سنة بيضاء نوعا متوسطة الحجم والقامة وامرأة خامسة وهي التي دفنت في غرفة سكن المتهمة أمينة.
اعترافات عبدالعال
وقرر المتهم محمد عبدالعال أمام قاضي الإحالة بخصوص الاعتراف الصادر منه في تحقيقات النيابة أنه أغري من رجال البوليس على هذا الاعتراف وأنه لا دخل له في جرائم القتل المسندة إليه ولكن اعترافه مؤيد على كل حال من ضبط «فانلة» صوف لفردوس عنده ومن إقرار علي - الصائغ - بحضوره إليه مع حسب الله وريا وسكينة عند عرض المصوغات المسروقة عليه ومن ملازمته في كل وقت لزوجته لأختها سكينة ولأختها ريا ولزوجها حسب الله ومن شهادة زنوبة - زوجة حسب الله الثانية - بأنه جاء إليها بصحبة حسب الله ومعها ما ضبط عندها من ملابس فردوس.
والمحكمة استنتجت من الوقائع المتقدمة بأنها ومن كون المتهمين المعترفين اشتروا في «بحر المدة» التي ارتكبت فيها هذه الجرائم من المصوغات ما لا يمكنهم شراءها إلا من ثمن ما سرقوه من حلىّ المجني عليهن وعن كون حالة الجثث دلت على أن تاريخ القتل لم يكن سابقا على إقامتهم في البيوت الذي وجدت به تلك الجثث أن المتهمين المذكورين لم يشتركوا فقط في قتل النسوة الوارد ذكرهن في اعترافاتهم بل قتلوا أيضا النسوة الأخريات المبينة أسماؤهن في أمر الإحالة.
عرابي... ينكر
والمتهم عرابي أنكر ما أسند إليه من المتهم وادعى أنه لم يتوجه مطلقا إلى ريا وسكينة منذ إقامتهما بالمنازل التي استخرجت منها الجثث.
وإن كان يوجد سابق معرفة بينه وبينهما وبين حسب الله ومحمد بمناسبة تردده عليهم بأماكن مسكنهم بالكامب الذي كانت تديره ريا بسوق الجمعة بالإسكندرية ولكن كذّبه في ذلك شهود منهم السيدة بغرفة المنزل الكائن بشارع ماكوريس في اليوم نفسه الذي اختفت فيه فاطمة، ورأت ترابا مكوما بجوار باب الغرفة وهذا التراب كان قد استخرج من أرضية الغرفة بعد دفن جثة فاطمة فسألت عنه فأخبرها حسب الله وريا بأن المرأة قد تقيأت فنقلت التراب إلى تحت سلم المنزل ومنهم زينب التي شهدت بأن ابنتها نظلة إحدى المجني عليهن كانت تجتمع كثيرا بـ «عرابي» عند ريا وكانت تخشى بأسه لأنه فتوة ومشهور بأنه يخنق ومنهم شفيقة وعبدالمحسن اللذان قررا رؤيتهما عرابي يتردد على منزل ريا الكائن بشارع علي بك الكبير وقد شهد غيرهم بأن نظلة المقتولة كانت خليلة عرابي وكان يريد الزواج بها ولما أختفت لم يهتم بأمرها وأخذ يقول لكل من يسأله عنها «بكره تحضر».
أما فيما يتعلق بالمتهم عبدالرازق فإنه ثبت من أقوال الشهود أنه كان معاشرا «للحرمة» أنيسة إحدى المجني عليهن وكان يجتمع بها في منزل ريا بشارع علي بك الكبير.
وكانت أنيسة نسبت إليه قبل اختفائها سرقة قرط من ذهب ونقود لها وقامت بتوسيط بعض أصدقائها في استرداد هذه الأشياء منه فرفض وأظهر غضبه عليها خصوصا لما رأى أنها تتهمه بالسرقة الملصقة به وأخذت تنتشر في المقاهي التي كان يذهب إليها، فكان حينئذ من مصلحته أن يقتل أنيسة للتخلص من تشهيرها به والاستفادة بجزء من حليها.
وقد ثبت منها أيضا أن عبدالرازق كان معاشرا لـ «ريا» وسكينة وحسب الله ومحمد من بدء سكنهم بالمنازل التي وجدت بها الجثث ومرتبطا بهم كل الارتباط وكان يرى من واجبه أن يدافع مع عرابي عن سمعة تلك المنازل كلما وجد لذلك فرصة مع عملها بما هو حاصل فيها من الفضائح وكان به عند ريا وسكينة من المنزلة والمكانة ما يجعله يتصرف في محلاتهما كيف يشاء ويضاف إلى ذلك أنه من أجلها أمدهما بمبلغ لا يمكنها الحصول عليها من المكاسب التي كانت تأتيهما بالوسائل المتاحة.
القتل العمد
ومن الكشوف الطبية الموقعة على الجثث المؤيدة لما ورد في أقوال المتهمين المعترفين من حصول القتل بطريق الخنق وبيد عدة أشخاص ومن القرائن القوية التي تعزز أقوال ريا وسكينة وحسب الله ومحمد عبدالعال بالنسبة لكل من عرابي وعبدالرازق ما يحمل المحكمة على الاعتقاد التام بأنهما باشرا قتل الـ «17» إمرأة عمدا مع سبق الإصرار في الظروف السابقة واستباحة أموالهن بتبديدها في المنكرات وذلك في المدة الواقعة بين نوفمبر 1919 و12 نوفمبر 1920 بجهة حيّ اللبان بالإسكندرية.
وتلك الجرائم لم يشاهد مثلها في القسوة والفظاعة منذ عهد تأسيس المحاكم للآن منطبقا على نص المادتين 39 وعقوبات 194 وعقاب ريا وسكينة بصفتهما لكونهما اشتركتا مع الفاعلين الأصليين في التاريخ والمكان المذكورين في الجرائم بطريق الاتفاق والمساعدة في الأعمال المسهلة لارتكابها بأن أحضرتا المجني عليهن إلى محلاتهما وأسكرتهن ليتمكن الفاعلون الأصليون من خنقهن من دون أدنى مقاومة منهن فوقعت جرائم القتل بناء على هذا الاتفاق وهذه المساعدة... منطبقا على نص المادة 40 فقرة ثانية وثالثة.
الأوراق على المفتي
وفي 12 مايو العام 1921 تمت إحالة أوراق المتهمين إلى فضيلة المفتي لإبداء رأيه طبقا للمادة 49 من قانون تنظيم محاكم الجنايات ووردت منه مشفوعة برأيه في 15 مايو برقم 401، أما عن تهمة سلامة الملقب بالكيت فإنه لم توجد ضده سوى أقوال سكينة وحسب الله التي لم تؤيد بأي دليل من الأدلة المقنعة حتى يمكن الأخذ بها والتعويل عليها في الحكم بإدانة سلامة فيما هو متهم به.
كما وأن المحكمة رأت فيما يخص اتهام أمينة ومحمد الشهير بـ «النص» زوجها بالاشتراك في قتل نبوية بالاتفاق والمساعدة أن الأدلة التي وصلت إليها التحقيقات لا تكفي لإثبات التهمة الموجهة إليهما ويتعين الحكم حينئد ببراءة الثلاثة المتهمين لعدم ثبوت التهمة المسندة إليهم ثبوتا كافيا.
وقضت المحكمة على كل من ريا وسكينة ابنتي همام وحسب الله ومحمد عبدالعال وعرابي وعبدالرازق بعقوبة الإعدام شنقا وذلك بجلستها العلنية المنعقدة بسراي محكمة الاسكندرية الأهلية يوم 16 مايو 1921 وقيدت القضية بجدول النقض تحت رقم 1937 لسنة 38 قضائية وحكم فيها من محكمة النقض والإبرام برفض الطعن في 30 أكتوبر العام 1921 وتم تنفيذ حكم الإعدام داخل الإسكندرية في 21 و22 ديسمبر سنة 1921.
الرايات السوداء
لم تكد شمس يوم الأربعاء 21 ديسمبر 1921 تشرق حتى رفعت الرايات السوداء على سارية سجن الحضرة إعلانا بأن حكما بالإعدام سيتم تنفيذه، وفي السابعة والنصف اصطفت هيئة التنفيذ أمام غرفة الإعدام وجاء حراس السجن بـ «ريا» المتهمة الأولى وكانت ترتدي ملابس الإعدام الحمراء وعلى رأسها طاقية بيضاء، كانت تسير بأقدام ثابتة إلا أنها كانت ممتقعة اللون خائرة القوى وقد استمعت بصمت إلى حكم الإعدام الذي تلاه عليها القائمقام «عبدالفتاح صالح» مأمور السجن، ثم سألها محافظ الإسكندرية محمد حداية باشا إذا كانت تحتاج إلى شيء فقالت إنها تريد رؤية ابنتها «بديعة» فأخبره المأمور أنها زارتها قبل يومين... فقالت «يعني ماشوفش بنتي؟!» ثم دخلت إلى غرفة الإعدام.
وطبقا للبيانات التي وردت في أورنيك السجون رقم 169 الذي يتضمن تقرير الطبيب عن السجناء المحكوم عليهم بالإعدام شنقا كان وزنها عند دخول السجن 42 كيلو غراما ارتفع عند تنفيذ الحكم إلى50 كيلو غراما ونصف كيلو غرام خلال ما يقرب من عام وكانت آخر عبارة قالتها «أودعتك يا بديعة يا بنتي بيد الله» ثم نطقت بالشهادتين واستمر نبضها دقيقتين وظلت معلقة لمدة نصف ساعة.
الموت... حق
وبعد الثامنة بقليل اقتيدت «سكينة» المتهمة الثانية إلى ساحة التنفيذ وكانت كثيرة الحركة والكلام بينما كان مأمور السجن يقرأ عليها نص الحكم وكانت تتمتم بعبارات تعلق بها على ما تسمعه.
فعندما ذكر الحكم أنها قتلت 17 امرأة قالت: «هو أنا قتلتهم بإيدي؟»، ثم قالت بتحد: «أيوه قتلت واستغفلت بوليس اللبان... وأتشنق ومايهمنيش... أنا جدعة».
وعندما دخلت إلى غرفة المشنقة قالت لعشماوي وهو يوثق يديها خلف ظهرها «هو أنا رايحة أهرب ولا هامنع الشنق بإيدي... حاسب... أنا صحيح وليّة لكن جدعة والموت حق».
ولما كانت تحت الحبال قالت: «سامحونا... يمكن عبنا فيكم» وقال تقرير طبيب السجن إن سكينة بنت علي همام... دخلت السجن ووزنها 47 كيلو غراما وارتفعت إلى 53 كيلو غراما قبل التنفيذ، وأنها دخلت وهي بصحة جيدة ولم تكن تعاني من شيء إلا من جرب في أنحاء جسدها وكانت عند التنفيذ جريئة ورابطة الجأش وأن آخر عبارة فاهت بها هي: «أنا جدعة وهاتشنق محل الجدعان وقتلت 17 واستغفلت الحكومة»، ثم نطقت الشهادتين واستمر نبضها 4 دقائق وظلت معلقة لمدة نصف ساعة.
وفي حوالى الساعة التاسعة صباحا جاءوا بـ «حسب الله سعيد» وكان رابط الجأش هو الآخر لكنه علق على منطق الحكم بإعدامه قائلا: «بتقولوا قتلت 17 ... الحقيقة أنهم 15 بس... ولو عازيني أعدهم واحدة واحدة وأسميهم كمان ولو كنت عشت سنة واحدة كمان لكنت قطعت دابر العواهر، وحرمتهم يمشوا في الشوارع... دول بيستغفلوا رجالتهم ويبيعوا أعراضهم بربع ريال... تشنقونا عشان شوية عواهر؟».
وعندما دخل إلى غرفة الاعدام قال لعشماوي «شوف شغلك كويس... شد واربط زيّ ما انت عاوز كله موت» وكانت ألفاظه عن العواهر وبيع الأعراض خشنة لا تكتب وقد ظل يكررها بصوت عال حتى سقط في حفرة الإعدام، وذكر أورنيك 169 أن وزنه كان 70 كيلو غراما ارتفع إلى 72 كيلو غراما قبل التنفيذ وقد استمر نبضه لمدة 3 دقائق وظل معلقا لمدة نصف ساعة.