| د. فهد سالم الراشد* |
استكمالا لما بدأنا به في دراستنا الفائتة:
ر - ربص: التربص: الانتظار، ربص بالشيء ربصا وتربص به: انتظر به خيرا أو شرا. قال تعالى:«هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين» ( التوبة: 52 )، أي الظفر وإلا الشهادة. ونحن نتربص بكم أحد الشرين، عذابا من الله أو قتلا بأيدينا. التربص: المكث والانتظار. يقال: أقامت المرأة ربصتها في بيت زوجها وهو الوقت الذي جعل لزوجها إذا عنن عنها. المتربص: المحتكر.
* (متربص) يشيع استعمال لفظة متربص في العالم المغاربي للذي يلتحق بدورة تدريبية، تستعمل بشكل واسع في تونس والجزائر وبحكم إقامتي في الأولى وترددي على الثانية؛ فشرعت أبحث عن المعنى اللغوي لهذه الكلمة- لاسيما- أنها جاءت في القرآن بمعنيين فقد جاءت بمعنى الانتظار في قوله تعالى:«للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم» ( البقرة: 226 ). وفي قوله تعالى:«والمطلقات يتربصن بأنفسهن» (البقرة: 228)، «أي يحملن أنفسهن على الصبر والانتظار». وجاءت بمعنى الانتظار مع إضمار الشر في قوله تعالى: «الذين يتربصون بكم» (النساء: 141)، «أي ينتظرون بكم الدوائر والفرص للانتقام»، ولعل استعمالها في العالم المغاربي على المعنى الأول في القرآن الكريم هو استعمال صحيح وفي مكانه، فيتربص تطلق على من يتدرب أو يتكون والمتربص أو المتكون لا شك أنه يترقب وينتظر شهادة تتيح له فرصا للعمل بها. ما لحظته في استعمالات علماء تلمسان الأوائل فقد جاء في كتاب البستان لابن مريم في ترجمة سيدي محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبدالرحمان القرشي التلمساني الشهير بالمقري:«... قال لنا ما أراده، فكتبناه وجعلنا ندبر حيلة، وصار الشيخ ينظر في الهواء، فسبقنا بفضل ذهنه، فقال: تقولون أو نقول؟ فسألناه التربص علينا»، أي الانتظار والتمهل. وجاء في المصباح:«ربص (تربصت الأمر تربصا انتظرته، وتربصت الأمر بفلان توقعت نزوله».
ز- فف: الزفيف: سرعة المشي. قال الليحاني: الزفيف الإسراع ومقاربة الخطو. وما جاء في حديث تزويج فاطمة عليها السلام: أنه صلى الله عليه وسلم، صنع طعاما وقال لبلال: أدخل عليّ الناس زفة زفة؛ حكاه الهروي في الغريبين فقال: فوجا بعد فوج وطائفة بعد طائفة وزمرة بعد زمرة. ظليم أزف: كثير الزف، الجواهري: الزف بالكسر، صغار ريش النعام والطائر، وفي الحديث: إذا ولدت الجارية بعث الله إليها ملكا يزف البركة زفا. مما تقدم يتضح أن (زفف) فيها معنى الكثرة سواء أكان بالمشي السريع والخطوات المتلاحقة، أو الفوج والطائفة والزمرة من الناس، أو ريش صغار النعام والطائر، أو بركة الله عز وجل.
* (بالزاف) تستخدم في الجزائر والمغرب بمعنى الكثرة، وحقيقة أنا وقفت حائرا عند هذه المفردة، فهل تكتب (بزاف) من بزف ؟ أم الباء حرف جر والكلمة (زفف) وحيرتي هذه لم تأت من فراغ ولا اعتباطا؛ فمنذ فترة كنت في زيارة وديـّة لأحد الباحثين اللغويين من الجزائر وكعادتنا تجاذبنا أطراف الحديث عن اللغة العربية التي كانت دائما وأبدا محل اهتمامه فلفت نظري إلى كلمة (بالزاف) التي تستخدم في الجزائر وأيضا في المغرب وتعني كثيرا، وقال إنها جاءت من الكلمة العربية الفصيحة (جزاف)، فقلت في نفسي ولم لا فعادة كلمة جزاف تصاحب التهم؛ فنقول «لا ترم التهم جزافا» وأظن أن جزافا أي بلا دليل وما دامت بلا دليل فطبيعي جدا تكثر التهم. ولكنني لم أكن مطمئنا لما ذهبت إليه، لأن ذلك يستوجب قلب الباء جيما وهذا القلب لم أجده باللغة العربية على حد علمي، لذلك أرى أنها الأقرب إلى المعنى الذي جاء به المعجم. ونحن في الكويت نقول (وايد) ولعلها مأخوذة من (واجد) وقلبت الجيم ياء وهذا القلب موجود في لغة بني تميم. وفي اللهجة المصرية والسودانية (كتير) بقلب الثاء تاء. غير ان مصر تكسر الكاف وأهل السودان يفتحون الكاف، وفي العراق يقولون عن الكثرة (هوايه).
ق – قرأ (نقرا): قرأ القرآن التنزيل، وسمي قرآنا لأنه يجمع السور، فيضمها، وقوله تعالى: «إن علينا جمعه وقرآنه» (القيامة: 16)، أي جمعه وقراءته، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. أي قراءته، قال ابن عباس رضي الله عنهما«فإذا بيناه لك بالقراءة، فاعمل بما بيناه لك. وعن الإمام الشافعي: كان يقول: القرآن اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت، ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل، ويهمز قرأت ولا يهمز القرآن كما تقول إذا قرأت القران. وقال أبوعمر بن العلاء» لا يهمز القرآن. وصحيفة مقروءة لا يجيز الكسائي والفراء غير ذلك، وهو القياس، وحكى أبوزيد: صحيفة مقرية، وهو نادر إلا في لغة من قال قريت. وقد تحذف الهمزة منه تخفيفا: فيقال: قران، وقريت، وقار، وقال بعضهم: قرأت: تفقهت.
* (نقرا) و (يقري) و (قريت) كلها في اللهجة الجزائرية والتونسية بمعنى (ندرس) و (يدرس) و(درست) والقراية هي الدراسة، وهي على المعنى الصحيح للقراءة وليس للاطلاع فهناك فرق كبير بين من يقرأ ومن يطلع، القراء تحتاج إلى تدبر وعمل لذلك قال الله عز وجل: «اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم» (العلق: 1و2و3و4)، وكل ما جاء في الآية الكريمة عن القراءة جاء فيه تدبر ودرس وعمل.
* وفي مصر يقول (إيه دا) بمعنى: ما هذا ؟ بصيغة السؤال، و(دا) هي اسم الإشارة (هذا)، ومعروف لدينا أن الهاء ليست من اسم الإشارة إنما هي حرف للتنبيه مبني على الفتح لا محل لها من الإعراب، واسم الإشارة هو (ذا)، وقلبت الذال إلى دال، وفي الجزائر البعض يقول (هكدا) أي (هكذا) وفي السعودية يقولون (داحين) أي (ذا الحين)، وهذا وارد في القرآن الكريم في قوله تعالى: «وادكر بعد أمة» سورة يوسف، آية 45. أي تذكر بعد فترة من الزمن، وأيضا في قوله تعالى: «فهل من مدكر»، سورة القمر آية 15و17و22و32و40و51. أي فهل من متعظ متذكر، ويرى بعض القراء أن القراءة في الأصل هي (مذدكر) وأيا كانت فإن حرف الدال أخذ حرف الذال والتفسير واحد لم يتغير.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]