النفخ في الصور

1 يناير 1970 06:02 م
| بقلم أبو القاسم الديباجي | من الأمور والشواهد الكبرى المرتبطة بالمعاد هي مسألة النفخ في الصور، والصور كما تبين ذلك جملة من الروايات والأخبار قرن له طرفان، يقال ان أحدهما في المشرق، والآخر في المغرب، سينفخ فيه عند حلول الوقت واحد من الملائكة المقربين، وهو اسرافيل.
وهناك جملة واسعة من الآيات المباركة الكريمة أشارت الى ذلك الأمر، فمن ذلك قوله تعالى في سورة الكهف: «فإذا جاء وعد ربي جعله دكاءً وكان وعد ربي حقاً، وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونُفخ في الصور فجمعناهم جمعاً» (98-99)، وكذا قوله تبارك شأنه في سورة الزمر: «ونُفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض الا من شاء الله ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون» (68)، وقوله عز من قائل أيضاً في سورة النمل: «ويوم يُنفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض الا من شاء الله وكل آتوه داخرين» (87)، وغير ذلك مما يشير الى هذه النفخة وما يرتبط بها.
إن الحديث والاشارة الى هذا الأمر يستدعي بالقارئ التوقف عند بعض التساؤلات، وهي:
1 - ما تلك النفخة في الصور؟
2 - من هو ذلك النافخ في الصور، وما الصوت المنبعث منه المؤدي الى موت البشرية ثم بعثها مرة أخرى للحساب؟
3 - كم هي عدد النفخات في الصور، وما هي أوقاتها؟
وأما بالنسبة الى التساؤل الأول اشتهر عند الناس أن الصور هو ما يمثل البوق الذي ينفخ فيه فيصدر صوتاً معيناً يعتمده المحاربون، أو رجال العسكر، والجيوش من أجل التوقف أو الحركة، كما تعتمده القوافل أو الجماعات المختلفة بمثل هذا الأمر، وهو على الشكل الذي ذكرناه في مطلع حديثنا أو عنه.
والتأمل في الآيات القرآنية المباركة يظهر ان هذه النفخة من الصور ستكون الصوت الذي سيؤدي في المرة الأولى الى موت الخلق جميعاً الا من يشاء الله تعالى، حين تشكّل الثانية انبعاث جميع الخلق من القبور للوقوف للحساب والمساءلة، قال تعالى في سورة الزمر: «ونُفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض الا من شاء الله ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون» (68).
وفي وصف هذا الصور يُروى عن الامام السجاد عليه السلام قوله: ان الصور قرن عظيم له رأس واحد وطرفان، وبين الطرف الأسفل الذي يلي الأرض الى الطرف الأعلى الذي يلي السماء مثل ما بين تخوم الأرضين السابعة الى فوق السماء السابعة، فيه أثقاب بعدد أرواح الخلائق، وسع فمه ما بين السماء والأرض.
2 - من هو ذلك النافخ في الصور، وما الصوت المنبعث منه المؤدي الى موت البشرية ثم بعثها مرة أخرى للحساب؟ تحدد الروايات المنقولة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أن النافخ في الصور هو واحد من الملائكة المقربين، والمدعو بإسرافيل. وهذا الملك الكريم يتحدث عنه ويصفه لرسول الله صلى الله عليه وآله ملك كريم آخر هو جبرائيل، حيث يقول: إن هذا حاجب الرب، وأقرب خلق الله تعالى منه، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه، ثم ألقى الينا نسعى به في السموات والأرض، إنه لأدنى خلق الرحمن منه... واني لأقرب الخلق منه، وبيني وبينه مسيرة ألف عام.
نعم، فأي ملك عظيم هذا الذي تناط به هذه المسؤولية الكبرى، وهذا العمل الجسيم، لينفخ في صور عظيم يصدر صوتاً مخيفاً موحشاً يؤدي الى موت الخلق في السموات والأرض، ثم ينفخ فيه تارة أخرى لترى جميع الخلق أحياء، ينسلون من كل حدب وصوب، من القبور ومن غيرها. يصف أمير المؤمنين علي عليه السلام النفخة الأولى بقوله: وينفخ في الصور فتزهق كل مهجة، وتبكم كل لهجة، وتذل الشم الشوامخ، والصم الرواسخ، فيصير صلدها سراباً رقرقاً، ومعهدها قاعاً سملقاً.
أما ما يخطر في مخيلة المرء وهو يتأمل في ذلك هو ما هو ذلك الصوت المؤدي الى وقوع هذا الموت، وما كيفيته؟ ونحن هنا لا نستطيع أن نجزم بحقيقة الحال، لأن تقدير ذلك وعلمه عند الله تعالى، وهو القادر على كل شيء، بيد أن لماهية الصوت وتأثيره على الخلق، وما يتصل بذلك تفسيرات معينة، تندرج تحت ما يُعرف بالتردد الصوتي والذبذبات الصوتية، لأن أصناف المخلوقات تختلف مثلاً في بعض جهاتها السمعية، ومقدار ما يمكنها أن تسمعه من حيث الحد الادنى والاعلى لتلك الترددات والأمواح الصوتية الخاصة بها. فأذن الإنسان مثلاً تكون في حالة استعداد لتلقي الترددات او الامواج الصوتية التي تنحصر شدتها ما بين عشرين درجة في الثانية، وعشرين ألفاً فيها، والزيادة والنقصان يخرجان عن مجال التحسس السمعي له، هذا خلاف الخفاش مثلاً والذي تكون قدرته على السمع أشد وأعمق، لأنها تصل الى 145000 درجة من التردد.
ومن هنا، فإن الأصوات الشديدة والعالية تشكل عند تجاوزها للحد السمعي للإنسان - مثلاً حالة غير محتملة، كالانفجارات الرهيبة، فتصيبه بالذهول، بل وقد تؤدي الى اصابته بصدمة شديدة تصيبه بالذهول وفقدان الوعي، بل والى موته اذا ازدادت حدتها، وتصاعدت وتيرتها.
ومن هنا فلا غرابة في ان يكون الصوت المنبعث من الصور الذي سينفخ فيه اسرافيل هو السبب في موت البشرية، لا سيما وهو بهذا الحجم، وهذه القدرة العظيمة. بيد ان الأمر برمته يعود الى قدرة الله تعالى وحكمته، بل وكيفية تقديره لموت الخلائق وبعثها من جديد.
3 - كم عدد النفخات في الصور، وما أوقاتها؟ التأمل في جملة من الآيات المباركة الكريمة المتعرضة لهذا الأمر يظهر بأن هناك أربع نفخات في الصور ستكون في وقتها، وتشير الى خصوصيات معينة، والتي هي: نفخة الفزع، نفخة الصعق، نفخة الحياة، نفخة الحشر. وأما نفخة الفزع فهي النفخة التي تبعث الرعب والخوف في الناس. قال تعالى في سورة النمل: «ويوم يُنفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض» (87). وأما نفخة الصعق فهي النفخة التي ستؤدي الى موت الخلائق، لأنها تصعقهم، ولا تبقى لهم باقية. قال تعالى في سورة الزمر: «ونُفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض» (68)، ونفخة الحياة هي النفخة التي ستعيد الحياة الى الجميع بعد أن طواها الموت، نعم، إنها العودة الثانية الى الحياة بعد الموت. قال سبحانه وتعالى في سورة الزمر: «ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون» (68).
إن الخلاصة المجتمعة من خلال كل هذا تقضي الى القول بأن هناك نفختين هما:
1 - نفخة الموت التي يتقدمها الخوف والرهبة.
2 - نفخة الحياة المؤدية الى بعث جميع الموتى وتجمعهم للحشر والمساءلة. ثم إن النفختين التاليتين اللتين ذكرناهما ملحقتان بهاتين الاثنين كما هو واضح. وأما ما يتصل بوقت حدوث النفختين - الأولى والثانية - فإن الآيات والروايات تشير الى ان النفخة الأولى ستكون في نهاية العالم وبداية القيامة، وأما الثانية فتكون إبان الشروع في الحساب يوم القيامة.
الامين العام للهيئة العالمية للفقه الاسلامي