وزير الخارجية العراقي زار بيروت بعد استفزازه السعودية في القاهرة

لبنان الحريص على حماية «رئته» العربية - الخليجية غير قادر على تعديل أجندة «حزب الله» الإقليمية

1 يناير 1970 09:25 ص
رغم نجاح الحكومة اللبنانية في إطلاق مسارٍ قيد الاختبار لتفكيك لغم أزمة النفايات الذي كاد ان يهدّد بانفجار الحكومة عيْنها، فإن البلاد تستمرّ بالرقص فوق حبلٍ مشدودٍ من أزماتٍ بالغة الخطر، أوّله يتّصل بالفوضى السياسية العارمة في الداخل الذي شهد خلط أوراق لم ينجُ من شظاياه معسكرا «8 و14 آذار»، ومن ضحاياه العجز عن انتخاب رئيسٍ للجمهورية منذ نحو عامين، وآخره يرتبط بالأزمة المستجدّة وغير المسبوقة بين لبنان وحاضنته العربية - الخليجية والناجمة عن الأدوار العسكرية والأمنية التي يلعبها «حزب الله» في المنطقة ومن خلف ظهر الدولة اللبنانية وإرادتها.

وبدا، بعد مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي صنّف أول من أمس «حزب الله» منظمة إرهابية، ان الموقف العربي - الخليجي سيمضي قدماً في تضييق الخناق على الحزب على قاعدة ان «الكيل طفح» من سلوكه العسكري والأمني ضدّ دول المنطقة وشعوبها كـ «رأس حربةٍ» للمشروع الإيراني، الأمر الذي يضيّق هامش المناورة أمام لبنان الرسمي، الراغب في المحافظة على رئته العربية - الخليجية وغير القادر على التأثير على أجندة «حزب الله» الإقليمية، ما سيجعل الحكومة الائتلافية في «ورطة دائمة» رغم المساعي المحدودة لرئيسها تمام سلام.

ولم يكن أدلّ على هذه «الورطة» من بيان التحفظ عن قرار الجامعة العربية الذي أدلى به وزير الخارجية جبران باسيل وقال فيه «ان لبنان تحفظ عن ذكر حزب الله ووصْفه بالإرهابي لأن هذا الأمر غير متوافق مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب وهو غير مصنّف في الأمم المتحدة، وحزب الله حزب لبناني لديه تمثيل واسع، وهو مكوّن أساسي في لبنان ويحظى بكتلة نيابية ووزارية وازنة في مؤسساته الدستورية».

فوزير الخارجية اللبناني الذي كان تعرّض لحملة قاسية تسبّبت بإعلان المملكة العربية السعودية «مراجعة شاملة» لعلاقتها مع لبنان ووقف هبات بقيمة 4 مليارات دولار للمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، رداً على نأي باسيل سابقاً بالموقف اللبناني عن إدانة حرق السفارة السعودية في إيران، تعرّض أمس أيضاً لإطلاق نار سياسية من وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» رأت في موقفه في القاهرة «خجولاً ومعيباً» (...) وكأنه يكفر عن ذنوبه السابقة ويحفظ موقعه المستقبلي. علماً ان موقف وزير الخارجية سجّل تطوراً مهماً عن سلوكه في اجتماع وزراء الخارجية السابق واجتماع المؤتمر الاسلامي، اذ اعتمد امس، المسار نفسه الذي اتبعه وزير الداخلية نهاد المشنوق في اجتماع وزراء الداخلية العرب حيث انه وافق على مقررات الجامعة العربية لجهة البنود المتعلقة بإدانة الاعتداءات على بعثات السعودية في إيران ورفضه أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

وفيما استوقف دوائر سياسية في بيروت نأي وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي للمرة الاولى عن البند«الدائم»المتعلق بـ«التضامن مع لبنان»الامر الذي اعتُبر«معاملة بالمثل»بعد نأي لبنان بنفسه عن قرار الجامعة السابق المتعلق بإدانة الاعتداءات على البعثتين السعوديتين في طهران ومشهد، كان الأبرز امس، الكشف ان وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري زار بيروت ليل الجمعة قادماً من القاهرة قبل ان يغادر امس الى بغداد، الأمر الذي اعتُبر«رسالة استفزاز»ايرانية للسعودية عبر بوابة لبنان لا سيما بعدما شهد الاجتماع الوزاري العربي احتداماً بين العراق والمملكة التي انسحب وفدها لبعض الوقت احتجاجاً على خطاب الجعفري الذي رفض وصف«حزب الله»بـ«الإرهابي».

وإذ لم يُسجّل أي رد علني من«حزب الله»على قرار الجامعة العربية بتصنيفه إرهابياً، وسط ايحاءات بأن الحزب يتعاطى مع الموقف العربي - الخليجي المناهض له على قاعدة انه«لن يقدّم او يؤخّر»، في إشارة الى انه - أي«حزب الله»- لم يكن في أيّ يوم يقيم وزناً للموقف الرسمي العربي الذي لا يعدو كونه بالنسبة اليه«علاقات عامة»لا يمكن التعويل عليه.

إلا ان أوساطاً مهتمّة رأت ان تَعاظُم التشدد العربي - الخليجي في وصْف«حزب الله»بالمنظمة الإرهابية وتَدَحْرُج هذا الموقف على نطاقٍ واسع قد يكون الهدف منه ممارسة المزيد من الضغط المتصل بالأزمة السورية من بوابة مساواة«حزب الله»بـ«داعش»و«النصرة»على لوائح الإرهاب الدولية في المرحلة التي يتمّ فيها الإعداد لمفاوضات الحكم الانتقالي، وخصوصاً في ضوء الدور العسكري الذي يضطلع به«حزب الله»الى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

ومن الصعب، تحت وطأة هذا التشنج الأول على هذا المستوى في علاقة لبنان بالنظام الإقليمي العربي، التكهن بما ستؤول إليه الوقائع السياسية الداخلية، رغم الطابع التهْدوي الذي يمارسه زعيم«تيار المستقبل»الرئيس سعد الحريري في مقاربة العلاقة مع«حزب الله»تفادياً لانفجار الاحتقان الناجم عن أدوار الحزب في المنطقة وتعطيله الإستحقاق الرئاسي في لبنان.

ويتكئ الحريري في مداراته لحقل الألغام الداخلي على دور الإطفائي الذي يمارسه شريك«حزب الله»في«الثنائية الشيعية»رئيس البرلمان نبيه بري، الذي ضغط في إتجاه ابقاء»شعرة«الحوار قائمة بين«تيار المستقبل»و«حزب الله»من جهة، وإطلاق رسائل إيجابية من جهة أخرى في اتجاه السعودية ودول الخليج من شأنها المساعدة على إحتواء الإرتدادات القاسية للأزمة القائمة الناجمة عن تصنيف«حزب الله»منظمة إرهابية.

وسط هذا المناخ، وفيما شخصت الأنظار على اللقاء الذي عُقد امس، في قصر الاليزيه بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والنائب وليد جنبلاط، يخضع الإستحقاق الرئاسي لمعاينة دقيقة مع العدّ التنازلي للجلسة الـ 37 لانتخاب رئيس جديد، المقررة في 23 الجاري، بعد توقُّع الحريري، وقبله رئيس حزب«القوات اللبنانية»سمير جعجع بأن يزهّر إبريل المقبل رئيساً جديداً للبنان، أي عشية الذكرى السنوية الثانية للفراغ الذي بدأ سريانه في 25 مايو 2014.

ويشهد لبنان غداً، حدَثاً هو الاول من نوعه منذ 11 عاماً حيث تغيب قوى تحالف«14 آذار»عن إحياء ذكرى«ثورة الأرز»التي أنهت الوصاية السورية على لبنان لتقتصر المناسبة على مؤتمر صحافي لمنسق الامانة لهذه القوى فارس سعيْد، وذلك كواحدة من ارتدادات الخلاف الكبير بين قطبيْ هذا التحالف اي الحريري وجعجع حول الانتخابات الرئاسية والذي تجلي بدعم الاول لفرنجية والثاني للعماد ميشال عون الذي يطلّ اليوم ايضاً في ذكرى«حرب التحرير»التي اعلنها على سورية العام 1989 وسط توقعات بأن يصعّد موقفه رداً على تمسك زعيم«المستقبل»بمرشّحه وشعور عون بأن حظوظ منافسه أكبر وبأن مركب الرئاسة يبتعد عنه من دون ان يتضح السقف الذي سيعتمده تعبيراً عن رفضه«الإخلال بالميثاقية».