عملية عسكرية استباقية للجيش ضد موقع لـ «داعش» في جرود بعلبك
لبنان يتكئ على مؤازرة واشنطن وباريس لتصويب علاقاته الخليجية والعربية
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
07:20 ص
سفير الكويت: دول الخليج قاطبة تحرص على أمن واستقرار لبنان
لم تكن العملية العسكرية التي نفذها الجيش اللبناني فجر امس، في جرود منطقة رأس بعلبك (على الحدود الشرقية مع سورية) ضد جماعات «داعش»، المتحصنة في تلة رافق المشرفة على مواقع عسكرية متقدمة، سوى انعكاس لواقع لبنان المحاصر بلحظة اقليمية شديدة التوتر، وهو يجد نفسه عرضة لمفاجآت تارة ديبلوماسية وسياسية وطوراً ميدانية وأمنية.
اذ ان اوساطاً سياسية عدة ذهبت الى ربط هذا التطور المفاجئ بالانتقادات السعودية التي ترددت على نطاق واسع للجيش اللبناني اخيراً عقب توقيف المملكة هبة الأسلحة الفرنسية له، ومن ثم صعود انتقادات علنية للجيش في موضوع العلاقة مع «حزب الله» وكذلك في موضوع اطلاق المحكمة العسكرية الوزير السابق ميشال سماحة وهو ما كرره قبل يومين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
إلا ان مصادر معنية بمجريات الامور الميدانية التي حصلت، امس، سخرت من المنطق السياسي الذي ذهب في اتجاه الحديث عن توقيت مقصود لعملية الجيش في رأس بعلبك وقالت لـ «الراي» ان «هذا الربط ينم إما عن جهل في معرفة المعطيات الميدانية أو عن اتجاه مقصود لتوظيف سياسي مزعوم في اتجاهات معينة، في حين ان لا علاقة اطلاقاً للوقائع الميدانية بكل هذه الاجتهادات».
ذلك ان ما حصل يتصل فقط بالواقع الميداني الذي رصد معه الجيش منذ ايام عدة تحركات لـ «داعش» في جرود رأس بعلبك وبدأ الاستعداد لمواجهتها في شكل حاسم، ولم يكن ممكناً ترك تلة رافق الاستراتيجية تحت سيطرة التنظيم لانها تشكل خطراً محدقاً بالمواقع العسكرية المتقدمة ولذا كان الهجوم الاستباقي للجيش على التلة والذي أفضى الى إيقاع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف مسلحي «داعش» وطردهم من التلة، فيما قتل الجندي في الجيش اللبناني محمد السبسبي، اضافة الى سقوط 8 جرحى في صفوفه.
وسط هذه الاجواء الامنية التي خرقت المشهد السياسي اللبناني لا يبدو لبنان الحكومي والرسمي مرتاحاً على الإطلاق حيال تطورات مشكلة علاقات لبنان مع دول الخليج الناجمة عن الادوار العسكرية والامنية لـ«حزب الله» في المنطقة. وذلك رغم كل المحاولات المتواصلة والحثيثة التي يبذلها رئيس الحكومة تمام سلام لاعادة تطبيع العلاقات وازالة شوائبها مع الدول الخليجية. واذ اتجهت الأنظار، امس، الى مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة بدا واضحاً ان الجانب اللبناني الرسمي كان يتهيب التجربة الجديدة ويأمل في الوقت نفسه ان تبرز معطيات تخفف الاندفاعة نحو إحراجه في حال استمر منحى التشدد في شأن تصنيف «حزب الله» منظمة ارهابية من خلال موقف عربي جامع.
وتشير معطيات بعض المطلعين في هذا المجال الى تعويل على مساع لبعض الدول العربية ولا سيما منها مصر للخروج بصيغة لا تحرج لبنان وتشق الطريق نحو تسوية معقولة بين الموقف الخليجي المتشدد والواقع اللبناني الصعب الذي بدأت معه قدرة الحكومة ورئيسها على الصمود تتراجع في شكل خطير وجدي تحت وطأة الازمات الداخلية والخارجية مما يتطلب تبصراً في الخطوات المقبلة. ذلك ان جهات عربية ودولية عدة من بينها واشنطن وباريس كما بات معروفاً تعمل على تجنب حصول هزة كبيرة في الواقع اللبناني لئلا يتأثر استقراره في شكل جدي جراء ضغوط لا يتحملها، وهو الامر الذي يبدو ان حواراً جاداً في شأنه فتح بين واشنطن وباريس مع الرياض.
غير ان الجانب اللبناني الرسمي ادرك ان الهامش بات ضيقاً في محاولته ثني الدول العربية والخليجية عن المضي قدماً في اجراءاتها بحق «حزب الله» بعدما خلصت تلك الدول الى اقتناع بان لبنان اصبح يحكم من «حزب الله» الذي يسيطر على قراره السياسي، وهو الامر الذي اسفر عن حقائق جديدة، خصوصاً ان «حزب الله» يمضي قدماً في حملاته على دول الخليج، لا سيما السعودية، ما حرم الحكومة اللبنانية اي فرصة لتهدئة الاجواء واظهار نفسها قادرة على تقديم تعهدات، اقلها سياسية للحد من التوتر مع الدول العربية والخليجية.
ورغم هذا الواقع الداكن يمضي الرئيس سلام في محاولة لاحتواء هذا التوتر، وهو التقى، اول من امس، سفراء دول مجلس التعاون الخليجي المعتمدين في بيروت.
وكان لافتاً اعلان سفير الكويت عبد العال القناعي بعد اللقاء ان «البحث تناول مستجدات العلاقات اللبنانية - الخليجية»، مشيراً الى ان «الرئيس سلام حملنا رسالة الى دولنا سننقلها بكل امانة وصدق»، مؤكداً «حرص دول الخليج قاطبة على امن واستقرار لبنان، دولة ومؤسسات، وعلى الاستمرار في تعزيز هذه العلاقات انطلاقاً من حرص الرئيس سلام على اطيب العلاقات مع دول الخليج، وتأكيده على ازالة اي لبس او شوائب تعيق تقدم تلك العلاقات».
وكشف القناعي ان «الرئيس سلام تطرق الى مصالح لبنان واللبنانيين في دول الخليج ومصالح الخليجيين في لبنان»، مشيراً الى «المعاملة الطيبة من الجانبين، وهم اولاً واخيراً اشقاء، وان العلاقة لن تتأثر بأي شيء».