اجتهادات

أحيانا... الجهل نعمة !

1 يناير 1970 12:07 ص
بعد نهاية كل أسبوع مليء بالعمل، وما نعانيه كموظفين في القطاع الخاص من إرهاق جسدي ونفسي، أجد نفسي سعيدا في قضاء هذه العطلة القصيرة جدا جدا بالقراءة ومشاهدة التلفاز وكتابة المقال الأسبوعي والجلوس في المقاهي، وفوق كل هذا وذاك، عدم الاهتمام بالهاتف النقال والأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وهي عادة جميلة، بالنسبة الي على الأقل، جبلت عليها منذ انضمامي للقطاع الخاص.

قصة قصيرة وجميلة قرأتها خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، جمعت بين شيخ دين ومحام وعالم فيزيائي حكم عليهم بالإعدام، وعندما جاء موعد تنفيذ الحكم، سألوهم جميعا إن كانت لديهم كلمة أخيرة أو وصية، قبل إعدامهم. بدأت الحكاية مع شيخ الدين، فقال إن الله وحده هو من سينقذني من هذا الحكم ولم ينطق بأي كلمة بعدها، فما كان بعد ذلك إلا أن أنزلوا عليه المقصلة - وهي آلة حادة كانوا يقطعون بها رقاب المجرمين المحكوم عليهم بالقتل شاع استخدامها إبان الثورة الفرنسية عام 1789 - إلا أنها توقفت عند رأس شيخ الدين قبل أن تقطعه فأمروا أن يلغوا حكم الإعدام عليه، لأن الله قال كلمته، ولا كلمة لمعبود بعده.

جاء بعدها الدور على المحامي، فقال قبل أن يعدم، إن العدالة وحدها هي من ستنقذني وتوقفت كذلك المقصلة قبل أن تقطع رأسه، وأمروا نتيجة لذلك بأن يوقفوا تنفيذ حكم الإعدام لأن العدالة هي الأخرى، قالت كلمتها.

أخيرا، جاء الدور على عالم الفيزياء، فقال أنا لا أعرف الله كشيخ الدين، ولا أعرف العدالة كالمحامي، لكن كل ما أعرفه أن هذه المقصلة بها عقدة منعتها من أن تقطع رأس كل من شيخ الدين والمحامي! ونتيجة لذلك نفذ بحقه حكم الإعدام ولم ينج. عندها خطر ببالي بيت الشعر الشهير لأحد مفاخر الشعر العربي أبو الطيب المتنبي يقول فيه: ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله... وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم.

فأحيانا يكون الجهل بالفعل نعمة !

وتذكرت كذلك حينها قصة رواها لي أحد الأشخاص، فقال لي إنه أصيب هو وصديقه بمرض مشابه بنوعه ومرحلة تقدمه ولم يكن هو يعلم بماهية المرض ومدى خطورته لأن أهله منعوا عنه ذلك عن قصد، بينما كان صديقه يعلم تماما ما به وما هي عواقب هذا المرض وتبعات علاجه. ذهب هو وصديقة للعلاج في الخارج في آن واحد في إحدى الدول المتقدمة طبيا، كل على حدة وتلقى كلاهما العلاج، شفي هو بينما توفي صديقه مع العلم بأنهما تلقيا العلاج نفسه.

ويقول: «صعقت عندما عرفت ما كان بي من مرض بعد ما استكملت رحلة علاجي الطويلة، ولولا جهلي بمرضي لعانيت الأمرين أثناء فترة علاجي من الناحية النفسية (والتي تعد أحيانا نصف العلاج) ولما شفيت بفضل الله وكرمه، تيقنت أن الجهل احيانا قد يكون نعمة».

سبحان الله، أحيانا الجهل نعمة، وأكبر دليل على ذلك جهل الغيب، فجهل الغيب من نعم الله الكثيرة التي كرم بها الإنسان، هي نعمة تجعلنا دائما متعلقين بالله وبذكره وبالتقرب إليه وبأداء الفرائض والنوافل، نتوكل عليه وندعوه ونعبده لأننا بكل بساطة، لا نعلم عواقب أمورنا. نعم، فالجهل أحيانا نعمة !

Email: [email protected]