على أبواب عشماوي
إعدام ... من واجهوا الفكر بخنجر / 8
1 يناير 1970
04:42 م
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
هل تستيقظ الضمائر؟... هل تقترب أبواب التوبة؟... أم أنها الصدمة فقط وحدها... هي التي يمكن أن توقظ الضمائر... أم أنه حبل المشنقة... هو الذي يأخذ المذنب... إلى طريق مختلف... يحاول من خلاله أن يؤكد ندمه على ما فعله؟
أسئلة كثيرة... نطرحها... ونحن نبحث في أمر الدقائق الأخيرة... في حياة القتلة والسفاحين والإرهابيين والخونة... كيف تكون هذه الدقائق... قبل الاقتراب من حبل عشماوي «منفذ عملية الإعدام»!
هل تتبدل أحاسيس... من قتلت زوجها... أو من قتل ولده... أو من خان بلده... أو من كمنت لأبناء جيرانها... أو من اصطادوا الضحايا تباعا وشربوا من دمائهم؟
وإذا بالفعل تبدلت... هل هو الخوف... أم أنه القناعة بالتوبة... قبل مغادرة الحياة... والندم على الأفعال والجرائم... بعد فوات الأوان!
وهل يمكن أن تنفعنا دموع عاشقة قتلت زوجها لتخلو لها الحياة مع «عاشق»... أو من أباح دماء سياح وفجر باصا يقلهم... أو من قدم لعدو معلومات عن بلده؟
القتلة والخونة... قد يذرفون الدمع أنهارا... وقد يطلبون التوبة والصفح والعفو... ولكنهم قتلة... لابد من عقابهم... وحبل المشنقة في انتظارهم... ولعل مشهد إعدام طاغية العراق «صدام حسين»... كان من أشهر هذه المشاهد.
«الراي»... بحثت كثيرا في أوراق قديمة وحديثة... عن أيام... أو ساعات أو حتى دقائق ما قبل الإعدام... ووجدت فيها الكثير من المواقف والحكايات... وعبارات الندم... ورايات سوداء ترفع... وقمصان حمراء تلبس... وشرود ذهني... وذكريات أليمة تجتر... وأيضا وجدت فيها «الإنقاذ»... أو نزول عدالة السماء عن «متهم... ليس متهما»... وفي السطور التالية الكثير:
لم يكن يعتقد الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ... عندما كتب روايته «أولاد حارتنا»... أنها ستتسبب له في يوم من الأيام... في محاولة اغتيال، فعندما نشرت الرواية في فترة الستينات وقرأها شيخ الأزهر «آنذاك»... اعتبر أنها تمس الدين والعقيدة الإسلامية فاعترضوا عليها كثيرا، ما دفع بالرئيس جمال عبدالناصر أن يطلب من نجيب محفوظ أن يمتنع عن نشر هذه الرواية في الأهرام... وقد حدث ذلك.
لكن الغريب أنه وفي بداية التسعينات قرر مجموعة من الشباب قتل الأديب نجيب محفوظ على كتابته لرواية «أولاد حارتنا»، وأصدروا حكمهم دونما أن يقرأوا هذه الرواية... لكن محاولتهم لاغتيال الأديب نجيب محفوظ باءت بالفشل، وتم القبض عليهم واقتيادهم إلى المحكمة العسكرية التي أصدرت حكمها على من قاموا بتنفيذ هذا الاعتداء ضد الأديب نجيب محفوظ بالإعدام شنقا.
محمد والمحلاوي وعمرو حسين .. هؤلاء هم المتهمون في الشروع في قتل الأديب المصري نجيب محفوظ، بالإضافة لضرب سينما هليوبوليس، هؤلاء الشباب كانوا ينتمون إلى إحدى الجماعات الإرهابية.
وقامت نيابة أمن الدولة العليا بالتحقيق معهم في ضرب السينما ومحاولة الشروع في قتل نجيب محفوظ.
تخطيط لعملية
وقد ذكر المتهم حسين أنهم قد وافقوا بالقيام بهذه العمليات، فقد قاموا بالتخطيط لهذه العمليات وهم في منطقة عين شمس في إحدى الشقق التي كانوا يتخذونها كمكان للتدبير لأعمالهم الإرهابية، لكنهم لم ينفذوا هذه المحاولات على الفور لأنهم تركوا شقة عين شمس «شرق القاهرة» إلى شقة أخرى قام المتهم مصطفى بتدبيرها لهم، وكانت في مسطرد... حيث قام البوليس بمداهمة شقة عين شمس وتم العثور على الرسم التخطيطي الذي رسمه مصطفى... لتنفيذ تلك العمليات، وعقب ذلك تم القبض على مصطفى نفسه.
ويقول المتهم حسين عن محاولتهم الإرهابية لضرب سينما هليوبوليس... إنه أخبر مصطفى أن هناك تكليفا من الجماعة بضرب سينما هليوبوليس، وهنا طلب مصطفى... من حسين شراء لوحة، وبالفعل قام المتهم حسين بشرائها، وقام مصطفى بعمل رسم كروكي للسينما، وأخبر حسين أنه سيقوم بتفجير السينما بالمتفجرات... لكنه لم يحدد دور كل شخص من الجماعة، وقد اختاروا سينما هليوبوليس في هذه الفترة، خاصة لأنه كان يعرض في هذه السينما آنذاك فيلم «الإرهابي».
متفجرات ومفرقعات
الجماعة - حسبما ذكر حسين في ملفات نيابة أمن الدولة - حصلت على المتفجرات والمفرقعات فقد كان لدى مصطفى «بارود أسود»، ومادة شديدة الانفجار، وكان لديهم علبتان لمقذوفات تخص مدفع «آر.بي.جي» لكن تم القبض على مصطفى، كان مصطفى وحسين وغيرهما ممن اشتركوا في هذه العمليات الإرهابية متهمين بالانضمام إلى جماعة سرية غير مشروعة الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة الدستورية من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحريات الشخصية والسلام الاجتماعي.
وكان الإرهاب من الوسائل التي تستخدم في تحقيق هذا الغرض، ومتهمين أيضا بالاشتراك في الشروع في قتل نجيب محفوظ عمدا مع سبق الإصرار والترصد، وحيازة أسلحة نارية وذخائر ومفرقعات بغرض استخدامها في نشاط يخل بالأمن والنظام، وقام المتهمون بالتزوير في أوراق رسمية «بطاقات شخصية مزورة».
محفوظ... يتكلم
وتحدث نجيب محفوظ في اعترافاته عن روايته «أولاد حارتنا» التي كانت السبب في محاولة اغتياله، وقد ذكرها للكاتب الصحافي «محمود فوزي» وقال: عندما نشرت هذ الرواية في حلقات مسلسلة في جريدة «الأهرام» اعترض عليها الأزهر بشدة، وهاجمها الشيوخ، ثم فوجئت بالمرحوم صبري الخولي يزورني ويقول لي:«إن الرئيس جمال عبدالناصر بيقول لك أوقف نشر هذه الرواية».
وأكد نجيب محفوظ أن هذه الأمور كانت طبيعية في ذلك الوقت في فترة الستينات... فمن الطبيعي أن يحدث منع أو مصادرة لكتاب... ولم يكن الأمر وقتها يسمح بالاعتراض، وما حدث أن شيخ الأزهر قرأ الرواية بعين رجل الدين وليس بعين الأدباء والنقاد فاعتقدوا أنها تمس الدين، فأرسلوا شكاوى وعرائض إلى جمال عبدالناصر الذي اهتم بالموضوع.
والحقيقة... أنهم لم يقرأوا الرواية فـ «أولاد حارتنا» ليست نصا دينيا ولكنها عمل أدبي، فالحقيقة أن أصل المشكلة أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة هذه الرواية، ومن قرأها... قرأها على أنها نص ديني وليس عملا أدبيا، ومع ذلك - حسب تأكيدات نجيب محفوظ - كان للرواية مدافعون ومهاجمون أشداء وأحببت أن أترك الفكر يبارز الفكر، وأن يناقش أحد فيما جاء في هذه الرواية، ولكن لم يحدث ذلك، وما داموا قد اعتقدوا أن هذا الكلام يتعارض والعقيدة الإسلامية فلماذا لم يناقشوني... لا أحد يرفض مناقشة الأفكار، هذا فضلا عن أن الرواية ليس لها تاريخ ولا يمكن فك رموزها بهذه المعاني الدينية مطلقا.
ويدافع نجيب محفوظ عن روايته... حيث قال عنها:«أنا لم أخاطب في «أولاد حارتنا»... سوى أبناء الحارة فقط، والحارة استخدمتها كرمز لمصر والعالم، ولا أعني بها أي رمز ديني مطلقا، لقد أردت من خلال الرواية أن أنقل فكرة أن الرجل العادي يستطيع أن يقدم لمجتمعه بالقدوة ما قدمه الأنبياء للدنيا كلها، فهؤلاء بصبرهم وجهادهم نحو الإصلاح، يذكروننا بجهاد الرسل والأنبياء، ولم أحاول أن أتعرض مطلقا بالتجريح أو المساس بأي رموز دينية، فرواية «أولاد حارتنا» ليست ضد الإسلام وليست ضد أي دين مطلقا.
الفكر... بالفكر
لم يكن يتوقع نجيب محفوظ أنه يهاجم الفكر بمسدس أو سكين، ولكن يؤمن بمقارعة الفكرة بالفكرة، وخاصة أنه في رواية «أولاد حارتنا»... أخذ يسرد قصص الحارة والاستشهاد بسير «أدهم وجبل ورفاعة وقاسم» من أولاد حارتنا الأمجاد - كما كان يسميهم محفوظ - وجدنا هذا لغزا من الألغاز، فوق ما يطمع إنسان أو يتصور، حتى ضرب المثل بطول عمره واعتزاله وكبره مما يحير العقول، ولعل الخيال أو الأغراض اشتركت في إنشائها... على أي حال كان يدعى الجبلاوي، وباسمه سميت حارتنا، وهو صاحب أوقافها وكل قائم فوق أرضها والأحجار المحيطة بها في الخلاء، وسمعت رجلا يتحدث عنه فيقول هو أصل حارتنا، وحارتنا أصل مصر أم الدنيا، عاش فيها وحده وهو خلاء، خراب ثم امتلكها بقوة ساعده ومنزلته عند الوالي.
لم يدرك المتهمون... أن نجيب محفوظ لم يكتب في روايته أو حتى لم يقصد ما فهمه الآخرون وأقنعوا به الإرهابيين لكي يغتالوا نجيب محفوظ الذي قالوا... إنه مس الدين الإسلامي، وخاصة أن الإرهابيين لم يقرأوا الرواية وما جاء فيها... حيث يؤكد محفوظ أنه يصف شخصية الجبلاوي بأنه كان رجلا لا يجود الزمان بمثله، وفتوة تهاب الوحوش ذكره... وسمعت آخر يقول عنه كان فتوة حقا، ولكنه لم يكن كالفتوات الآخرين، فلم يفرض على أحد إتاوة، ولم يستكبر في الأرض، وكان بالضعفاء رحيما، ثم جاء زمان فتناولته قلة من الناس بكلام لا يليق بقدره ومكانته... وهذا حال الدنيا.
ودافع نجيب محفوظ عن روايته التي لم يقرأها من أرادوا اغتياله فقال: كنت ولا أزال أجد الحديث عنه شائقا لا يمل، وكم دفعني ذلك إلى الطواف ببيته الكبير لعلي أفوز بنظرة منه، ولكن دون جدوى، وكم وقفت أمام بابه الضخم أرنو إلى التمساح المحنط المركب أعلاه، وكم جلست في صحراء المقطم غير بعيد عن سوره الكبير فلا أرى إلا رؤوس أشجار التوت والجميز والنخيل تكتنف البيت ونوافذه مغلقة لا تنم على أي أثر لحياة... أليس من المحزن أن يكون لنا جد مثل ذلك الجد من دون أن نراه أو يرانا.
وكانت تلك المقتطفات قد أخذها الإرهابيون من قبيل التحريم، وبالتبعية أصدروا حكمهم بقتل محفوظ، وخاصة عندما قال: أليس من الغريب أن يختفي الجد في هذا البيت الكبير المغلق، وأن نعيش نحن في التراب، وإذا تساءلت عما صار به وبنا إلى هذا الحال سمعت القصص وتردد على أذنيك أسماء أدهم وجبل، ورفاعة وقاسم، ولن تظفر بما يبل الصدر أو يريح العقل، قلت إن أحدا لم يره منذ اعتزاله، ولم يكن هذا بذي بال عند أكثر الناس، فلم يهتموا منذ بادئ الأمر إلا بأوقافه وبشروطه العشرة التي كثر القيل والقال عنها، ومن هنا ولد النزاع في حارتنا منذ ولدت، ومضى خطوة يستفحل بتعاقب الأجيال حتى اليوم وإلى الغد، ولذلك فليس أدل على السخرية المريرة من الإشارة إلى صلة القربى التي تجمع بين أبناء حارتنا... كنا ولانزال أسرة واحدة لم يدخلها غريب وكل فرد في حارتنا يعرف سكانها جميعا نساء ورجالا.
مرافعات ومداولات
بعد أن انتهت نيابة أمن الدولة العليا من تحقيقاتها مع المتهمين في محاولة اغتيال نجيب محفوظ، وإقرارهم بأنهم قد أرادوا قتله لما قدمه من أفكار في رواية «أولاد حارتنا»... أحيلت القضية إلى المدعي العام العسكري، والذي قام بدوره بإحالتهم إلى المحكمة العسكرية، وقامت المحكمة العسكرية بالنظر في القضية طوال «12» جلسة، واستمعت المحكمة فيها إلى مرافعات النيابة والدفاع، وأيضا إلى أقوال شهود النفي والإثبات وحضر المحكمة العديد من المراسلين ووكالات الأنباء... فالقضية كبيرة، والشخصية التي أرادوا قتلها شخصية عامة.
بعد الكثير من المرافعات والمداولات وفي يوم 10 يناير 1995 أعلنت المحكمة العسكرية العليا حكمها في القضية، والذي كان يترقبه الكثيرون... حيث قضت بمعاقبة المتهم «محمد» والمتهم «المحلاوي» بالإعدام شنقا، وقضت بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة «25» عاما على المتهمين «عمرو» و«حسين»، وبالأشغال الشاقة لمدة «15» عاما لمتهم واحد، وبالحبس لمدة «7» سنوات لآخر، وبالسجن «5» سنوات و«3» سنوات لمتهمين آخرين، وقضت بالبراءة لـ «3» متهمين.
استندت المحكمة في حكمها إلى اعترافات المتهمين الذين أكدوا أنهم لم يقرأوا رواية «أولاد حارتنا»، والتي اعتبروا نجيب محفوظ أنه مرتد عن الإسلام بعد كتابتها، وأكدت المحكمة أن القضية لم تكن قضية فكر بل استندت المحكمة فيها إلى الوقائع المادية التي شملت إصرار المتهمين على ارتكاب الأعمال الإرهابية، وأنهم خططوا وأعدوا لذلك الكثير.
وقالت المحكمة العسكرية: إن حرية العقيدة وممارسة شعائرها مكفولة للجميع واختلاف الآراء فيها يعبر عنه من خلال الصحافة القومية والحزبية واتخاذ الإسلام ستارا لدعاوى باطلة غير جائز لأن مصر الإسلامية... ستظل إلى الأبد رافعة راياتها وقادرة على دحر الباطل وسحق مروجيه، وأن المحكمة أخذت المتهمين بأفعالهم وما قام بشأنها من أدلة يقينية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، مستعملة في ذلك قوله سبحانه وتعالى:«وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون».
حيثيات الحكم
وقالت المحكمة العسكرية العليا في حيثيات حكمها: إنه حيث يتحقق النموذج الإجرامي لتهمة الانضمام لجماعة غير شرعية، غرضها الدعوة لتعطيل أحكام الدستور والقوانين، وتغيير نظام الحكم وإشاعة جو من عدم الاستقرار، بإحداث اضطرابات أمنية واستخدام الوسائل الإرهابية لتنفيذ ذلك، وحين يتحقق النموذج القانوني لجريمة الاتفاق الجنائي بكل اتحاد لإرادة شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما، وعلى الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها، سواء وقعت الجريمة المقصودة من الاتفاق أو لم تقع.
وحين تتحقق جريمة الشروع في القتل بطرق سبق الإصرار والترصد، وحين يتحقق النموذج القانوني لجريمة حيازة وإحراز أسلحة وذخائر ومفرقعات، وحيث راعت المحكمة وهي بصدد تمحيص الأدلة وتكييف الوقائع المنسوبة للمتهمين، ومعايرة الوقائع المسندة لكل متهم، أن تزن العقوبة الموقعة على ما انتهت المحكمة لإدانته على نحو يتسع لدرجة جرمه، والظروف والملابسات التي عاصرت إتيانه لواقعة الاتهام التي أتاها.
وقالت المحكمة: إن تلك الجماعة أرادت أن تجرح بأيدي عناصرها أمن وسلامة بلدهم، فكان الجرح أولى بهم وأوراق الدعوى تنبئ أن فلول الإرهاب تسعى دائما إلى التجمع وإعادة تكوين مجموعات تبغي اغتيال الرموز الفكرية، فما كان نجيب محفوظ إلا رمزا للفئة المفكرة فتأججت بين ضلوعهم أن يكون مقتله كمن قتل المفكرين جميعا.
بعد صدور الحكم أودع المتهمان محمد والمحلاوي في سجن الاستئناف في زنزانة منفردة، وارتدى كل منهما البدلة الحمراء انتظارا لتنفيذ حكم الإعدام.
الراية السوداء
في اليوم المحدد 5 أبريل العام 1995 وقبل طلوع الفجر ارتفعت الراية السوداء على جدران سجن الاستئناف الذي يقع في باب الخلق، ليخبر بأن هناك حكما بالإعدام سينفذ في الجناة ذلك اليوم، ومع طلوع فجر ذلك اليوم خرج بعض الرجال من مكتب مأمور السجن، وهم هيئة تنفيذ حكم الإعدام، وكان من بينهم المأمور نفسه وممثل النيابة العسكرية ووكيل نيابة الدرب الأحمر وواعظ السجن والطبيب... توقفوا جميعا أمام حجرة الإعدام.
داخل حجرة الإعدام... كان يقف «عشماوي» ومساعداه لينفذوا حكم الإعدام في محمد والمحلاوي، بدأ تنفيذ الحكم في محمد... حيث جاءوا إلى زنزانته ومن خلفه المتهم المحلاوي، وكان قد تحدد اليوم لتنفيذ حكم الإعدام فيهما بعد أن تم إخطارهما بأنه تم رفض التماسهما بإعادة النظر في حكم المحكمة العسكرية بإعدامهما.
عندما علم محمد - المتهم الأول - بأنه قد حانت لحظة تنفيذ حكم الإعدام بدا الخوف عليه وزاغ بصره، فلم يكن يعتقد أن اللحظة ستكون قريبة هكذا، وحاول أن يقف على قدميه فلم يستطع، ولكنه حاول، وكان يخطو بخطى ثقيلة، فقد كان يجر في قدميه جرا... أخذ المأمور يتلو على أذنيه أدلة الاتهام والحكم... ما كان يسمع منها شيئا، وحاول التماسك فلم يستطع، وعندما سئل عن آخر طلب له طلب كوب ماء تناول منه رشفة واحدة دفعه «عشماوي» لغرفة الإعدام، وعندما وضع القناع الأسود على وجهه وأحكم عقدة المشنقة حول عنقه صرخ صرخة واحدة ثم ودع حياته.
أما المحلاوي فقد غطت دموعه... وجهه عندما علم بلحظة النهاية واقترابها، وكان خوفه عارما، لم يستطع أن يتحرك كثيرا، واستند إلى ذراع مساعد «عشماوي» حتى يقطع الخطوات القليلة نحو المشنقة، وكان يتمتم بكلمات غير مسموعة حتى هوت به المشنقة إلى عالم الموت.