حوار / عاد بعد غياب 9 أعوام بـ «أنا المُوقِّع أدناه» ... وهنّأته هيفاء وكارول سماحة
يوري مرقدي لـ «الراي»: ظلمتُ نفسي ... بابتعادي عن الفن
| بيروت - من هيام بنوت |
1 يناير 1970
01:57 م
هناك فنانون اكتفوا بإلقاء التحية عليّ وكأنني لم أطرح ألبوماً
احتجت إلى فترة من الوقت كي أجهز ألبومي ... لأنني أكتب وألحن أعمالي وأسجل في الاستديو بهدوء
فنانون لم «يطيقوني» ولم يحبوا فكرة أن يأتي فنان لديه بصمة و«يأخذ من دربهم»
وصلت إلى وقت فقدت الأكسجين في صدري ... وصارت العودة إلى الفن مسألة «حياة أو موت»
«الموناليزا» أقبح لوحة في تاريخ البشرية ... وكل النقاد يعترفون بذلك
لا أشبه سوى نفسي ولا يفترض بي أن أشبه أحداً ولا أن يشبهني فنان آخر
بألبوم جديد بعنوان «أنا الموقّع أدناه»، عاد الفنان اللبناني يوري مرقدي إلى الساحة الفنية، وصوّر إحدى أغنياته «لو سمحتي» بطريقة الفيديو كليب. مرقدي الذي ابتعد لمدة 9 سنوات عن الفنّ بسبب ظروف حرب يوليو 2006، كشف لـ «الراي» في حوار صريح عن أنه شعر قبل 3 أعوام بأنه يريد العودة إلى «العمل الذي أجيده» وأن هناك شيئاً ما يريد أن يقدّمه موسيقياً، وهذا ما حصل فعلاً.
الفنان اللبناني لم يرتبط بحفلات فنية حتى الآن، لأنه فضّل أن يمضي فترة الأعياد في كندا مع عائلته، على أن يكرّس الفترة المقبلة لفنّه، أما آخر نشاط فني له فكان في السويد، حيث شارك في حفل خيري للاجئين السوريين، إلى جانب 14 من مشاهير العالم. وهو لا ينفي عبر «الراي» أنه ظلم نفسه بغيابه الطويل عن الساحة الفنية.
? ابتعدتَ عن الفن لمدة 9 سنوات وعدتَ أخيراً من خلال ألبوم «أنا الموقّع أدناه». ألا تعتقد أنك ظلمت الجمهور بغيابك طوال هذه الأعوام ؟
- طبعاً. ظلمتُ نفسي قبل أن أظلم أي شخص آخر. وقد اضطررتُ للابتعاد بسبب ظروف الحرب. أنا عشتُ في لبنان وتأثرتُ كثيراً ولم أتمكن من الحصول على فيزا كي أدرس في الخارج، ولذلك كانت الأولوية بالنسبة إليّ الذهاب بأولادي إلى كندا، والاستقرار فيها. بعدها مرت الأيام والوضع لم يتحسن، وكنتُ أقول بيني وبين نفسي «لست جاهزاً هذه السنة للعودة»، وأرجئ عودتي للعام الذي يليه، إلى أن وصلتُ إلى وقت فقدتُ الأكسجين في صدري، وصارت المسألة بالنسبة إليّ حياة أو موتا. وقبل 3 أعوام وصلتُ إلى نتيجة مفادها أنه إذا كنتُ أريد أن أستمر في الحياة وأن أكون إنساناً حقيقياً مع نفسي، فيجب أن أعود إلى العمل الذي أجيده.
? ولكنك عدتَ هذا العام ؟
- احتجتُ إلى فترة من الوقت كي أجهز ألبومي، لأنني أكتب وألحن أعمالي، وأسجل في الاستديو بهدوء.
? هناك فنانون غيرك، عاشوا ظروفك نفسها ولكنهم استمروا فنياً ولم يتركوا لبنان ؟
- كل إنسان حر في قراراته. أنا كنتُ أريد أن يترك أولادي لبنان - مع أنني أخجل من هذا - لأنني كنت أتمنى لو أن الوضع في لبنان جيد. ولأنه لا يمكنني العيش بعيداً عنهم وأتعب لعدم رؤيتهم وشمّ رائحتهم واللعب معهم، كان القرار بالسفر مشتركاً بيني وبين زوجتي، لأنني كنت أريد أن أتيح أمام أولادي الفرصة كي يسافروا متى يشاؤون. لكن ربما هم يقررون العودة إلى بيروت ولا يحتاجون إلى الجنسية الكندية، إلا أن واجبي كأب كان يحتم عليّ أن أعطيهم الخيار الذي لم أكن أملكه، لأنني أذكر أنني في صغري كنت أريد السفر إلى أميركا لدراسة الموسيقى، ولكنني لم أتمكن لعدم توافر الباسبور والفيزا، ولم أتمكن حتى من اجتياز «المعابر» للحصول على جواز سفر. ولذلك، لم أحب أن يعيش أولادي تجربتي نفسها، خصوصاً أن الحرب (العدوان الإسرائيلي) عادت في العام 2006 وكان أولادي يسألونني لماذا نسمع أصوات مدافع ولماذا يموت الأطفال؟ ولم أكن أريد أن تترسخ هذه الصورة في ذاكرتهم كما ترسخت الصور نفسها في ذاكرتي.
? كيف وجدتَ ترحيب الوسط الفني بك. ويبدو أن كارول سماحة كانت السبّاقة في هذا الموضوع ؟
- لا أريد أن أبدو متعجرفاً. ولكن كل همي هو الناس الذين أقدّم ألبومي لهم. في البداية، كان يهمني رأي الناس، مع أن رأي الفنانين يفرحني ويرضي غروري. ولكنني كنت أعرف أنه سيحصل معي تماماً كما حصل في بداياتي الفنية، فهناك فنانون لم «يطيقوني» ولم يحبوا فكرة أن يأتي فنان لديه بصمة وأن يأخذ من دربهم، وآخرون يملكون ثقة كافية بالنفس ورحّبوا بي ومن بينهم كارول سماحة وهيفاء وهبي والموزع روجيه أبي عقل، مع أنني لم أشتغل معه.
هناك فنانون يملكون ثقة عالية بالنفس وبصمتهم الفنية قوية وواضحة ولا يتأثرون بغيرهم، تماماً كما حصل معي عندما سألني كثيرون ألا تشعر بالخوف من طرح الألبوم وسط هذا الكمّ الكبير من الفنانين. فأجبتهم كلا. وعندما أجد أن ألبومي أصبح جاهزاً فسأطرحه بصرف النظر عن هذا الموضوع. مَن لديه خط وبصمة لا يهتم للآخرين ولا ينتظرهم سواء طرحوا أم لم يطرحوا ألبومات. أنا لا أشبه سوى نفسي، ولا يفترض بي أن أشبه أحداً آخر ولا أن يشبهني فنان آخر. وعندما أطرح عملي، أفعل ذلك بعيداً عن التفكير في هذا الموضوع. هناك فنانون، لن أذكر أسماءهم، التقيتُ بهم على الطريق وفي بعض الأماكن واكتفوا بإلقاء التحية عليّ وكأنني لم أطرح ألبوماً.
? تقصد أنهم لم يباركوا لك بإصدار الألبوم ؟
- على الإطلاق، ولكن هذا الأمر لم يؤثر فيّ أبداً، انطلاقاً من مبدأ ألا أعاتب أحداً ولا أحد يعاتبني. كارول (سماحة) بحكم علاقتي بها كانت أول المهنئين، فنحن كنا في الجامعة معاً وتربطنا علاقة صداقة قديمة، عدا عن كونها فنانة تثق بنفسها، وكذلك هيفاء التي تربطني بها علاقة صداقة.
? وكيف لمستَ أصداء الألبوم والفيديو كليب ؟
- أفضل مما كنتُ أتصوّر بكثير. كنتُ أعرف أن العمل يشبهني، وأنا مسؤول عن كل كلمة في ألبوم «أنا الموقّع أدناه»، وعن كل لحن وضعتُ إحساسي فيه. ما كنت واثقاً منه هو أن الألبوم حقيقي ويشبهني، وإنما ردة الفعل كانت مضاعفة عشرات المرات عما كنتُ أتخيل.
? وما الذي كان يخيفك ؟
- لا يعقل ألا يكون هناك خوف. أي فنان يغيب ويعود ويقدم عملاً لابد أن يخاف. بل حتى لو لم أغِب فإنني كنت «أرتجف» عند طرح أي ألبوم جديد. ليس لأنني لا أثق بنفسي، بل لأن المسؤولية كبيرة لأنني أظهرتُ إنتاجي إلى العلن، ومن خلاله أحاول أن ألمس مشاعر الناس وأحاسيسهم وأحلامهم وآمالهم. الموضوع «منو لعبة».
? وخصوصاً أنك مسؤول عن كل تفاصيل الألبوم، كتابةً ولحناً وغناءً ؟
- طبعاً. في حال فشلتْ أي أغنية أو فشل الألبوم، فهذا يعني فشلاً كلياً لي، لأنني وضعتُ فيه كلماتي وألحاني وأفكاري وأحلامي وموسيقاي. أنا موسيقي، والموضوع يمسني أكثر بكثير من أي مغنّ لم تنجح له أغنية، لأنه يمكن القول إن ألحان «فلان» لم تكن ناجحة أو الكلام لم يكن موفّقاً.
? لعلّ الشيء الأساسي في عملك الأخير أو في أعمالك السابقة أنها تشبهك. فمَن يقرأ عنوان الألبوم مثلاً يعرف أنه ليوري مرقدي. ولا شك أن هذه الناحية أساسية ؟
- وهذا ما يفترض أن يكون عليه الوضع. أستغرب عندما يقول لي البعض «أنت فظيع لانو عندك ستايل خاص بك». كل شيء عندي ينبع من تجاربي منذ أن كنتُ صغيراً وحتى اليوم، وتالياً ليس منطقياً أن أشبه أحداً آخر أو أن يشبهني الآخرون، وهذا لا يُعتبر غروراً أو تَميُّزاً، لأن كل إنسان يختلف ببصمة إصبعه عن الـ 7 مليارات إنسان الذين يعيشون على وجه الكرة الأرضية.
? هل تتوقع أن تحقق أي من أغنياتك نجاح «عربيّ أنا» نفسه، خصوصاً أن اسمك ارتبط بها ؟
- هناك مَن يسألني ألا تنزعج عندما لا تحقق أغنية من أغنياتك نجاح «عربي أنا» نفسه، فيكون جوابي كلا. أولاً، لأن الأغنية من كلماتي وألحاني وإنتاجي، وأنا كنت مسؤولاً عن نجاحها، كما أنني فخور بها ومن المستحيل أن أقدّم مثلها. ليوناردو دافنتشي، أعظم فنان في تاريخ البشرية، الكل يعرفه من خلال لوحة الموناليزا، ولكنها أقبح لوحة في تاريخ البشرية، وكل النقاد يعترفون بذلك، ولكنها اشتهرت كثيراً لأنها سُرقت 7 مرات وأثيرت حولها ضجة إعلامية. كل فنان، يكون لديه عمل معين يتذكره الناس من خلاله، ولكن هذا لا يعني أنه لم يقدّم أفضل منها. أنا مثلاً، أعتبر أنني قدمتُ أغنيات أهمّ بكثير من أغنية «عربي أنا»، ولكنها شكلت الأساس الذي بنيتُ عليه كل شيء.
? وربما أيضاً لأن عنوانها أثار جدلاً من حولها، عندما توقّع البعض أن تكون أغنية «ثورجية» ليتبين أنها أغنية عاطفية ورومانسية ؟
- وهذا الأمر لم يزعجني. النفحة القومية - العربية في الأغنية أفرحتني، وهنا يكمن جمال الفن، لأن الكلام والألحان يمكن أن يوصلا إلى مكان أبعد بكثير من العالم الذي نعيش فيه.