د. وائل الحساوي / نسمات / جولة في سورة يوسف

1 يناير 1970 01:32 ص
تكاد المشاغل اليومية والاعتبارات الاجتماعية والأوضاع السياسية أن تلهينا بالكامل عن التوقف عند آيات كتاب الله تعالى ليس لقراءتها فقط ولكن لتدبرها واستلهام العبر والدروس منها. استمعت إلى قراءة الشيخ الفاضل لسورة يوسف بصوته الجميل وهدوء المسجد فشعرت بأنني أعيش العصر الذي عاش فيه نبي الله يوسف عليه السلام، ومراحل عمره المتتابعة مع وصف دقيق للحياة ولمشاعر الناس ومناجاتهم وأحوالهم وعلاقتهم بأقوامهم، فبنو اسرائيل الذين كانوا أعظم أمة وقد كان يسوسهم الأنبياء ويتعاقب عليهم المرسلون حتى لا يكاد ينقطع زمان من نبي او رسول، ولكن حتى هؤلاء الرسل يعانون من تكذيب أقوامهم لهم واضطهادهم ويعيشون حياتهم في شظف العيش والفقر، فهذا زكريا ويحيى عليهما السلام يتآمر عليهما قومهما فيقتلونهما. وهذا عيسى عليه السلام يطارده اعداؤه من اليهود... ويضطهدون القلة القليلة من اتباعه إلى درجة سعيهم لصلبه لولا تدخل يد العناية الإلهية لتخليصه من أيديهم، ثم يحرفون تعاليم الانجيل التي أنزلها الله عليه ويؤلهونه، وهذا موسى عليه السلام يعاني الأمرين من تكذيب فرعون له ومطاردته وقومه وقتل ابنائهم واستحياء نسائهم، ثم بعدها يعاني من تكذيب قومه الذين جاء لانقاذهم وفعلهم الأعاجيب إلى ان يتوفاه الله تعالى وهو في التيه لم يحقق مراد الله تعالى في تحرير الأرض المقدسة من الأعداء لأن قومه قد خذلوه. أما بالنسبة لقصة يوسف عليه السلام فقد شاهدنا ابناء أعظم نبي في وقته (اسرائيل او يعقوب عليه السلام) وكيف يقتل قلوبهم الحسد على أخيهم ثم يتآمرون عليه ليقتلوه، وكيف تفطر قلب ابيه عليه إلى درجة ان عميت عيناه من الحزن بالرغم من يقينه بأمر الله تعالى. ثم تنتقل القصة إلى المجتمع الكافر في مصر وكيف يعيش أبناؤه كما هو اليوم ، فامرأة العزيز التي ربت الغلام الصغير على يدها لكن العشق اخذ منها مجراه الى ان راودته عن نفسه مع وجود زوجها معها، ثم ردة فعل زوجها عندما اكتشف الأمر، فالأمر لا يستدعي غيرة ولا عقوبة بل طلب منها الاستغفار ثم ترك يوسف معها، ثم عندما تحدث نساء المدينة عن تلك المرأة التي تخون زوجها وتعشق غلامها، أدركت امرأة العزيز بأن النساء لا يتكلمن عن الأخلاق او العفة لذلك فقد أجرت لهن مسابقة كمسابقات ملكات الجمال لتبهرهن بهذا الغلام الجميل فاقتنعن بدوافعها الغريزية وكلهن تمنين ان يكون من نصيبهن. ثم تمضي القصة في وصف الظلم الذي يتعرض له الكثيرون حيث يستطيع الكبار القاء الناس في السجن سنين طويلة دون محاكمة او مراجعة للحكم، كما تصف استعانة الملك الكافر بيوسف المسلم لإنقاذ دولته من الانهيار الاقتصادي كما يفعل الغرب اليوم من الاستفادة من العلماء والمفكرين المسلمين لبناء نهضتهم بعدما تخلت عنهم مجتمعاتهم، ثم لجوء يعقوب وأهله للملك طلباً للمساعدة وتلقي القصة الضوء على أهمية التخطيط الاقتصادي وترسخ مفاهيم إيمانية أهمها: «إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين»، ويكاد الإنسان يتلمس المشاعر بارزة من خلال فصول القصة ويعيش اجواءها، فما اعظمه من قصص. د. وائل الحساوي [email protected]