خواطر اقتصادية / هل وصل السيل الزبى؟

1 يناير 1970 07:22 ص
هل وصل السيل الزبى؟

العرب تتمثل بهذا العنوان عندما يكون الخطر محدقاً، و«الزبى» جمع «زُبْيَة» وهي الرابية المرتفعة من الأرض التى لا يبلغها السيل.

وهذا المثل ينطبق على ما وصل إليه الحال في سوق الأوراق المالية، فقد تسلل الخوف والرعب والهلع إلى نفوس المتداولين بعدما فقدت معظم الأسهم ما لا يقل عن 60 في المئة من قيمتها السوقية ولا أحد يعرف متى تصل القاع.

نعم، يدعو انخفاض أسعار النفط للقلق والتفكير بانتهاج سياسة شد الحزام، وضبط المصروفات وتغيير الأولويات، والمبادرة بوضع الخطط المناسبة لمواجهة هذه الظروف المستجدة، ولكن ما يسود سوق الأوراق المالية من ذعر وخوف هوى بأسعار الأسهم إلى ما وصلت إليه غير مبرر، خصوصاً وأن الكثير من الشركات والبنوك نتائجها جيدة، وقد أعلن بعضها عن أرباح مجزية.

وتملك الكويت احتياطيات مالية ضخمة بلغت أكثر من 500 مليار دولار، لابد أن يكون لها عوائد تسد العجز أو معظمه إلى أن يتوازن السوق النفطي مرة أخرى، بعد هذا الهبوط الناتج عن أوضاع سياسية دولية وإقليمية تسود المنطقة فتكرِّس هذا الوضع الراهن.

هل يعقل أن كل هذا يحدث ولا نسمع تصريحاً من مسؤول يطمئن به المتداولين، ويؤكد عزم الحكومة بأنها لن تتخلى عن رعاية سوقها وحمايته كما تفعل كل دولة في ظروف مماثلة؟

وهل من المعقول ألا تغري هذه الأسعار المتدنية هيئة الاستثمار بالدخول في السوق، واقتناص الفرص لتشتري أسهما قيادية فقدت أكثر من نصف قيمتها ؟ بينما ملياراتها الخمسمئة موزعة على أسواق العالم في شتى أصقاع المعمورة بعضها في أسواق ناشئة الربح فيها غير مضمون.

لقد سبق للحكومة أن تدخلت في السوق سابقاً، ثم عادت وباعت تلك الأسهم بعشرة أضعاف، وخير مثال سهم الصناعات الوطنية فقد باعته الحكومة على الناس بـ (دينار و400 فلس)، واليوم لا يتجاوز السهم 100 فلس أو أكثر قليلاً.

وجاء في قول مأثور «اغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب»، ولو أن الحكومة وجهت في أيام الرخاء وبدلاً من استثماراتها إلى الخارج، جزءاً من استثماراتها واحتياطياتها إلى الداخل، وفعّلت قانون الـ(B.O.T ) واستدرجت شركات صناعية كبرى لإقامة مشاريع مشتركة داخل الكويت، لضربت أكثر من عصفور في حجر واحد.

ففي هذا العمل ربطت الكويت اقتصادياً بدول تلك الشركات ما يجعل أمن الدولة مصلحة لها، وتوطين رؤوس الأموال الوطنية داخل الكويت، وأوجدت بقيام تلك المشاريع آلاف الوظائف للشباب الذين يفدون على سوق العمل سنوياً لتستوعب تلك المشاريع أعداداً من أولئك الخريجين.

ويبدو أن من وضع القانون الأساسي لهيئة الاستثمار والله أعلم خبراء أجانب، ومن هنا كان كل تركيزهم أن تسثمر كل أموال الكويت بالخارج لتنتفع بها بلدانهم، ومما لا شك فيه أن تلك الاستثمارات عرضة للتقلبات السياسية في تلك البلاد، وتذبذب العملات والقرارات غير المدروسة، ما يجعل تلك الأموال المستثمرة أقرب للخسارة منها إلى الربح؛ خصوصاً وأن نتائج استثمار هذه الأموال غير معلنة أو منشورة، وهي تفتقر إلى مزيد من الرقابة والشفافية ولو أعلنت ربما لرأينا العجب العجاب.

قرأت في بعض الصحف أن مجلس الأمة سيناقش الوضع الاقتصادي في 9 فبراير الجاري، ومن المهم أن يكون موضع احتياطيات الدولة وأموالها المستثمرة في الخارج، وتوجيه جزء من تلك الاسثمارات للداخل موضع النقاش، وهذا ما أعتقد أنه متداول في المجلس الأعلى للتخطيط هذه الأيام.

يخطئ من يظن أن سوق الأوراق المالية هو مصلحة شخصية لحفنة من التجار، وهذا مع الأسف ما يعتقد به قصيرو النظر من الناس، فسوق المال مرآة حقيقية لكيان البلد، وركيزة من ركائز أمنه الإجتماعي والسياسي والاقتصادي، وتلك حقيقة أرجو ألا تغيب عمن بيده إدارة الشأن الاقتصادي في هذا البلد، ومن هو غيور على رفعته واستقراره.

وتحتفل الكويت هذه الأيام بمرور 10 سنوات على تسلم سمو الأمير حفظه الله مسند الإمارة، ما يستوجب الدعاء إلى الله أن يحفظ هذا البلد بقيادته الرشيدة.

ومما لا جدال فيه رغبة سمو أمير الإنسانية في أن يرى الكويت مركزاً مالياً عالمياً، ومن هنا تتجه الأنظار لسموه لاتخاذ مبادرة تتويجاً لما يدعو إليه بتعديل المسار الاقتصادي للبلاد، ليجتاز هذا الوطن ما يواجهه من مصاعب اقتصادية بما عرف عنه من حكمة ورأي سديد.

والله ولي التوفيق