فكرة لبكرة / التواصل اللغوي بين دول الخليج والعمالة الوافدة (1)

1 يناير 1970 07:56 ص
اقترح أحد الباحثين المتخصصين في شؤون اللغة العربية؛ ضرورة إضافة بند في عقد الاتفاق بين دول الخليج العربية والعمالة الوافدة إليها- ولاسيما- العمالة الأسيوية. وهو: إجادة اللغة العربية، مفسرا ذلك بكثرة العمالة الوافدة التي طغت على السكان الأصليين، وأن هذه الدول- أعني دول الخليج العربية- أصبحت الآن الوجهة الرئيسة للباحثين والدارسين والسائحين والمستثمرين وغيرهم؛ فهناك صعوبة في التواصل اللغوي بين من يأتي من دول المشرق العربي وبين هذه العمالة، ومن يأتي من دول المغرب العربي وبين هذه العمالة.

كما أخذ بعض الباحثين على دول الخليج العربية كثرة اقتراضهم من الألفاظ الأجنبية غير العربية التي باتت واضحة في لهجتهم المحلية المحكية.

لذا؛ رأيت وأنا أحد أبناء دول الخليج العربي أن آخذ هذا المقترح وهذا المأخذ بعين الاعتبار بدراسة موضوعية ما أمكن، وأناقش الاقتراض اللغوي والتلاقح اللغوي.

لقد شرف الله سبحانه وتعالى شبه الجزيرة العربية حينما أنزل الدين الإسلامي خاتم الأديان في حاضرتهم،واختار رجلا منهم ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم قال تعالى:» هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين « سورة الجمعة: 2 .

وازداد هذا الشرف شأنا ورفعة حينما جعل المولى العلي القدير القرآن الكريم عربيا بلسان قبائل شبه الجزيرة العربية، قال تعالى:» إنا جعلناه قرآنا عربيا ... « سورة الزخرف: 3 .

ولا يعنى هذا أن يكونوا شعب الله المختار وليس لهم الأفضلية على غيرهم من شعوب العالم، قال تعالى:» يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» سورة الحجرات : 13.

ويقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وأباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى «.

إن هذا الدين الخاتم لكل الأديان نزل للناس كافة، قال تعالى:» وما أرسلناك إلا كافة للناس ... « سورة سبأ: 28 .

وجب عليهم أن ينشروه ويقدموه للناس باللطف واللين وبالتراحم فيما بينهم، قال تعالى:» فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ...» سورة آل عمران: 159 . والفظاظة هنا بالقول، وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام « يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وتطاوعا ولا تختلفا «.

ولطالما قد ارتبط الدين الإسلامي باللغة العربية كما مرت بنا الآيات الكريمات؛ فإن كل ما ينطبق على هذا الدين من سلوك ينطبق على اللغة.

وفق هذه المعادلة سوف أضرب مثالا بسيطا: لدينا شخصان؛ الأول سمع أذان الفجر فقام وتوضأ وذهب إلى المسجد ليصلي جماعة ويكسب سبعا وعشرين درجة والحسنة بعشرة أمثالها، والآخر سمع أذان الفجر فقام وتوضأ وصلى في بيته وحرم نفسه من سبع وعشرين درجة. والسؤال هنا: هل الشخص الثاني الذي صلى في بيته قد ارتكب معصية يحاسب عليها عند الله سبحانه وتعالى؟ أم أن هناك أفضلية للأول الذي صلى في المسجد مع الجماعة وكسب سبعا وعشرين درجة؟!

ولو قابلنا ذلك لغويا فسنجد الذي صلى في المسجد يجمع (بحث) على (بحوث) و (مشكلة) على (مشكلات) ويقول (غير الكويتي) ويستخدم (الآتية) مثل (الأهداف الآتية)، ويستخدم (الرئيسة)، ويكتب همزة (شؤون ومسؤول) على الواو بدلا من كتابتها على النبرة (شئون ومسؤول)، ويرسم (مئة) هكذا وفقا للقاعدة دون ألف تسبقها (مائة)، ويكتب همزة (هيأة) على الألف وفقا للقاعدة .

وأما من آثر الصلاة في البيت على المسجد وحرم نفسه من سبع وعشرين درجة؛ فيعادله في اللغة الذي يجمع (بحث) على (أبحاث) و(مشكلة) على (مشاكل) ويستعمل (الغير كويتي) ويستخدم ( التالية ) مثل (الأهداف التالية )، ويستخدم لفظة ( الرئيسية ) ويكتب همزة (شئون ومسئول) على نبرة، ويرسم (مائة) هكذا خلافا للقاعدة، ويكتب همزة (هيئة) على نبرة مثلما هو شائع مخالفا بذلك قاعدة الهمزة. وهو بذلك لم يرتكب خطأ لغويا مثلما الذي صلى الفرض في بيته فهو لم يرتكب معصية. إلا أن هذا اللغوي هو أقل مستوى من اللغوي الذي صلى فرضه مع الجماعة في المسجد.

إذن لماذا لم نعدّ المستوى الأقل خطأ لغويا، أولا وقبل كل شيء فإن كل ما ينطبق على الدين من سلوك ينطبق على اللغة. والدين يسر والله عز وجل يقول:» لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ... « سورة البقرة: 286.

ثانيا: هب أننا خطـّأنا المستوي الأقل، سوف نجد أن المجامع اللغوية في كل مرة تصدر قرارات تجيز مثل هذا المستوى الأقل، ولا تجد له مسوغا بل لديها مبرر وهو كثرة الاستعمال أو استخدام شائع، مثلما أجاز مجمع اللغة في القاهرة دخول (ال) التعريف على (غير)، ( الغير كويتي ) أو (الغير جزائري) على سبيل المثال الذي كنا ندرّسه ردحا من الزمان على أنه لا يجوز دخول (ال) التعريف على (غير) على اعتبار أنها نكرة مبهمة ومعرفة بالإضافة، وأجاز مجمع اللغة في القاهرة أيضا استخدام (الرئيسية) بياء وأجاز رسم (مائة) وأجازة كتابة (هيئة) وهلم جرا. وكل ذلك كنا قد درّسناه على أنه من الأخطاء اللغوية الشائعة، ولا أدري ما موقفنا الآن أمام طلابنا بعد هذه الرخص في الاستعمال من المجامع اللغوية؟!

* باحث لغوي وكاتب كويتي

[email protected]