الابن سر أبيه

جوزيف عازار حمل مشعل الغناء... وابنه كارلوس أضاف إليه التمثيل / 5

1 يناير 1970 10:15 ص
| بيروت - من هلا داغر |

يحمل الابن - في بعض الاحوال - الكثير من سمات الاب، وبخاصة في المجالات الابداعية، سواء في الادب او الفن او حتى الرياضة، كما ان الابن من الممكن ان يكتسب بعض صفات الاب، من خلال حب وظيفة محددة، او الاندماج في هواية بعينها، وبهذه الطريقة ينطبق على المثل الذي يقول «ابن الوز عواد».
وقد يستمر الابن في تتبع خطوات والده في الحياة، من خلال المضي قدما في طريقه الذي قضى فيه الوالد سنوات، والالتقاء معه في سرية ذاتية ربما تتوافق في الكثير من اشكالها.
وفي حلقات «الابن سر ابيه» سنتوقف عند سير ابناء تتبعوا خطوات الآباء، فأبدعوا سواء في الفن او الأدب او الرياضة او الصحافة، من اجل الوقوف عند جوانب الابداع عند الاب والابن معاً.


عاش الفنان جوزيف عازار العصر الذهبي للفن في لبنان يوم كانت العائلة الرحبانية في أوج مجدها. عاصرها لا بل شارك في أكثر أعمالها المسرحية. صدح صوته في عشرات الأغاني يوم كانت النجومية تستحق التسمية. نافس الكبار أمثال سمير يزبك ونصري شمس الدين وعصام رجي... وسواهم. عاش حياة فنية مليئة ونوعية. وكان من الطبيعي أن ينشأ أولاده في أجواء هذا الفن الأصيل والراقي حيث الجدارة والكفاءة والأداء الفني الرفيع. فكانت المفاجأة بابنه كارلوس الذي عرفناه ممثلاً ومقدم برامج تلفزيونية، فاكتشفنا فيه بذور مغني ناشئ يسعى اليوم الى شق طريقه في الغناء بجهده الخاص وطبعاًً بتوجيهات والده ونصائحه.
كيف لعب جوزيف عازار دوراً في ذلك؟ يقول ان للموسيقى الأثر الاكبر في النفوس فهي تفعل في القلوب ما تفعل العطور في النفس. ففي حنايا البيت تفتحت قلوب أولادي وروحهم على الغناء والموسيقى منذ نعومة أظفارهم. هذا البيت هو ذلك القلب النابض بالحياة والحركة الفنية وبشكل متواصل، صبحاً ومساء.
كان لا بد أن يتأثروا في هذا الجو العابق، وهذا شيء طبيعي وبدهي، فكانوا يسمعون ويشاهدون تلك المسرحيات الغنائية والمهرجانات الشعبية التي كانت تقام في الأماكن السياحية في لبنان، كما يشير.
والفن باعتقاده وباعتقاد الكثيرين كما يقول وبحكم الطبيعة جلّه وراثة. «فكل هذه الاجواء كانت مهيئة وبصورة طبيعية على كل العائلة. والموهبة الفنية تنتقل عادة كالمشعل من يد الى يد ومن جيل الى جيل. وأن انتقال المشعل يصحبه دائماً تقدم وتجديد في الأسلوب والنوعية مع المحافظة على الفن النابع من البيئة والتراث».
ما هو الدور الذي لعبه شخصياً في توجيه ابنه كارلوس الى ميدان الغناء سيما أننا نعرفه ممثلاً ومقدم برامج تلفزيونية؟ يجيب أن الأمر في البداية لم يكن كذلك. حين أنهى دروسه الثانوية وجهته لأن يتخصص في ادارة الأعمال، وهكذا يكون قد غيّر ما هم عليه اخوته بيار وناجي وكارلا الذين سلكوا طريق الموسيقى والفن، وأبدعوا كل في مجاله. لكن كارلوس توقف في منتصف السنة الجامعية الأولى وقال لي: ليس هذا هو مستقبلي ولست أرى نفسي في هذا المضمار فانني كالطائر المغرد خارج سربه. أريد أن أدخل معهد الفنون في الجامعة اللبنانية والتخصص في التمثيل والاخراج. هذي هي هوايتي ورغبتي ولا أرى ذاتي في غير مكان. هنا عادت بي الذكرى الى منتصف الثمانينات يوم كان عمر كارلوس خمس سنوات تقريباً جالساً الى البيانو يعزف مقطوعة موسيقية من تأليفه تحت عنوان «موسيقى الخراب». في ذلك اليوم كان عندنا الأستاذ زكي ناصيف رحمة الله عليه يستمع اليه. وبعد الانتهاء من العزف قال لي شيخ الفولكلور اللبناني «يا خيي جوزيف انتبه جيداً الى هذا الصبي». بعد هذه الصورة التي طبعت في مخيلتي في تلك اللحظة، وافقت من حيث المبدأ على طلبه. وابتدأت نقطة التحول من هنا.
ولكن هل كارلوس مستمع جيد ومغني جيد؟ لجوزيف عازار رأيه اذ يشدد على أنه «ليس مستمعاً جيداً فحسب، بل هو ذواقة في هذا المجال وشفاف الى أبعد الحدود. ويؤخذ برأيه في هذه المواضيع، فصوته رخيم وجميل وباستطاعته أداء كافة الألوان الغنائية بسهولة وشغف. ولقد كانت له تجربة في أداء أغاني طربية قديمة وصعبة لسيد درويش ومحمد عبدالوهاب ونجح في ذلك».
أخذ كارلوس عن والده الكثير. وبلسانه يقول عازار الأب «أن الولد سر أبيه» كما يقال. «فخلاصة العمر وزبدة التجارب لابد أن تنعكسا عليه وأن يتلقفهما بصورة تلقائية. ما ألمسه فيه وفي أخلاقه وتصرفاته أنه قريب مني كثيراً في اخلاصه لفنه وفي مصداقيته واحترامه وحبه لزملائه واحترام المواعيد.. وهذا غيض من فيض».
لا يخاف عازار على ابنه من الفشل «فالانسان عندما يكون محصناً بالثقافة والعلم والمعرفة والأدب لا بد أن ينجح في عمله ويحقق طموحه. وهنا أتمنى لكل أولادي المحافظة على المستوى اللائق في الفن، وأن يواكبوا العصر مع المحافظة على المناخ والبيئة والأصالة التي تتجلى فيها الأغنية اللبنانية. أما كارلوس فاتمنى له مستقبلاً باهراً لما لديه من مقدرة ومعرفة وثقافة تؤهله لأن يجد نفسه ولونه وأسلوبه الفني المميز الخاص به في ميدان الفنون خصوصاً الغناء».
ماذا يقول كارلوس؟
كارلوس عمل في تقديم البرامج التلفزيونية في تلفزيون لبنان حوالي الثلاث سنوات. وولج ميدان التمثيل منذ عام 2001. أما الغناء فـ «عليك خير» فقد فاجأنا في حفل توزيع جوائز «موريكس دور» على محطة الـ «ال بي سي» حين غنى مع والده بعد تسلم الجائزة. لا نعجب حين نعلم أنه بالاضافة الى الوالد، يمتهن اخوته الباقون التأليف والعزف الموسيقي وتعليم الموسيقى في المعهد الوطني للموسيقى. «أجواء البيت دون شك هي المؤثّرة. لا يمكن عدم التأثر خصوصاً أننا منذ فتحنا أعيننا على الحياة ونحن نسمع الوالد يعزف ويغني، ونعيش أجواء المسرح والفن والأغاني والتمثيل. كل ذلك كان يعبق في أرجائه. كنا نرافق الوالد في حفلاته ونشاهد المسرحيات التي يشارك فيها مع الرحابنة. برأيي أن الأمر له علاقة بالجينات الوراثية».
والده اكتشف لديه خامة صوتية جيدة واعتبر أن الموهبة ضرورية في الغناء لكن يجب أن تقترن بالعلم الذي يصقلها. «فالعلم وحده لا يفيد والموهبة وحدها تكون ناقصة» كما يقول. لذلك درس الغناء الشرقي في المعهد الوطني للموسيقى مدة خمس سنوات وتوقف حين دخل معهد الفنون ليتخرج حاملاً شهادة دراسات عليا في التمثيل، ودرس العزف على البيانو مدة خمس سنوات ودرس أيضاً العزف على العود. ويتوقع قريباً صدور أغنية أو أكثر له وذلك وفق ظروف انتاجها.
الأغنية التي غناها مع والده في حفل «الموريكس دور» لفتت نظر الجمهور الى كارلوس المغني. قبلها انتبه الجمهور الى هذه الناحية لديه في مسلسل «مالح يا بحر» الذي عرضته احدى المحطات اللبنانية حين غنى فيه وهو يلعب دور مغني يجري وراء قدره الفني. «هذا المسلسل برهن أني قادر على غناء الأغنيات الصعبة». ويرى «أن عشرة في المئة فقط من الموجودين على ساحة الغناء اليوم قادرون على الغناء للفنان محمد عبدالوهاب. وهنا أتكلم من وجهة نظر مستمع لأن أذنيي سليمتان جداً. أنا مستمع جيد وقد اكتسبت ذلك من والدي اضافة الى أشياء أخرى كثيرة، منها الأخلاق الحميدة والعالية وطريقة احترام الناس كافة دون استثناء والاستماع الى آرائهم مهما تنوعت، اضافة الى كيفية التعامل مع الأشخاص واحترام المهنة والوقت».
ويقول «والدي نصحني بأن أصرف النظر عن دخول الفن. لذلك سأكون حذراً جداً في مسيرتي وستظل نصائحه ترافقني على الدوام. لا يمكن لوالدي أن ينزع تلك المادة الموجودة في دمي وعزلها عني. الفن موجود في دمي. أما عن الصعاب في الفن، فأعتقد أن في كل مهنة صعاب». همّ كارلوس اليوم تقديم مادة جيدة للمستمع «وليس صحيحاً القول «الجمهور عايز كده». الجمهور يطلب الفن الجيد والأغنية الجميلة. وهو قادر جداً على التمييز بين الجيد والسيئ».
والدخول في الغناء سيدفع كارلوس دون شك في دخول «كل عدّة الغناء ومستلزماته أي الفيديو كليبات والتسويق والحملات الاعلامية.. أحترم الناحية الفنية لكن باقي الأمور تبقى رهن الانتاج. أتعاون مع الانتاج الى الحدود القصوى».
ويقول انه لم «يتعمشق» على كتفي والده لكي يصل الى الشهرة. «شققت طريقي بمفردي.. والدليل أن أكثر الناس اكتشف في حفل «الموريكس دور» أنني ابن جوزيف عازار. وهذا أفرحني جداً. أفتخر جداً باسم والدي ولكن لدي اسمي وسمعتي من خلال ما حققته لغاية الآن. لا أرضى أن أرث أحداً وهو ما زال على قيد الحياة. سأكمل مسيرته وسأرفع رأسه عالياً باستمرار ولكن لدي طريقي الذي أسلكه بتعبي وجهدي. وهذا لا يمنع أنني كنت وما زلت أستمع الى نصائحه في كل خطوة أقوم بها في الفن».
في الأغنيات التي سيصدرها قريباً كان لوالده دور. «أستشيره في الرأي حول كلمات الأغاني وألحانها وتوزيعها الموسيقي. لديه خبرة 47 سنة. صحيح أن الزمن اختلف، لكن الذوق لا يختلف. أستشيره في العديد من الأمور خصوصاً أنه من النوع الذي لا يسايرني لأني ابنه ولأنه صادق ويعطي الحق حقه. اضافة الى رأي الوالدة واخوتي والعديد من المحيطين بي. الرأي الصادق هو الذي يفيدني».
أخيراً لا يعمل كارلوس بشكل عشوائي لأنه يخطط لما سيفعله ويضع أهدافاً لتحقيقها. «أدرس كل شيء بتأني وأعمل بهدوء وأفكر في كل خطوة. وقد أخذت تلك الصفة عن والدي. والدليل أنه ما زال مستمراً بعد 47 سنة من الغناء».