عون... أو لا أحد
| حسين إبراهيم |
1 يناير 1970
12:01 ص
أما وقد تبنّى رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وصار هذا الترشيح مدعوماً من أكثرية شعبية مسيحية ساحقة، أصبح للجنرل رجل واحدة في القصر الجمهوري، ويبقى عليه أن ينجح في وضع الرجل الثانية فيه، وهي مهمة ليست سهلة في لبنان، لكن الأصعب منها حاليا بكل تأكيد، هو سحب رجل الجنرال الأولى من القصر، بالنسبة لمعارضي وصوله.
الترشيح الجعجعي لعون، حذف كثيراً من الاحتمالات الرئاسية بعدما كانت متعددة وتشمل شخصيات تقليدية تسمى «توافقية»، وتعني أكثر «حيادية»، وهذه تنطبق على الكثيرين، لكن أبرزهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والوزير السابق جان عبيد، وشخصيات أكثر فاعلية إلى حد ما ولكنها تقع في خانة «الحيادية» نفسها، مثل قائد الجيش العماد جان قهوجي، أو شخصيات قريبة من «حزب الله» ولكنها مقبولة من الآخرين مثلما آل إليه حال الوزير السابق سليمان فرنجية بعد تبني ترشيحه من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، أو مرشحين آخرين كثر لا مجال لتعدادهم أو توصيفهم في مقال.
ترشيح جعجع للجنرال حصر الرئاسة اللبنانية بثلاثة احتمالات، إما عون، وإما من يقبل به عون بديلا عنه، وإما استمرار الفراغ، إلى أن تحدث تغييرات كبيرة تفتح احتمالات جديدة غير قائمة الآن.
انتخابات الرئاسة في لبنان، كانت دوما عملية معقدة إلى درجة أن معظم اللبنانيين يجهلون كيف يجري ترتيبها قبل إخراجها في مجلس النواب، الذي كان في الغالبية الساحقة من الحالات، ينتخب من يتم الاتفاق عليه بين القوى المؤثرة خارجيا وداخليا، بعد أن تأتي «كلمة السر»، كما يصطلح اللبنانيون على تسميتها.
قبل الحرب اللبنانية كان الرئيس ذو الصلاحيات الواسعة جدا، يأتي ضمن عملية حسابية دقيقة تعكس، في ما تعكس، ميزان القوى الإقليمي. لكن بعدها أصبح التدخل الخارجي مباشرا ومكشوفا، كما حصل حين جيء ببشير الجميّل ومن ثم بعد اغتياله بشقيقه أمين، إثر الاجتياح الإسرائيلي لبيروت. ثم ظل الأمر كذلك بعد اتفاق الطائف ونهاية الحرب رغم التقلّص الكبير في صلاحيات الرئيس، فأصبحت سورية التي استعادت نفوذها في لبنان، تأتي بالرؤساء، كما حصل في انتخاب الياس الهراوي وإميل لحود. ثم بعد الخروج السوري، عادت التسويات، لتأتي بقائد الجيش في حينه ميشال سليمان.
الآن لا توجد قوة تستطيع وحدها الاتيان برئيس، كما لا يوجد اتفاق بين قوى تستطيع مجتمعة القيام بهذه المهمة. ولكن يوجد مرشح يستطيع ادعاء تمثيل المسيحيين شعبيا، وبالتالي فإن تجاهله أمر محرج كثيرا لمعارضي وصوله. وإذا كان من المفهوم أن لا حرج ولا حياء في السياسة، أقله ليس في منطقة لا يقام فيها وزن لحياة الإنسان أصلا، فكيف بأخذ رأيه السياسي في الاعتبار، فإن أي تجاهل للجنرال سيحمل رسالة واضحة للمسيحيين مفادها أن لا مكان لكم في السلطة في لبنان. فما حاجتهم بمنصب مسمى عليهم، ويقرر في شأنه غيرهم؟
مثل هذا الاحتمال يفتح الباب واسعا أمام تغيير النظام في لبنان، أي إدخال تعديلات جوهرية على اتفاق الطائف، ويضع المسيحيين المستائين أصلا من تراجع حصتهم في السلطة، في موقع التأييد القوي لمثل هذه التعديلات. لكن هذا التأييد مهما كان كبيرا، لا يوفر نصابا كافيا للتعديل، الذي يحتاج كما تدلّ الأمثلة التاريخية إلى شبه اجماع، أو فرض بالقوة. والاحتمالان أصعب من بعضهما البعض في الوقت الراهن.
الأرجح أن مثل هذا المأزق لن يجد حلّا له، إلا بتفاهمات كبيرة تشمل لبنان وأزمات أخرى، ولكن لا يظهر لها في الأفق أي أثر حاليا، سوى بداية صعبة جدا لمفاوضات بين الأطراف السورية في جنيف ستستغرق وقتا طويلا ولا يمكن التكهن بنتيجتها.
مقولة «عون أو لا أحد»، أي «عون أو لا رئاسة»، أصبحت صحيحة تماما بعد خطوة جعجع. الأمل هو أن يبقى الصراع في إطاره السياسي، ولا يتحول إلى اهتزازات أمنية، أو إلى اهتراء وتفكك للدولة أكثر مما هو حالها الآن.