ديوانها صدر عن دار العين للنشر
قراءة / عالية شعيب... تكشف «قلق غزالة» شاردة
| كتب مدحت علام |
1 يناير 1970
12:51 م
قصائد الديوان عبارة عن ومضة وبعضها الآخر يستغرق بعضاً من الوقت من أجل الوصول إلى منتهاها
يظل النص متشبثاً بروح الإنسان الباحث عن الطمأنينة والحرية... المتأمل في أحوال الحياة
المفردات الشعرية مهمومة بالشأن الإنساني ومتفاعلة مع مضامينه وتحولاته
تتناغم الصورة الشعرية في نصوص الشاعرة والكاتبة الدكتورة عالية شعيب مع الكثير من المفردات التي تبدو في توهجها رؤى إنسانية موغلة في مشاعرها، ومنحازة- كل الانحياز- إلى مضامين يغلب على معظمها الطابع الاستلهامي، الذي يحاول البحث عن الحياة في كل الموجودات الساكنة والمتحركة لإتاحة الفرصة له كي تكون كائنات تتنفس الواقع وتشارك الشاعرة رحلتها المضنية في البحث عن الحقيقة، والتي تتوارى خلف غشاوة شديدة الظلام.
وفي ديوانها «قلق غزالة» الصادر عن دار العين للنشر... تمكنت شعيب من الوصول إلى مناطق مفعمة بالمشاعر، ومتواصلة مع الكثير من الدلالات التي تشير للحياة في حيويتها وتدفقها... في ما اتسمت المفردات بالرشاقة والقدرة على تنبيه الحس الإنساني بمواضيع تبدو في مجملها متناسقة مع الواقع ومتفاعلة مع قضايا عدة تحفل بها الأرض:
ومن خلال العنوان «قلق غزالة»... سيكون الذهن متجها إلى صور خيالية مرهفة وفي الوقت نفسه كثيرة المعاني، فالقلق أصاب كائنا رقيقا «الغزالة»، وهو كائن جبل الشعراء على أن يكون وصفا للجمال والرقة والرشاقة، عند حديثهم عن المرأة، إلا أن الشاعرة رأت في هذا الكائن الرقيق قلقا، يستوجب كشفه، والبحث عن أسبابه، ومن ثم كان التأهيل النفسي لاستقبال نصوص الديوان موجودا، في هذا العنوان، الذي يحمل قدرا كبيرا من المضامين والدلالات.
ثم نقترب من البداية، والتي نراها إهداء غير تقليدي وضعته الشاعرة في مستهل ديوانها:
إلا
الأماكن التي ارتشفتني
والأكواب التي احتضنتني
والأوراق التي انسكبت فيها
والكراسي التي أسندتني
وخشب الطاولات الذي شهق بي
والفساتين التي أضاءت روحي
والمرايا التي سكرت بها
والأقلام التي صورتني
والمشاهد التي كتبتني
والمارة الذين أحببت دون علم
سلام... وأكثر وأكثر
هذا الإهداء اجتمع فيه الجماد والكائنات الحية... في حديقة روحها، التي لا تفرق بين ساكن أو متحرك... كلها أشياء تبعث في نفسها الحب والطمأنينة، وتتناسق معها في عزف إنساني جذاب.
والديوان يضم 225 ورقة من القطع المتوسط احتوى على قصائد يدخل بعضها في منظومة الومضة وبعضها الآخر يستغرق بعضا من الوقت من أجل الوصول إلى منتهاه، غير أن المعنى يظل متشبثا بروح الإنسان الباحث عن الطمأنينة، والحرية، المتأمل في أحوال الحياة ذلك التأمل الذي ليس فيه كلل أو ملل، فهو استغراق مشابك مع النفس والروح، وملتصق بالصفات والأحوال.
تسقط من شفتي كقطرة ندى
أنا امرأة مطفأة
فأسبح إلى مواطن الينابيع في قلبي
أشعل هواك وأستوحش
روح الماء تغمرنا
لن نفيق
لن نغرق
ومن خلال الومضة الخاطفة تستطيع الشاعرة أن تصل إلى مبتغاها، وأن تجلس الفكرة على أريكة البوحة، من أجل أن تقول بتكثيف وإيحاء شديدين، ثم يأتي التأمل كي يضيف إلى المعنى توهجه، وحضوره:
في عطش الانتظار
صورتك معلقة بمسامرين
واحد في قطرة ماء عنيدة
وآخر في قلبي
الانتظار يجعلني كرسيا
والأشواق تجعلني شجرة
تعلق على بدنها الأمنيات
وعلى أساس ما تضيفه شعيب إلى نصوصها من صور ومشاهد وخيالات... ستجد أن اللوحة بارزة في وجدانك، وقد اكتملت عناصرها، وتوهجت ألوانها، ويمكنك بسهولة تعليقها على حائط احلامك، وتأمل مفرداتها التي تتخذ من العمق لغة حية ومتحركة في أكثر من اتجاه:
يا لقسوة المطارات يا حبيبي
وكيف توقظ فينا الوحشة والأشباح
لماذا يهرب الفرح من قاعات المطار؟
لماذا تتسم قهوته بالمرارة
ويفترسنا وجوم الوجوه
وكأن النفوس جثث مؤجلة
ليت هذه الدنيا بلا مطارات يا حبيبي
وأبقى في حضنك بلا سفر.
وتبقى المفردات الشعرية مهمومة بالشأن الإنساني ومتفاعلة مع مضامينه وتحولاته، وذلك وفق منظومة حسية، طرحتها الشاعرة في متون نصوصها، وهو طرح يتبدى فيه التأمل مصحوبا بالتوجس تارة والطمأنينة تارة أخرى، وفي بعض الأحوال قد يكون التأمل محصلة للتوجس والطمأنينة معا:
ما زال عطرك يبعد الدخان عن انفاسي
ويدك تطعمني الحب خبزا
لا يزال قميصك يحارب القبح عني
ويبذر شتلات ياسمين وزنبق على شرفاتي
لا يزال اسمك يعلو بي كلما ضعفت وكدت أسقط
وعينك تشير للغيمة بأن تتبعني
وفمك يتلو الأناشيد لتهدهد أحلامي
والدكتورة عالية شعيب... تتمتع بقدر كبير من الحس الفني والأدبي من خلال موهبتها في الشعر والفنون التشكيلية، إلى جانب تخصصها الأكاديمي، الذي يبحث في النفس البشرية، وكتاباتها الصحافية الناقدة للمجتمع، ومن خلال هذه الاتجاهات، فإن شعيب لديها قدرة شديدة على تكثيف الفكرة، وتشخيص المشكلة، ومن ثم محاولة معالجتها بالكلمة.