بري غير متحمّس لعون و«المستقبل» يلوّح بـ... «أسلحة محرّمة»
لبنان في قبضة فوضى سياسية تطيل أمد الفراغ الرئاسي
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
05:52 ص
أوساط مطلعة أبلغت «الراي» أن «المستقبل» لن يمشي بعون مهما كلّف الأمر
يختزل سياسي لبناني يتقن فنّ قراءة واقع بلاده، بتناقضاته السياسية - الطائفية وبتقاطعاته مع الوقائع الاقليمية والدولية، المشهد الحالي بالقول ان «البلاد دخلت مرحلة عاصفة من الفوضى السياسية، التي يصعب التكهّن بمسارها»، غداة تبنّي القطب المسيحي في «14 آذار»، حليف السعودية، ترشيح منافسه ومرشح «حزب الله» للرئاسة، زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، بعدما رشّح حليف جعجع السنّي زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري، أحد أقطاب «8 آذار» وصديق الرئيس السوري بشار الأسد، زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة، التي تعاني شغوراً منذ اكثر من 20 شهراً.
ورغم ان هذا السياسي، الذي لعب أدواراً مؤثرة في مراحل عدة، توقّع ان تُفضي هذه الفوضى السياسية، التي لا سابق لها منذ أمد بعيد، الى إطالة أمد الفراغ الرئاسي، في ظل شلل خطير في المؤسسات الدستورية، كالحكومة والبرلمان، وما يتسبّب به من تعاظُم احتمالات الانهيار الاقتصادي والأمني، فإن بيروت ما زالت تحت تأثير منخفض عاصف من الرمال السياسية المصحوبة بسوء انقشاع، والتي هبّت من معراب (مقرّ جعجع) مع المصالحة التاريخية بين الزعيمين المسيحييْن عون وجعجع، اللذين أعادا خلط الأوراق، في تحوّل لم تتضح معالمه في الحلبة الداخلية المفتوحة على الخارج.
فالمشهد الداخلي الشديد الالتباس، كشف عن تفكك تحالف «14 آذار» مع «انكسار الجرّة» بين الحريري وجعجع، رغم تعميم الطرفين على ماكيناتهما السياسية تجنُّب الإساءات الشخصية. فالحريري يمضي قدماً في دعمه خيار فرنجية كتسوية تحظى بغطاء سعودي - فرنسي ولم يسمح بإمرارها «حزب الله» لحسابات داخلية واقليمية. وجعجع قرّر خوض المعركة بنفسه لإيصال عون الى الرئاسة كمرشّح، كان حتى الامس القريب يحظى بدعم قوي من «حزب الله» وإيران. اما قوى «8 آذار» التي لم تحدد مرجعياتها مواقف واضحة، فتعاني تصدّعاً، لاستمرار المبارزة في السباق الرئاسي بين مرشحيْها عون وفرنجية، واضطرارها إلى الانخراط في لعبة المفاضلة بينهما، قبل ان يقول «حزب الله» الذي يلوذ بالصمت، كلمته الفاصلة.
ولا يقلّ الموقف الاقليمي - الدولي التباساً حيال الواقع اللبناني الجديد، وسط انتظار ثقيل لما ستقوله المملكة العربية السعودية مع وجود مرشحيْن، فرنجية المدعوم من حليفها سعد الحريري، والذي سبق ان باركته بالتفاهم مع الفرنسيين، رغم صلاته بالأسد و«حزب الله»، وعون المدعوم من حليفها الآخر سمير جعجع، الذي لم يتضح موقف الرياض منه، وهي التي غالباً ما اعتبرته مرشّح ايران في لبنان.
واذا كانت أوساط بارزة في «8 آذار» تحدثت عن ان جعجع يتكئ على دعم قطري - اميركي لخياره ترشيح عون، بعدما أدارت له السعودية ظهرها، عبر تمسّكها بتغطية تفاهم الحريري - فرنجية، فإن اوساطاً اخرى واسعة الاطلاع، شكّكت في هذه الخلاصة، خصوصاً ان عواصم القرار الدولي، التي تلحّ على ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي، تتجنّب الخوض في لعبة المفاضلة بين مرشح وآخر، وهو ما بدا واضحاً في الموقف الفرنسي الأخير.
وكشفت أوساط بارزة في «8 آذار» لـ «الراي» عن ان «حزب الله» الذي أوفد الحاج حسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، للقاء فرنجية «لن يضغط على رئيس المردة للانسحاب من السباق الرئاسي، رغم دعوته فرنجية بضرورة إطفاء المحركات في هذه اللحظة».
ورأت هذه الاوساط ان«حزب الله الثابت في موقفه في دعم عون، استمع الى تقويم سلبي من شريكه رئيس البرلمان نبيه بري لتجربة العلاقة مع زعيم التيار الوطني الحر، الذي بلغ به الأمر حدّ التشكيك بشرعية البرلمان وقانونيته، وتالياً فإنه ما زال على تأييده لخيار فرنجية حتى الآن».
وأوحت الاوساط عيْنها ان«موقف بري محوريّ ولا يمكن التقليل من شأنه، وهو الوحيد القادر على إقناع فرنجية بالانسحاب اذا اطمأنّ الى طبيعة العلاقة مع عون في حال انتُخب رئيساً، واذا حصل على ما يريده من ضمانات في هذا الشأن،خصوصاً اذا كان القرار الإستراتيجي لحزب الله حاسماً في ايصال زعيم التيار الحر».
وفُهم من هذه الأوساط ان اصحاب القرار في«8 آذار»يحتاجون الى مزيد من الوقت لاستكشاف مغزى الخطوة الأكثر من عادية، التي أقدم عليها جعجع بتبنّيه ترشيح عون، في بُعديْها الداخلي والاقليمي، واذا كانت نتيجة تَفاهُمه المسبق مع المملكة العربية السعودية وما يضمره من هذه الانعطافة.
ورغم ان جعجع بدا حريصاً على لملمة الأضرار التي أصابت علاقته بالحريري جراء«صدام الخيارات»بينهما، من خلال تقديمه عون بـ«حلة جديدة»، فإن«تيار المستقبل»، الذي ما زال متمسّكاً بترشيح فرنجية يذهب بعيداً في معركته، ملوّحاً باستخدام ما كان يعتبره«اسلحة محرّمة»كمقاطعة جلسات البرلمان في حال كان عون مرشحاً وحيداً.
وكشفت اوساط واسعة الاطلاع لـ«الراي»عن ان«تيار المستقبل»ابلغ كل من يعنيهم الأمر انه لن يمشي بعون مهما كلّف الأمر، في موقف فُسّر على انه يطرح مشكلة ميثاقية عبر إظهار موقف سنّي متماسك برفض مجيء زعيم«الوطني الحر» في حال تم حشد التأييد له من أكثرية المسيحيين والشيعة. وثمة مَن يعتقد ان بلوغ الصراع هذا المستوى من المواجهة، من شأنه على الأقل، تمديد الفراغ المتمادي في رئاسة الجمهورية، والى أجَل غير مسمى، الامر الذي يستحضر الخشية من سيناريوات دموية تحمل الجميع على الهرْولة لانتخاب رئيس فوق«صفيح ساخن».
غداة النأي بالنفس لباسيل
عن بيان «التعاون الإسلامي» الختامي
الحريري: نذير شؤم تغريب لبنان عن عروبته
| بيروت - «الراي» |
كما بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل نحو اسبوعين، كذلك في أعقاب الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الاسلامي في جدة (اول من امس) للتضامن مع السعودية في مواجهة الاعتداءات على بعثاتها الديبلوماسية في إيران ولرفض التدخل الإيراني في الشؤون العربية، أثار موقف لبنان الذي عبّر عنه وزير الخارجية جبران باسيل عاصفة سياسية بدا من الصعب عزْلها حتى عن ملف الانتخابات الرئاسية باعتبار ان رئيس الديبلوماسية اللبنانية هو صهر زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون.
فبعدما تمّ التعاطي خليجياً خصوصاً مع امتناع لبنان عن التصويت على قرار وزراء الخارجية العرب والنأي بنفسه عنه والتحفظ عن البيان الختامي (لاشارته الى «حزب الله» بعد ربطه بأعمال ارهابية) على انه «ارتهان لايران» سرعان ما جرى توظيفه داخلياً لـ «إطلاق النار» على عون وتبرير رفض دعمه للرئاسة، جاء موقف باسيل في جدة ليفاقم هذا المناخ الاعتراضي على «تموْضع» وزير خارجية لبنان وتياره ويعزز «مضبطة اتهام» خصوم عون الرافضين وصوله الى قصر بعبدا (القصر الرئاسي) باعتبار ان ذلك سيكون «انعطافة ايرانية».
فقد نأى باسيل بنفسه عن البيان الختامي الذي دان حرق بعثات ديبلوماسية سعودية في ايران و«التصريحات الايرانية التحريضية» و«تدخلات» طهران في شؤون دول المنطقة و«استمرار دعمها الارهاب»، وهو ما ردّ عليه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري امس، مشدداً على ان «انفراد وزارة الخارجية بما زعمت انه نأي بالنفس عن موقف عربي جامع في المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية المؤتمر الإسلامي هو موقف لا يعبّر عن غالبية الشعب اللبناني وخروج مرفوض للمرة الثانية عن سياسة الوقوف مع الإجماع العربي التي شكّلت قاعدة ذهبية للديبلوماسية اللبنانية منذ الاستقلال».
وقال الحريري في بيان: «إن الناي بالنفس يتحوّل اصطفافاً حين تجد الخارجية اللبنانية نفسها للمرة الثانية وحيدة خارج موقف جميع الدول العربية بلا استثناء وتنأى بنفسها وحيدة عن قرار تؤيده جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي باستثناء ايران المعتدية على البعثات الديبلوماسية والسيادة العربية»، سائلاً: «عن ماذا نأت الخارجية اللبنانية بنفسها هذه المرة خصوصاً ان البيان لم يتضمن اي ذكر للبنان او اي تنظيم سياسي لبناني، ام اننا بصدد محاولة للنأي بالديبلوماسية بعيداً عن لبنان وعروبته نحو ايران وعدوانيتها ومصالحها التوسعية؟».
وحذر من «ان هذا التغريب المتكرر للبنان عن عروبته وعن قواعد ديبلوماسيته التاريخية إنما هو نذير شؤم عن محاولة الهيمنة على القرار الوطني ضد إرادة غالبية اللبنانيين وعلى حساب مصالحهم ومصلحة لبنان العليا».