مقال / مَنْ هو المجرم الحقيقي ؟

1 يناير 1970 07:55 ص
من القضايا التي تحتاج إلى وقفة و تفسير عقلاني و منطقي هي قضية النظرة السوداء المظلمة تجاه تائب المخدرات، ما جعلني أتحدث عنه بكل وضوح و صراحة و شفافية وواقعية النظرة المتشائمة لإخواننا التائبين من قبل الكثير ممن هم في مجال الدعوة و ينتسبون لتلك الجمعيات، والتهمة الملتصقة بجبين هذا التائب لله تعالى أننا نسمع دائما من البعض ( مدمن – مجرم ) لا يغفر له و غير ذلك من الأقوال، و كأنهم ملائكة لا يخطئون للأسف و هذا لسان حال مَنْ لا يعرفون قيمة التوبة عند الله تعالى ناسين أو متناسين أن مَنْ تاب تاب الله عليه، و أن التوبة تجُب ما قبلها، قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ( كل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون )، أحبتي في الله مَنْ منا لا يخطئ ؟ وهل التوبة بيدكم، وهل أنتم معصومون من الخطأ و الله عز وجل عاتب كثيرا من الأنبياء و على رأسهم قدوتنا وسيدنا رسول الله – صلى الله عليه و سلم – حيث عاتبه في سورة عبس عندما جاءه الأعمى و لم يهتم باستقباله و تلهى عنه... إلخ، أحبتي في الله من الغريب و الغريب جدا مَنْ ينظرون النظرة الدونية، و الذين لا يقبلون توبة التائب هم غرقى في الذنوب و المعاصي - نسأل الله السلامة و العافية – و كثير منهم و العياذ بالله يرتكب المحرمات و النميمة و الغيبة و أكل الربا و غير ذلك من الذنوب، وعندما يأتي تائب لله و يتقدم للزواج من أخته أو ابنته يصده ولا يتقبل هذا التائب، و كثير مَنْ هم في المجتمع و المؤسسات و لا يرتقون الرقي الإيماني الذي أوصانا به الله تعالى ورسوله الكريم، وهذا الفكر للأسف بعيد عن مفاهيم الإسلام و حتى الإنسانية و الأخلاق و التعامل الحسن، و أقول اتقوا الله في أنفسكم ولا تعيبوا في الناس و أنتم غرقى في الذنوب و المعاصي، و قيل ( اللي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجر )، أقول حاسبوا أنفسكم و اتركوا التعالي و التكبر لأن الله سبحانه و تعالى لا يدخل الجنة مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، و أن مَنْ تواضع لله رفعه، و انظروا إلى أنفسكم قبل أن تتهموا التائب إلى الله بالإجرام، و تقول إنه ما زال مجرما، انظر إلى نفسك و أحوالك، هل أنت بعيد عن كل الذنوب و المعاصي و نزيه و معصوم عنها ؟ إن الكمال لله عز وجل، وكما ذكر قدوتنا رسول الله – صلى الله عليه و سلم – في الحديث الشريف (كل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون ) لم يشر إلى ذنب المخدرات بل خصّ الذنوب و المعاصي التي يقع بها العبد و التي نهى عنها الله تعالى، و يجب علينا قبل أن نصدر الحكم القاسي الظالم على التائب أن نقف وقفة عقلانية منطقية و نقول لأنفسنا إن هذا التائب لله تعالى ترك ملذات الدنيا و شهواتها و متاعها و اللذة الشيطانية و الدنيوية، و سعى إلى متاع الآخرة و ملذات الجنة ونعيمها، و ترك كل ما كان يقوم به قبل التوبة من أجل الله عز وجل مؤمنا به، و فضل الآخرة على الدنيا، و زهد في متاعها، ثم نقول له إنه مجرم، أين العدل والإنصاف في هذا الحكم الظالم ؟ و المصيبة مَنْ هم يحملون صفة الدعوة إلى الله، والله عز وجل ذكر التوبة في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وجعل للتائبين منزلة كريمة بل فضلهم عن غيرهم، و ذلك لأنهم ابتغوا وجه الله و رجعوا إليه بقلب صادق سليم، والله تعالى بشّر كل تائب من ذنب بقوله تعالى: ( إلا مَنْ تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفوراً رحيماً )، هذا عدل و إنصاف و فضل من الله عز وجل لكل تائب من ذنب. أحبتي في الله إن المجرم الحقيقي مَنْ فرّط في حقوق الله، و تعالى و تكبر، ولكن مَنْ تاب تاب الله عليه، و التائب من الذنب كمن لا ذنب له، أسأل الله العلي القدير أن يجعل توبتنا خالصة له، ويثبتنا جميعاً على طاعته.

* ناشط في مجال التوعية بأضرار المخدرات