المشهد الأخير

مديحة كامل... النهاية مختلفة / 4

1 يناير 1970 07:10 ص
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
إذا كانت الأفلام المصرية... اشتهرت في خمسينات وستينات القرن الماضي، بالنهايات السعيدة... كانتصار قوى الخير على الشر، أو التقاء الحبيبين، بعدما ظنا كل الظن ألا تلاقيا، وزفافهما بين الأهل والأحباب والأصحاب... فإن المشهد الأخير في حياة عدد غير قليل من الفنانين والمشاهير المصريين والعرب كثيرا ما بدا مأساويا مؤلما مفعما بالحزن.
ففي لحظة فارقة... تنطفئ أضواء النجومية، ويضعف الجسد الذي كان يوما ممشوقا يصول ويجول أمام الكاميرات، ويقدم أصعب الأدوار وأعنفها.
في لحظة فارقة... تكتفي الحياة بما قدمته لفنان ما، وتقول له «يكفيك هذا... لقد حانت نهايتك»... وشتان بين إقبال الحياة وإدبارها وتبسمها وسخريتها، وعطفها وقسوتها، وفارق كبير... بين أن تربت على كتفيك وتفيض عليك بحنانها، وبين أن تركلك بأرجلها، كما يركل اللاعب الكرة.
كم كان مؤلما... المشهد الأخير في حياة فنانين أثروا الشاشتين الصغيرة والكبيرة بأعمال مميزة، لاتزال باقية في الذاكرة، أو مطربين ومطربات أثروا وجداننا ببديع أصواتهم، أو نجوم ومشاهير في مجالات أخرى... كان لهم حضور قوي... وتأثير واسع، سرعان ما ينهار ويندثر.
فبينما كان النجم أحمد زكي يواصل تألقه وإبداعه الفني، باعتباره «حالة فنية مختلفة»... أوقفه المرض الخبيث، وأخفى حالة من الحزن في الوسط الفني، لم تنته بعد، وبالرغم من مرور نحو 4 أعوام على وفاته، ويشبهه شكلا ومصيرا عبد الله محمود الذي قتله السرطان في ريعان شبابه.
كما جاءت نهاية ممثلة بسيطة وطيبة القلب مثل وداد حمدي مؤلمة... عندما غدر بها «ريجسير»، وقتلها في شقتها، من دون أن تقترف في حقه إثما، وفي أوج تألقها... أمطر رجل الأعمال المصري أيمن السويدي زوجته المطربة التونسية ذكرى بـ «21» طلقة، لتقضي نحبها في الحال.
وهكذا تتعدد النهايات الحزينة لفنانين ومشاهير... طالما أمتعونا وأسعدونا، وطالما عاشوا عقودا من الشهرة والأضواء والثراء... ولكن الأقدار... التي يصرفها البارئ... كيف يشاء... وفي السطور التالية... نهايات مع الفقر والحاجة والمرض والنسيان وأشياء أخرى.


بدأت الممثلة المصرية الراحلة مديحة كامل... حياتها الفنية غير عابئة بشيء، ولا تكترث لأمر الناس ولا انتقاداتهم أو تحفظاتهم حول طبيعة أدوارها... بل إنها استغرقت في تجسيد أدوار الإغراء... أما مشهد النهاية فجاء مختلفا تماما... حيث اعتزلت في أوج تألقها وارتدت الحجاب، وتفرغت لعبادة الله، وقضت نحبها في شهر رمضان، كما كانت تطلب من الله... وبدت توبتها توبة نصوحا لم يخالطها ريب أو نفاق.
ولدت مديحة كامل صالح أحمد في 13 يناير العام 1946 في الإسكندرية... والدها كان يملك مضارب أرز النيل على ترعة المحمودية، وكان ترتيبها الثاني بين إخوتها الستة 3 بنات و3 أولاد، وفي المرحلة الابتدائية كانت الطفلة مديحة تهوى كرة السلة وكرة الطاولة، وظهرت عليها موهبة التمثيل في مرحلة مبكرة من عمرها.
الطالبة المتفوقة
لم تكن مديحة من الطالبات المتفوقات في الدراسة... فقد تعلمت في مدرسة الشاطبي النموذجية وكانت درجاتها في المواد الدراسية ضعيفة، لكنها تحصل على درجات عالية في الألعاب الرياضية والتمثيل، وفي المرحلة الإعدادية تم اختيارها في إحدى الحفلات المدرسية للقيام بدور رابعة العدوية في المسرحية المدرسية التي تحمل نفس الاسم... وأجادت الطالبة في تجسد ذلك الدور حتى إنها حصلت على «كأس الجمهورية» لأحسن ممثلة مدرسية.
صدفة جميلة
قبل أن تبلغ مديحة الـ 15 من عمرها... انتقلت إلى مرحلة مختلفة في مجال الفن... فقد كانت تقف في استوديوهات الإذاعة في الإسكندرية، ثم انتقلت إلى القاهرة لتلتحق بمدرسة السنية الثانوية ثم المدرسة القومية، وأثناء دراستها بالمرحلة الثانوية أتيحت لها فرصة ذهبية عندما شاركت في مسابقة لاختيار عارضات الأزياء، حيث نجحت في هذه المسابقة وبدأت مشوارها الفني في ذلك المجال.
كانت والدة مديحة كامل ترافقها دائما في جميع خطواتها الأولى، فمديحة كانت لا تزال صغيرة على القيام بخطواتها الأولى بمفردها، كما كانت تساعدها على مواصلة مشوارها الدراسي.
وكانت المفاجأة عندما التقى المخرج أحمد ضياء الدين بالفتاة الجميلة صدفة، فقد رأى فيها وجها جميلا يصلح لأن يمثل في السينما، وعلى الفور لم يتردد في أن يعرض عليها التمثيل في أحد أفلامه، فرحت مديحة كامل... جدا فهذه هي الفرصة التي كانت تتمناها، لكن الأهل رفضوا ذلك الأمر بشدة ولم تجد محاولات مديحة لاقناعهم، لذا كان الأمر صدمة بالنسبة لها لأنها أحبت التمثيل بشدة، وأرادت أن تعمل به، وبعد ذلك جاء الأب ليحدث الأم عن تقدم عريس لخطبة ابنتهما مديحة، وكان ذلك العريس يكبرها بكثير لكنه كان من عائلة محترمة وذا أخلاق عالية، فقد كان عمر مديحة آنذاك 17 عاما، وعندما عرض الأمر على مديحة رفضت في البداية، وبمجرد أن علمت أنه سيوافق على مبدأ اشتراكها في الأعمال الفنية والتمثيل، وافقت على الفور، وتزوجته، وأنجبت ابنتها الوحيدة «ميرهان» وفي العام نفسه حصلت على الثانوية العامة، وأيضا شاركت في فيلم عن قصة «كريستين كيلر» مع شويكار ورشدي أباظة في العام 1963 وكان ذلك بداية الشهرة لها.
مسابقة تلفزيونية
وفي تلك الفترة أعلن التلفزيون المصري عن مسابقة لاختيار ممثلات جديدات، فتقدمت مديحة للمسابقة، ونجحت في الاختبار، وأعجب بها المخرج حسن إسماعيل، فأسند إليها دور البطولة في تمثيلية بعنوان «الحائرة» وأتاح لها المخرج حلمي رفلة دورا يلامس البطولة مع نبيلة عبيد في فيلم «صور في أدغال أفريقيا»، كما أسندت لها صديقتها ماجدة الخطيب دورا في فيلم «دلال المصرية» والتقت فيه مع المخرج حسن الإمام والذي يعتبر صانع النجوم وعرض عليها المخرج اللبناني سمير الغصيني بطولة فيلم «قطط شارع الحمراء»... وطوال هذه الفترة كان زوجها الأول رجل الأعمال محمود الريس يلهث وراءها ويدعم مسيرتها، غير أن تدخلاته في عملها زادت بشكل مبالغ فيه، ما أثار غضبها، لدرجة أنها كانت تشعر بأنه يفرض عليها وصاية، ففضلت أن تعتزل التمثيل بسبب غيرته عليها.
بعد ذلك طلبت مديحة من زوجها الطلاق... وبالفعل وبهدوء شديد تم الطلاق بعد زواج دام 3 سنوات، وكانت ثمرته الابنة الوحيدة لمديحة كامل.
نجمة شباك
في بداية حياتها الفنية لم تكن مديحة مطلوبة، وكثيرا ما كانت تنتظر المخرجين لأن يدقوا بابها، كما كانت تنتظر مسؤولي التلفزيون أن يتصلوا بها للمشاركة في أحد أعماله، وكثيرا ما امتد انتظارها لمدة أشهر، وكانوا دائما يقولون لها إنها ليست نجمة شباك، ويعد مجازفة حقيقية إسناد دور البطولة لها في أي فيلم، ومع ذلك استطاعت مديحة كامل أن تتحول إلى نجمة من نجمات الصف الأول في السينما المصرية، فقد كانت لديها الموهبة وظلت تعمل بدأب وإصرار حتى استطاعت أن تكتسب جمهورا عربيا على نطاق واسع، وبدأ يهتم بأخبارها وأدوارها، واكتسبت الحق في أن ترفض أعمالا أخرى.
نجومية وتألق
شاركت مديحة كامل في بطولة نحو 75 فيلما، وكان من أهمها فيلم «الصعود إلى الهاوية» المأخوذ عن قصة الجاسوسة المصرية «هبة سليم» العام 1977 من إخراج كمال الشيخ، وقد نالت عنه جوائز عديدة، وكانت مديحة ترى أن الجوائز تبقى للأولاد والأحفاد، أما الجائزة الحقيقية في رأيها فهي حب الجمهور.
أحسن ممثلة
وفي فيلم «بريق عينيك»... الذي لعبت بطولته أمام نور الشريف وحسين فهمي وليلى حمادة وأخرجه محمد عبد العزيز... حصلت مديحة كامل من هذا الدور على جائزة أحسن ممثلة، كما مثلت فيلم « درب الهوى» مع يسرا والفنان الراحل أحمد زكي وإخراج حسام الدين مصطفى، وقدمت فيلم «عيون لا تنام» مع فريد شوقي وأحمد زكي وإخراج رأفت الميهي، وفي التلفزيون شاركت في بطولة فيلم «الأفعى» مع المخرج حسن حافظ... وعرفها جمهور الشاشة الصغيرة من خلال هذا الدور ولاقت شهرة واسعة وشاركها في البطولة عفاف شعيب ويوسف شعبان وسعيد عبد الغني.
في العام 1978 لعبت بطولة فيلم «امرأة قتلها الحب»، وكان هذا الفيلم من إنتاجها.
وفي المسرح شاركت مديحة في بطولة 6 مسرحيات، منها مسرحية «لعبة اسمها الفلوس» مع سعيد صالح، وشاركت أيضا في مسرحيات «هاللو شلبي» و«يوم عاصف جدا»،و «هنا لندن» و«الجيل الصاعد» و«حكاية جميع يوم»، وفي العام 1992 وقبل الاعتزال مباشرة صورت فيلما بعنوان «صاحب السعادة الصعلوك» ... مع أحمد زكي وإخراج نادر جلال.
اعتزال
وفي الوقت الذي كانت تصور فيه مديحة كامل فيلم «بوابة إبليس» مع المخرج عادل الأعصر... قررت الاعتزال وتحديدا في شهر أبريل العام 1992، ما اضطر المخرج إلى الاستعانة بدوبليرة لاستكمال مشاهد مديحة كامل.
وجاء قرارها بالاعتزال بعد أن استسلمت للنوم عقب صلاة الفجر، بعد رؤيا منامية دفعتها إلى اتخاذ القرار الصعب، فقد رأت شخصا يتقدم إليها ويلبسها رداء أبيض فضفاضا وينظر إليها بحنان ويهمس لها: «لقد آن الأوان يا مديحة».
في هذا الليلة... لم تعرف مديحة النوم، وعند صلاة الفجر أخذت القرار فحملت ملابسها وحقائبها وابنتها وتوجهت إلى الإسكندرية مسقط رأسها واتصلت بإحدى صديقاتها وقالت لها في هدوء: «أبلغي الناس اعتزالي الفن للأبد».
وفي آخر حديث لها قالت عن أسباب اعتزالها: لقد قرأت ذات يوم حديثا عن الرسول «صلى الله عليه وسلم» يقول فيه «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»... وتوقفت طويلا أمام هذا الحديث، وأدركت أن الله عز وجل يحب لعباده أن يكونوا أقوياء وقررت أن أكون قوية، والقوة هي... أن يفكر الإنسان في الحياة، ويعرف ما هي وما أقصى شيء فيها، وما قيمة النجاح والشهرة والنجومية، وما قيمة العطاء والحب الخالص، والفرق بين القيمتين أظنه واضحا وضوح الشمس... لهذا انسحبت من العمل بالفن.
المشهد الأخير
وكان المشهد الأخير في حياتها بعد الاعتزال... حيث انسحبت مديحة كامل واختفت نهائيا عن الأنظار والأضواء، وتفرغت للعبادة، ورعاية ابنتها الوحيدة، وإدارة مصنع التريكو الذي كانت قد افتتحته قبل الاعتزال للفن، واحترم الجميع رغبتها في عدم الظهور على الساحة الفنية، وعدم التقاط الصور لها بالحجاب ولم تظهر في وسائل الإعلام طوال الأعوام الخمس الأخيرة من حياتها إلا مرة واحدة ولظرف طارئ، وذلك عندما ترددت مقولة أنها تزوجت من الداعية الإسلامي الشيخ ياسين رشدي... لذا تحدثت مديحة لتنفي ذلك ثم عادت للاختفاء مرة أخرى.
تغيير كامل في شخصيتها
أما عن حياتها الشخصية فقد تزوجت مديحة كامل 3 مرات: والد ابنتها محمود الريس وهو رجل أعمال، ثم المخرج السينمائي شريف حمودة ... وأخيرا زواجها من محامٍ شهير، وبعد أشهر قليلة من إشاعة زواجها بدأ الألم يسكن جسدها ودخلت المستشفى في رمضان العام 1995 وبعد تحسن صحتها قليلا... غادرت المستشفى وعادت إلى بيتها، وفي هذه الفترة... أكد المقربون منها أنها تغيرت كثيرا بعد الاعتزال وارتداء الحجاب... وصارت أكثر هدوءا وطمأنينة وصارت تحب الهدوء والصمت... تتأمل لفترات طويلة... وفي الأسابيع الأخيرة زاد اهتمام مديحة كامل بالأصدقاء وجميع زملائها وكانت تتصل بهم وإن كان الإرهاق قد بدأ يظهر عليها ولم تكن تشكو من آلام المرض، بل كانت تخفي عن المحيطين بها وزملائها حقيقة مرضها وتقول «إن هناك آخرين مرضهم أخطر بكثير من مرضها، وأن ما أصابها شيء عادي وبسيط قد يصيب جميع الناس».
دعوة مستجابة
وفي المشهد الأخير من حياتها قالت مديحة للمحيطين بها في أيامها الأخيرة: إن النهاية قريبة... كانت في جميع صلاتها تدعو الله أن يكون رحيلها عن الدنيا في شهر رمضان... حيث إن رمضان هو الشهر الذي شهد أهم تحولات حياتها، ففيه ظهرت، وفيه نجحت، وفيه بكت أيضا أمام الكعبة، وفي هذا الشهر... انسحبت وتوارت عن الأضواء وراء الحجاب، واعتزلت التمثيل وتركت كل شيء إلا ابنتها «ميرهان»... وفي رمضان من كل عام كانت تستعد للرحيل... فرحلت فيه بالفعل واستجاب الله لدعائها... وفي أيام رمضان العام 1997 تحققت أمنية مديحة كامل ورحلت - وهي نائمة في فراشها - بعد أن تناولت السحور وصلت الفجر، ونظرت تتأمل اللوحة التي أمامها وكتب فيها «ورحمتي وسعت كل شيء»... وأغمضت عينيها واستغفرت ربها، ورحلت وعلى وجهها ابتسامة، ولا شيء يشغلها سوى ابنتها التي دعت الله أن يرعاها.
سر التوبة
أما قصة توبة مديحة كامل وهي التي تمثل المشهد الأخير في حياتها فترويها ابنتها الوحيدة ميرهان... حيث تقول: «كانت خالتي بالنسبة لي بمثابة الأم الحنون، وزوج خالتي رجل فاضل وأولاد وبنات خالتي... كانوا يكنون لي الحب الصادق، وحينما كبرت أحببت أسرتي جدا، وكانت خالتي وزوجها يداومان على صلاة الفجر وإيقاظ أبنائهما ليؤدوا الصلاة في جماعة، وحرصت على الوقوف معهم وتقليدهم منذ أن كان عمري 5 أعوام، وكان زوج خالتي حافظا للقرآن الكريم وكان يعتبرني أحد أبنائه، وفي الأعياد كانت تزورنا سيدة جميلة حاملة الكثير من الهدايا لي، وكانت تحتضنني وتقبلني، فأقول لها: شكرا... فتقول لي ضاحكة لا تقولي طنط... وقولي دودو».
وتواصل ميرهان روايتها: « وعندما بلغت السابعة علمت أن ( دودو ) هي أمي... وأن عملها يستغرق جميع وقتها، ولذلك اضطرت أن تتركني عند خالتي، وفي يوم عيد ميلادي الـ 12... جمعت أمي حقائبي واصطحبتني إلى بيتها، كان بيت أمي أنيقا فسيحا في منطقة المهندسين بالجيزة.، وكان لديها حشد من الخدم والحرس والمعاونين، وكان جميع من يحيطون بها يتسابقون لتلبية أوامرها وكأنها ملكة متوجة، وبالرغم من جميع مظاهر الثراء المحيطة بي... إلا أنني شعرت بالغربة، وأحسست كأني في جزيرة منعزلة في قلب المحيط، وبالرغم من أن أمي كانت تلاطفني وتداعبني في فترات وجودها القليلة بالمنزل إلا أنني كنت اشعر بين أحضانها أنني بين أحضان امرأة غريبة عني... حتى رائحتها لم تكن تلك الرائحة... التي كنت أعشقها بين أحضان خالتي... كانت رائحة أمي مزيجا من رائحة العطور والسجائر ورائحة أخرى غريبة علمت فيما بعد أنها رائحة الخمر.
تحكي الابنة عن ثورتها بعد أن رأت أخر آفلام أمها الذي ثارت حوله أزمة في الصحف وجدت أنه يحوي قدرا كبيرا من مشاهد الشذوذ الجنسي، وكان ذلك سببا في ثورتها على أمها، ولكنها ذهبت لتصلي في أحد المساجد وتدعو الله... وأحست أن الله استجاب دعاءها وعندما عادت إلى منزل أمها قبلت يدها، وفي ذلك الوقت أحست أن أمها قد تغيرت، وأن قلبها بدأ يلين لنور الإيمان، ثم دعتها الابنة لمجلس علم في منزل إحدى الفنانات المعتزلات، وطلبت من ابنتها أن تصلي بها... وعندما قرأت القرآن في الصلاة، بدأت مديحة في البكاء، وأخذت تصارحها، أنها لم يكن يشدها إلى الحياة سوى المال والشهرة وقصص الحب وكان ينتابها إحساس غريب... حيث كانت تشعر وهي في قمة المجد بأنها أيضا في قمة الوحل.
وقد صدقت مديحة كامل وعدها، ولم تخذل ابنتها، وأصبح شغلها الشاغل العبادة والاستغفار والعطف على الفقراء والدعاء ليل ونهار بأن يقبض روحها في شهر رمضان.
وبعد أعوام عدة من اعتزالها التمثيل... وفي يوم من أيام رمضان انتقلت روحها الطاهرة إلى بارئها وكانت صائمة قائمة... فجاء المشهد الأخير من حياتها رائعا، ولولا ميرهان... ربما ما كانت مديحة اعتزلت وارتدت الحجاب، واستغفرت الله على بعض ما قدمته في أفلامها.
وصدق من قال: «ورحمتي وسعت كل شيء».