الأوضاع «مو زينة»... لكنها لا تنبئ بأزمة «نظامية» في البنوك

1 يناير 1970 06:56 م
لا تدعو متابعة البورصة هذه الأيام إلى ارتياح غالبية المسؤولين المصرفيين. فالكلام المعتاد من قبيل أن «المصارف الكويتية قوية وقادرة على امتصاص خسائر الأسهم» لم يعد سهلاً طرحه بثقة مع انزلاق أسعار الأسهم المدرجة إلى مستويات تاريخية لم تسجلها منذ أكثر من 10 سنوات. الشعور بالرهبة قائم، لكنها ليست أجواء 2008 بالتأكيد، فجهود سبع سنوات من التحفظ وتجنيب المخصصات قد يؤتي ثماره الآن.

من حيث المبدأ هناك تقاطع في آراء المعنيين بأن القطاع المصرفي الكويتي لا يزال متيناً، بفضل الجهد الكبير الذي بُذل على مدى السنوات الماضية لتنظيف الدفاتر وتدعيم القواعد الرأسماليّة والاحتياطات. لكن انخفاض أسعار النفط وسخونة التطورات الجيوسياسية السلبية التي تزاحمت خلال الأسبوعين الماضيين، وتراجعات الأسهم، بدأت ترسم السؤال: إلى أي مدى يمكن لمصدات البنوك الكويتية أن تواجه هذه التحديات، خصوصا إذا استمرت الأسهم في تسجيل مزيد من الخسائر لفترات طويلة؟

الملاحظة الأولى التي يسجلها مسؤولو المصارف هي وجود اختلاف كبير بين انعكاسات أزمة 2008 على أداء البنوك المحلية، وتداعيات الوضع الحالي. فقبل سبع سنوات لم تكن الماليّة العامّة تحت ضغط العجز الذي تواجهه حالياً، إذ إن تراجعات أسعار النفط لم تستمر حينها سوى لأشهر قليلة عادت بعدها للارتداد إلى ما فوق الـ 140 دولاراً. أما اليوم فيتزامن هبوط أسواق الأسهم عالمياً ومحلياً مع انهيار أسعار النفط والتوقعات بتسجيل عجز كبير في الميزانية العامة، ما يجعل الحكومة تحت ضغط التقشّف وضبط النفقات، ويغل يدها عن التوسع في السياسات المعاكسة للدورة الانكماشية (counter-cycle).

وفي تقدير المصرفيين أن الحكومة أمام خيارات دقيقة في ما يتعلق بالسياسات الاقتصاديّة. فهي من جهة مطالبة بتقليص العجز، في وقت تدرك فيه أن تخفيض الإنفاق الحكومي، وتباطؤ تنفيذ مشاريع البنية التحتية سيترك بلا شك أثراً على الاستهلاك المحلي، وربما يزيد عمق تداعيات الأزمة الحالية على البنوك التي تعاني أصلا من تراجع نشاط الأعمال.

الانكشاف على الأسهم

وما يزيد من التكهنات المتشائمة، استبعاد تدخل الحكومة لدعم استقرار سوق الأسهم وسط العجز الذي تواجهه، ما يجعل البنوك الكويتية عرضة أكثر للانكشاف على بعض الأسهم مع استمرار التقلبات في أسواق الأسهم خصوصا على التركزات العالية.

ويعتقد مسؤولون مصرفيون أن البنوك ليست قلقة على الملاءة وكفاية رأس المال، بعد أن دعمت مستويات الرسملة بما يكفي وفقا لمعايير اتفاقية «بازل 3»، لكن تراجع الأسهم يمكن أن يترك أثراً على معدلات الربحية، إذا ما وجدت البنوك حاجة إلى التحفّظ، وتدعيم المخصصات العامّة، وتقليص التوزيعات عن العام الماضي، لمواجهة انخفاض قيم الرهونات واحتمالات تفاقم السلبيات في سوق المال مستقبلاً.

لكن البنوك توازن على الأرجح بين الحاجة إلى التحفّظ والرغبة بإعطاء إشارة إيجابية للسوق لئلا تتعزز أجواء القلق.

وإلى ذلك، لا تنكر البنوك أنها ستواجه تحديا في الفترة المقبلة في الحفاظ على زخم نمو أعمالها والتي اعتادت عليها وتخطط لرفعها، مع تراجع ملاءة غالبية الشركات إن لم يكن جميعها. فبعد أزمة 2008 فقدت العديد من الشركات ما تبقى عليها من شحوم، ومن ثم التراجع عن خططها الاستثمارية التي يمكن ان تغذي طموح البنوك المحلية في تسجيل نمو مستدام، اقله في السنوات القريبة، والمشكلة ستتفاقم أكثر إذا تخلت الحكومة عن انفاقها الاستثماري وتراجع الاقراض الشخصي.

إلا أن مسؤولي البنوك الكويتية يبدون ارتياحاً نسبياً لأن المصارف حققت تقدماً كبيراً في ما يتعلق بتحسين جودة أصولها خلال السنوات الماضية ورفع قيم مخصصاتها المكونة وتحديدا الاحترازية إلى مستويات عالية جدا، وتراجع نسبة القروض المتعثرة إلى نحو 3 في المئة من إجمالي القروض خلال 2015 ـ 2016 بالمقارنة مع 4 في المئة في نهاية 2014، والتي بلغت ذروتها في 2009 لتبلغ 10.2في المئة.

بالطبع ترى بعض البنوك المحلية أن الوضع أصبح غير مشجع على التفاؤل، لكن في الوقت نفسه تشير إلى أن التطورات السلبية التي تتعرض لها الأسواق الخارجية والمحلية ليست مفاجئة بالنسبة لها، بل كان متوقعا حدوثها، في ظل بدء تراجع استمرار النفط وتحديدا من العام الماضي، ومقابل ذلك انتقلت البنوك إلى سيناريوهات بديلة اكثر حذرا، وهذا بدا واضحا في اختبارات الضغط التي أجرتها، لا سيما وأن كسر أسعار النفط لحواجز متتالية من المقاومة تزامن مع اضطراب الاسواق الاسيوية، والبيانات الضعيفة الصادرة من الصين، وأخيرا قرار مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة، وما ترتب على ذلك من قرارات استثمارية ليس أقلها سحب بعض الأموال من الأسواق الناشئة طمعا في العوائد الأعلى المحققة مع رفع الفوائد الأميركية والتوقع بموجة ثانية من الرفع.

المخصصات

وأكدت هذه المصادر أن بعض البنوك انشغلت في الأشهر الماضية في تقوية أوضاعها مع عملائها، مستغلة ارتفاع مستويات المخصصات الاحترازية التي كونتها خلال السنوات الماضية بفضل سياسة بنك الكويت المركزي التي أثبتت حكمتها اليوم، رغم مقاومة بعض البنوك العنيفة في السابق لسياسة بناء مزيد من المخصصات الاحترازية، مبينة أن نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة في البنوك الكويتية بلغت خلال العام الماضي نحو 172 في المئة على أساس مجمع، فيما تراجعت درجة انكشاف القطاع المصرفي على شركات الاستثمار إلى 2.8 في المئة من إجمالي الإقراض المصرفي، ما يعني أن البنوك وتحديدا التي انتبهت إلى المتغيرات الحاصلة في الأسواق لن تتعرض إلى أزمة استثنائية.

وإلى ذلك يرى مسؤول حكومي أن الأوضاع الاقتصادية «مو زينة»، لكن قراءتها من مختلف الزوايا لا يتضمن التنبؤ بحدوث أزمة نظامية، بل تفيد التوقعات المدروسة بأن المصارف الكويتية لا تزال بعيدة جدا عن مرحلة الأزمة النظامية، لكنه رهن تفادي ذلك باستمرار الإنفاق الحكومي القوي بالإضافة إلى النمو في القطاعات غير النفطية التي أكد على أنها تعد محركات أساسية للقطاع المصرفي، أما إذا تراجع الإنفاق الحكومي فمن الطبيعي أن يمرر الأثر المحقق على المالية العامة بفضل تراجع أسعار النفط إلى الاقتصاد، ووقتها ستتأثر البنوك، ومن صور ذلك تراجع مستويات الودائع الحكومية وارتفاع كلفتها على المصارف، وهنا تكمن مشكلة النظام المصرفي الحقيقية، الذي يعتمد على الودائع كمصدر رئيس للتمويل.

ومن عوامل الدعم التي تعول عليها البنوك مستقبلا في تقوية رسملتها، مساحة الاقتراض الواسعة التي تتحدث عنها الحكومة لتغطية العجز المتوقع في الميزاينة العامة للدولة، وبخلاف ذلك ستتزايد حالة عدم اليقين بشأن أداء الاقتصاد المحلي، لا سيما وأن دائرة الأثر السلبي قد تتسع على أسواق أخرى وفي مقدمتها العقارية التي تمثل المكون الثاني لجهة الأهمية في محفظة ضمانات البنوك.

«المركزي» كان على حق!



ليس مجافاة للموضوعية القول إنه يحسب لبنك الكويت المركزي أنه المسؤول الأول عن تدعيم قدرة البنوك الكويتية ورفع مقدرتها في مواجهة أزمة الأسهم الحالية، وذلك بالعديد من الإجراءات الوقائية والاستباقية التي استهدفت تحصين القطاع المصرفي، وهو الأمر الذي ينسحب أيضا على تعامل «المركزي» مع أزمة 2008 وما قدمه من دور كبير أسهم في تحصين البنوك من التعرض لأزمة نظامية كان بعضها يقف على حافتها.

ولعل من أبرز هذه الإجراءات العمل على تدعيم القواعد الرأسمالية للبنوك وتعزيز المخصصات وزيادة معدلات كفاية رأس المال لديها، ما رفع قدرة القطاع المصرفي على مواجهة أي صدمات مهما كان مصدرها استنادا الى قاعدة بيانات ومؤشرات مالية شاملة لكل بنك على حدة، مع اجراء اختبارات الضغط المالي بناء على ثلاثة سيناريوهات لشدة التعرض للصدمات، عبارة عن معتدل ومتوسط وشديد، وبفرضية متغيرات سلبية في أهم مؤشرات الاقتصاد الكلي بما في ذلك المؤشرات النقدية والمالية وبما يغطي مختلف مخاطر العمل المصرفي التي قد تواجهها هذه البنوك ثم الأخذ بعين الاعتبار الآثار السلبية لتلك السيناريوهات على كل من الايرادات التشغيلية للبنوك والتراجع في قيمة أصولها.

وبالطبع لا تعني إجراءات «المركزي» أنها حمت البنوك بالكامل من أي مطبات مستقبلية او انها ستجعل المصارف الكويتية بعيدة عما يحدث في السوق المحلي وبورصات المنطقة والعالم، لكنه يمكن القول إنها رفع كفاءتها في التعامل مع الأزمات برصيد كبير من الإجراءات الاحترازية التي كونت لدى المصارف مستويات متراكمة من ضمانات الدعم في مواجهة الأزمات الاستثنائية، ما يستحق القول لـ «المركزي» ومحافظه ونائبه ومسؤوليه... كنتم على حق.

زووم



السبيل لتجنب مرور أثر تراجع النفط إلى الاقتصاد زيادة الإنفاق الاستثماري

تراجع زخم الربحية وتباطؤ نمو القطاع قد يغيران خطط التوزيع النقدي في 2016

دائرة الأثر السلبي على البنوك قد تتسع إذا وصلت الأزمة للعقار الذي يمثل خط الحماية الثاني