الابن سر أبيه
المصمم حنا توما وابنته شيرين ... يتكاملان كشفرتي مقصّهما / 3
1 يناير 1970
11:32 ص
| بيروت - من هلا داغر |
يحمل الابن - في بعض الاحوال - الكثير من سمات الاب، وبخاصة في المجالات الابداعية، سواء في الادب او الفن او حتى الرياضة، كما ان الابن من الممكن ان يكتسب بعض صفات الاب، من خلال حب وظيفة محددة، او الاندماج في هواية بعينها، وبهذه الطريقة ينطبق على المثل الذي يقول «ابن الوز عواد».
وقد يستمر الابن في تتبع خطوات والده في الحياة، من خلال المضي قدما في طريقه الذي قضى فيه الوالد سنوات، والالتقاء معه في سرية ذاتية ربما تتوافق في الكثير من اشكالها.
وفي حلقات «الابن سر ابيه» سنتوقف عند سير ابناء تتبعوا خطوات الآباء، فأبدعوا سواء في الفن او الأدب او الرياضة او الصحافة، من اجل الوقوف عند جوانب الابداع عند الاب والابن معاً.
يمكن القول أن مصمم الأزياء حنا توما وابنته شيرين هما كشفرتي المقص الذي يستعملانه في عملهما. ويصح فيهما القول ان «هذا الشبل من ذاك الليث». يتوافقان ويتجانسان ولكن بعد جدال وتبادل في الرأي، فيمنح أحدهما الآخر ميزة مكملة.
حنا توما منح شيرين الكثير من المزايا لعل أبرزها قوة التقنية والاهتمام بأدق التفاصيل، أما هي فبعثت فيه روح التجديد والشباب. وبلسانه يقول «أكملتني وجددتني وأعطت أزيائي نفحة جديدة». بأفكارها المتطورة قلبت المشغل رأساً على عقب، وبذهنها المواكب للعصر جعلت اسم حنا توما يصل الى أقاصي الأرض.
يروي توما أنه لم يدرك مدى رغبة شيرين في دخول ميدان تصميم الأزياء الا بعد أن فرغت من دراسة الهندسة الداخلية: «بعد تخرجها من الجامعة قالت لي (أريد أن امتهن تصميم الأزياء بعد أن نزلت عند رغبتك في دراسة الهندسة) فقلت لها أن تجرب العمل بعد أن أعطيتها مهلة سنة، فان أحبت تكمل والا فلتعد الى اختصاصها، ذلك أن من لا يحب هذه المصلحة لا يمكن أن ينسى نفسه فيها. يجب أن ينسى نفسه فيها ليكون عطاؤه صحيحاً».
برأي والدها، شيرين تتمتع بموهبة عالية في الرسم قبل أن تدرس الهندسة: «منذ أن كانت في الصفوف الثانوية رسمت لي تصاميم لفساتين عرس اخترت منها واحداً لعروس في مصر. بعد تخرجها في الهندسة الداخلية درست الـModelism في معهد (أزمود) المتخصص في بيروت أي خياطة الأزياء. ولم تدرس تصميم الأزياء لأنها تمتلك موهبة عالية فيه. تتمتع بقدرة مميزة في تركيب الألوان وتنسيق الأقمشة. شيرين أكملتني وجددتني. أعطت حنا توما نفحة جديدة، ومنحت أزيائي روحاً شبابية. حين بدأت العمل معي كانت زبوناتي بدأن يتقدمن في السن. ولكن وجودها معي جعل عمر العديد منهن ينخفض الى السابعة عشرة والثامنة عشرة».
ماذا أعطى الأب لابنته في المهنة؟ تجيب شيرين هنا «كل الأمور التقنية. أي عرض أزياء لا يتم، الا بوجوده. قصات الفساتين والتقنية وتنسيق المقاسات».. ويضيف الأب على قولها «ان العمل يكمل بعضه. يجب أن أعرف كيف ستكون عليه كل قطعة قبل أن أفصّلها. أولي أهمية قصوى للمسة الأخيرة في كل قطعة بحيث تتمتع بالسلاسة ولا تكون مركبة تركيباً».
اما شيرين فتقول عن والدها انه يدقق في التفاصيل: «في مشغلنا رفعنا شعار (الخياطة هي قمة التفاصيل)، وأنا بدوري أخذت عن والدي هذه الميزة. دقة ملاحظتي للتفاصيل الصغيرة في كل تصميم قبل وبعد تنفيذه، لا يمكن أن أتساهل في تمرير أي خطأ حتى لو كان نصف السنتيمتر في المقاس مثلا»ً. ويثني الوالد فيضيف أن لشيرين هنا «عيناً ثاقبة».
عند البدء بالتحضير لمجموعة من الأزياء في كل موسم، كيف يكون التعاون ومن أين يبدأ، وهل تشمل المشاركة كل الأمور؟ يجيب المصمم توما أن «شيرين هي التي تبدأ باجراء الأبحاث، فيما أنا أكون منصرفاً الى تلبية الزبائن. والتحضير كما تضيف شيرين يكون على مرحلتين: في حال لم نختر موضوعاً نبدأ بوضع العديد من الرسوم ثم نختار مجموعة منها ونؤلف منها موضوعاً، وفي حال اختيار موضوع لمجموعة الأزياء نبدأ باجراء الأبحاث في الانترنت أو من خلال السفر أو الاطلاع على المراجع ثم المباشرة بوضع الرسوم، بعدها نضع النقاط الأساسية ثم نبدأ بوضع نماذج عن التطريز والبحث عن الأقمشة اما من السوق اللبنانية أو من الخارج». ويشير توما هنا الى أن «الأقمشة بالتأكيد تكون من ضمن الموضة العالمية لأن معامل الأقمشة تطرح الأقمشة والألوان في كل موسم، ومن غير الطبيعي أن نبقى خارج سرب الموضة العالمية».
هل تختلفان في بعض النقاط والخطوات، ومن يغلب الآخر؟ عن هذا السؤال يجيب توما «أنا أغلب شيرين بالتقنية، فيما هي تغلبني بالأفكار والابتكارات. لذلك في البداية كنا نتجادل، أما اليوم فأسلم لها بهذه الميزة لديها. بعد عروض أزياء عدة قدمناها معاً، لاحظت أن الجمهور والزبائن بدأوا يعجبون بذوق شيرين أكثر من ذوقي. ربما أنا كبرت في السن، وربما أفكاري باتت قديمة. جاءت شيرين وجددت روحية خطي في الأزياء فلم لا أطلق العنان لعملها ومخيلتها؟».
شيرين من جهتها تقول ان الاختلاف في أسلوبي العمل بينها وبين والدها كان في البداية «لاننا لم نكن نقدم عروض أزياء ولم نهتم لها، ذلك ان الوالد كان معروفاً في الدول العربية ولدى كبار الزبائن ولم يكن يملك الوقت لتنفيذ عروض أزياء. أنا اعتبرت أنه صحيح أن لدى الوالد طبقة معينة من الزبائن ولكن ثمة شريحة كبيرة جداً من الناس لا تعرف أعماله. من هنا فكرت في اطلاق اسمه في وسائل الاعلام، ومن خلال المشاركة في عروض الأزياء المحلية والعالمية وتعريف كل الناس به وبأزيائه. باختصار، حان الوقت لاتخاذ هذه الخطوات، أي الدخول في تركيبة التسويق والانطلاق الى الدوائر الأوسع في لبنان والعالم ليتعرف الناس الى أسلوب حنا توما. حين بدأنا بعروض الأزياء، تلقى والدي العديد من رسائل التهنئة من فنلندا ونيوزيلندا والهند واليابان واستراليا. تلقينا رسائل الكترونية من أشخاص لا نعرفهم بتاتاً ومن دول لم نكن نعتقد أنها تهتم، وهذا دليل الى أن الناس أعجبت بتصاميمنا. العصر هو عصر الانترنت ووسائل الاعلام وكان لا بد من دخوله والا كنا تخلفنا عن سوانا من المصممين، وبقينا متقوقعين في مشغلنا».
ويقول توما «هذا الأمر أعطاني دفعاً قوياً وحماسة كبيرة للعمل. عرضنا في مونتينيغرو بدعوة من الدولة هناك قبل سنتين من تصوير فيلم جيمس بوند في هذا البلد، وفي العام الماضي أيضاً قدمنا عرضاً في بلغراد بدعوة من الدولة. وتلقينا أخيراً دعوة من استراليا لتقديم عرض أزياء في فبراير المقبل».
يرى حنا توما استمراريته في شيرين وكذلك «في شقيقتها شيرلي لو كانت موجودة في لبنان (مقيمة في أبو ظبي). أراني مستمراً من خلالهما لأنهما صاحبتا ذوق رفيع. والأزياء بطبيعة الحال تتطلب رقياً، فضلاً عن أن شيرين وشيرلي تعطيان العمل حقه، وتتم اختياراتهما للأقمشة والألوان والموديلات وفق احساسهما وذوقهما لأنهما يتبعان شعورهما، وخصوصاً أن شيرين لا تتجنى على المهنة أو تتعدى عليها لأن الفن في دمها منذ صغرها. علماً أنها لم تتخل عن الهندسة الداخلية».
تتدخل هنا شيرين فتقول ان دراسة الهندسة أفادتها الى حد بعيد لأنها علمتها الأبعاد والنسب الهندسية وكيفية مزج الألوان والرسم، التجربة في الهندسة أفادتني في التطبيق في الأزياء.
ويقول توما ان تصميم الأزياء هو فن راقٍ: «لا يمكن أحداً أن يدعي الفن. في عائلتي أشقائي لا يحبون تصميم الأزياء. والدتي لم تكن تخيط بل كانت تحيك الصوف والكروشيه وكذلك شقيقاتي، فكنت أحب عملهن. شيرين عاشت منذ صغرها أجواء الخياطة لانني كنت أعمل في المنزل، حتى شيرلي لدي صورة لها وهي في الثالثة من عمرها تمسك بابرة وخيطها وتحاول غرزها في قماشة. الجو فرض نفسه، وحاولت بصراحة ابعادهما وتحييدهما عن هذا الجو لأنه متعب والوقت ليس ملك الخياط والمصمم. وتروي شيرين «والدي كان يرسم الموديلات وكنت أشاهد العمل خطوة خطوة ونحن نستمع الى صوت السيدة فيروز وأغانيها. وقد تعرّفت الى السيدة أم كلثوم من والدي الذي كان في السهرات التي يمضيها وهو يعمل متأخراً يستمع الى أغانيها، وكانت تعيد المقطع مراراً وتكراراً. في ظل هذه الأجواء نشأنا، وكل هذه الأمور جعلت أحاسيسنا مرهفة. والموسيقى تنسي الانسان الوقت وتجعله في صفاء روحي وذهني وبالتالي قادراً على العمل والعطاء».
ويختم حنا توما بأن المهنة في أحيان كثيرة تجري في عروق الانسان ودمه: «وفي دم شيرين يجري الفن والابتكار. لقد ورثته عني فضلاً عن موهبتها العالية».