الحريري على مبادرته وفرنجية يثق بنصرالله وجعجع يستعدّ لاستقبال عون وربما لترشيحه

لبنان يختبر استقراره في... 4 محطات

1 يناير 1970 02:02 ص
يتّجه لبنان في الأسبوع الطالع نحو اختبار المساعي الحثيثة المبذولة لـ «تبريد» المناخ السياسي، الذي كان بلغ ذروة حماوته مع وهج التوتر الايراني - السعودي غير المسبوق وانعكاسه على شكل تهديدات صريحة وجّهها «حزب الله» لزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري عبر التلويح بمنْعه من العودة الى بيروت، وهو ما اعتُبر ايضاً بمثابة إطلاق «رصاصة الرحمة» على المبادرة الرئاسية للحريري التي قضت بترشيح زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، في اطار تسويةٍ القصد منها إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية الممتدّ منذ نحو 20 شهراً.

وتشكل أربع محطات متوالية ميدان اختبارٍ لمساعي التهدئة، التي أدارها رئيس البرلمان نبيه بري، في ملاقاة حرصٍ خارجي على عدم تعريض لبنان لاهتزازات قاسية من شأنها المغامرة باستقراره الهشّ، وهذه المحطات هي: المشاركة اللبنانية في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب اليوم في القاهرة للتضامن مع السعودية في مواجهة السياسة الايرانية في المنطقة. يوم الحوار الماراثوني غداً الاثنين، والذي يبدأ بطاولة الحوار الوطني وينتهي بجولة بالغة الحساسية من الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، اضافة الى الموقف من الجلسة الحكومية التي دعا الى انعقادها الرئيس تمام سلام يوم الخميس المقبل.

ورغم ان المعلومات تحدّثت عن تفاهم بين الرئيس سلام ووزير الخارجية جبران باسيل، الذي سيمثل لبنان في اجتماع القاهرة، على صوغ موقف يحضّ على دعم جهود التهدئة بين طهران والرياض وعدم الخروج عن مناخ التضامن، فان الأنظار تتجه الى ما ستكون عليه إدارة الموقف اللبناني في مقاربة المطالب السعودية المدرجة على الطاولة، نظراً لتموْضع باسيل في تحالفٍ يقوده «حزب الله»، الذي كان شنّ امينه العام السيد حسن نصرالله هجوماً نارياً على المملكة وقيادتها. علماً ان وزير الخارجية تطرّق الى موقف لبنان من الأزمة السعودية - الايرانية فأشار الى «أنّ الموقف الدائم في لبنان هو التقيّد بالشرائع الدولية بمعنى أن لبنان يقوم على الديموقراطية والحريات العامة ولا يوافق إطلاقاً على أي قمع لها، فكيف الحال بقتل أو بإعدام أي معارض سياسي، إلا أنه في الوقت ذاته لا يتدخّل في شؤون الدول»، معتبراً «انّ لبنان يدين ويرفض الاعتداء على أي بعثة ديبلوماسية أو قنصلية ويستنكر التعدي على طواقمها ويطالب باتخاذ الإجراءات بحق المخالفين، إلا أنه في الوقت نفسه يعتبر أن أموراً كهذه إذا حصلت من خارج إرادة السلطات المعنية وتمّ اتخاذ ما يلزم من قبلها، فإنّه يمكن تخطّي الأمر إلى الاعتبارات الكبرى التي تبقى محاربة الإرهاب، وبذل كل الجهود لذلك، ولا سيما تخفيف كل التوترات، وعلى رأسها التوتر السني - الشيعي».

وتبعاً لذلك، فاذا تمكّن لبنان، الواقع فوق فالق الزلزال الايراني - السعودي الذي تعصف ارتداداته في أرجاء المنطقة، من عبور محطة القاهرة غداً بأقلّ أضرار ممكنة، فان من شأن ذلك المساعدة في إشاعة مناخ أقلّ تشنجاً على طاولة الحوار الوطني التي تشكل «المكان الوحيد» الذي يجمع الأفرقاء اللبنانيين على اختلاف تموْضعاتهم الداخلية والاقليمية، وخصوصاً بعدما دبّ الفراغ والشلل في مؤسسات الدولة الجامعة كرئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان.

وتأتي جلسة الحوار الوطني، التي يديرها بري، في ظلّ اقتناعٍ شبه حاسم بأن بندها الاول المتمثل بانتخابات رئاسة الجمهورية أصبح في «خبر كان»، بعدما أجهض «حزب الله» فرصة وصول المرشح الأكثر التصاقاً به، اي فرنجية، الى الرئاسة، الامر الذي كشف عن قرار استراتيجي للحزب بالاستمرار في «تعليق» الانتخابات الرئاسية في انتظار ظروفٍ تتيح له فرض قواعد جديدة في إدارة الحكم في لبنان.

ورغم ان الحريري كسب بالنقاط من خلال ذهابه الى تجرُّع كأس ترشيح حليف «حزب الله» كثمنٍ لفكّ أسر الرئاسة الاولى، فإن التصدّعات التي أحدثتها مبادرته لم تنته فصولاً، وخصوصاً داخل فريق «14 آذار»، والتي عبّرت عن نفسها باختيار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الانتقال في علاقته بخصمه المسيحي زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون من «إعلان النيات» الى تفاهمٍ أشمل قد يُتوَّج بدعم «القوات» لترشيح العماد عون للرئاسة.

وتحدثت التقارير في بيروت عن زيارة قريبة ينوي العماد عون القيام بها لمعراب (مقر جعجع)، تتويجاً لبلوغ مشاوراتهما الدائمة بالواسطة مرحلة اكثر تقدماً، لا سيما في شأن الملف الرئاسي، بعدما كان شكّل تناغمهما في رفض ترشيح فرنجية واحدة من العقبات الأساسية في وجه إسباغ حالٍ من التوافق المسيحي على خيار فرنجية الذي سقط بـ «الضربة القاضية» في ضوء الـ «لا» الكبيرة التي قالها «حزب الله».

ولم يكن واضحاً ما اذا كان جعجع، الذي اطمأنّ الى سقوط «ورقة» فرنجية، سيجعل من فرصة وجود عون في ضيافته مناسبة لاعلان دعم ترشيحه، ام ان استمرار التموْضعات الداخلية ذات الامتداد الاقليمي من شأنها جعل اللقاء خطوة في اتجاه تطوير التفاهم بين القوّتين المسيحيتين الأكبر من دون بلوغ حد «التطابق» في المشوار الرئاسي.

وكان لافتاً في غمرة المناخ عن لقاء قريب بين عون وجعجع في مقرّ الأخير ترويج اشاعة مساء الجمعة عن وفاة زعيم «التيار الحر» التي سارعت محطة الـ «أو تي في» الناطقة بلسان «التيار الحر» إلى نفيها وإعلان أن الموقع الذي نشر الخبر مزوّر، فيما نفت محطة «أل بي سي آي» ان تكون هي من سرب الخبر.

وجاء استقبال عون قبل ظهر امس، وزير الداخلية نهاد المشنوق ليبدد في الشكل «الغبار» حول صحة «الجنرال»، وليشكّل في الوقت نفسه تواصلاً مباشراً هو الاول على هذا المستوى بين «التيار الحر» و«المستقبل» منذ طرح الحريري خيار فرنجية الذي بات وعون «خصمين رئاسيين» ضمن فريق «8 آذار» وانقطعت «الشعرة» التي كانت تمنع انهيار علاقتهما بالكامل، وذلك بعدما اعتبر «الجنرال» ترشيح فرنجية لنفسه «خيانة»، علماً ان زعيم «المردة»، الذي سبب ترشحه بأزمة ثقة ايضاً بينه وبين «حزب الله»، قال رداً على سؤال لصحيفة «المستقبل» عن تقديره لموقف رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد من ترشيحه لرئاسة الجمهورية، «أنا أثق بكلام السيد حسن نصرالله، ونقطة على السطر»، مع الاشارة الى ان رعد كان وصف فرنجية بـ «الشخص» في معرض قطعه الطريق على مبادرة الحريري.

وكان لافتاً امس، ان المشنوق وغداة اعلانه ان الحريري «مستمر في ترشيحه النائب سليمان فرنجية، لكن عنوان هذا الترشيح هو التفاهم مع الآخرين، وبالتالي التواصل يحقق المزيد من التفاهم وتحديد أطر مستقبل البلد»، اكد بعد لقائه عون «أن الاستحقاق الرئاسي دولي وإقليمي والرئيس الحريري صادق بمسعاه لاجراء انتخابات رئاسية بحيث تصبح الصراعات داخل النظام وليس خارجه»، لافتاَ الى انه «من موقع المسؤولية الوطنية نفترض السعي إلى المزيد من تفعيل العمل الحكومي والسعي لاكتمال النصاب الدستوري».