رجال دين استنكروا إقرار البصمة الوراثية للمواليد والابتعاد عن الطرق الشرعية المثبتة في المذاهب الفقهية
نَسَبُ الـ D.N.A ... شرٌّ عظيم
| كتب تركي المغامس |
1 يناير 1970
03:46 م
• ناظم المسباح: يحتاج لفتوى جماعية وأن تتصدر فيه «الأوقاف» ليكون الرأي الشرعي واضحاً ويعتد به
• عبدالمحسن زبن: باب شر عظيم على الأمة وقد يسبب شبهات للعفيفات وسده واجب شرعي
• بدر الحجرف: يجب قصرها على القضاء وفي حالات ضيقة فالشرع بيّن لنا طريق النسب
• عبدالرحمن المطيري: في الزواج الشرعي لا يجوز مطلقاً حتى لا نفتح باباً نحن في غنى عنه
• ناصر شمس الدين: الشريعة أقرت إثبات أو نفي الأنساب بطرق محكمة منضبطة
بعيدا عن الجدل السياسي الذي واكب إعلان الوكيل المساعد لشؤون الجنسية والجوازات اللواء مازن الجراح عن تقييد إصدار جوازات السفر للكويتيين بالفحص الخاص بالبصمة الوراثية «DNA»، يبدو الأمر الأكثر تعقيدا في المسألة موضوع إثبات النسب لحديثي الولادة بالبصمة الوراثية، الأمر الذي استفز رجال الدين ودفهم للرد على هذا الاعلان الذي اعتبروه مخالفا للشريعة الاسلامية وتحقيق مقاصدها.
رجال الدين أكدوا ان الاستدلال على الانساب من خلال الشرع له طرق خاصة ومعتبرة لدى العلماء في المذاهب الفقهية مستنكرين تجاوز الشريعة في هذا الامر الذي سيفتح باب شر عظيم على المجتمع.
«الراي» فتحت ملف الجانب الشرعي لاثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية «DNA» مستقصية الرأي الشرعي في هذا الأمر والآثار التي يمكن أن يحدثها، واستطلعت رأي عدد من العلماء واساتاذة الشريعة في الموضوع فقال الداعية الشيخ ناظم المسباح «لا شك ان البحث في جواز استخدام البصمة الوراثية في اثبات النسب من عدمه امر كبير جدا ويحتاج الى ان يجتمع له علماء الامة لكي يؤصلوا فيه»، مبينا أنه لا يرى ان تكون الفتوى فيه فردية بل ان تكون جماعية من خلال المجامع الفقهية لانها قضية غاية في الاهمية.
وأضاف «موضوع اثبات النسب في الوسائل الحديثة عقدت له مؤتمرات واعدت فيه العديد من البحوث العلمية المحكمة والامر لخطورته يحتاج الى فتوى جماعية وان تتصدر فيه الفتوى اللجنة الشرعية في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ليكون الرأي الشرعي واضحا ويعتد به».
من جانبه قال الاستاذ في كلية الشريعة الدكتور عبدالمحسن زبن «ان اثبات النسب في الشرع له طريقان الاول الفراش والمقصود به ان يكون هناك زواج شرعي وتحمل المرأة من الفاحشة وبهذا ينسب الولد للزوج الشرعي ولا ينفيه ادعاء الرجل الزاني، والدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر)».
واضاف «اما الطريق الثاني، فهو اذا كان هناك ولد ضائع او فقد فيكون اثبات نسبه بالشهود وبالبينة، واما موضوع البصمة الوراثية او ما يعرف بـDNA شرعا لا يثبت شيئا ولا ينفيه وان اخذ بها تؤخذ للاستئناس في احوال ضيقة جدا وهي طريقة شرعا غير صحيحة، لافتا الى ان الشريعة الاسلامية تسعى الى تحقيق المقاصد الشرعية التي تحفظ فيها المجتمعات والانساب وحفظ الاعراض وعدم الطعن فيها ومثل هذا الباب ان فتح سيفتح باب شر عظيم على الامة وعلى الناس التي تستتر بستر الله وفتح هذا الباب يفتح الشر في القلوب من الشك والريبة والخطأ وارد في فحص البصمة الوراثية ما يترتب عليه اتهام للعفيفات وللرجال العفيفين وسد هذا الباب واجب شرعي».
بدوره قال الداعية الدكتور الشيخ بدر الحجرف ان اكثر أهل العلم على عدم جواز استخدام البصمة الوراثية او ما يعرف بـDNA في اثبات الانساب وتجاهل العمل بالجوانب الشرعية التي اقرها الدين الاسلامي في هذا الجانب، مبينا ان استخدام البصمة الوراثية لا يجب الا عن طريق القضاء وفي حالات ضيقة ولا يكون من اختصاصات جهات اخرى فشرعنا بيّن لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم ان «الولد للفراش» ونسأل الله ان يهدي من طرح هذا الطرح الى سواء السبيل.
ومن جانبه قال استاذ الشريعة الاسلامية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الخطيب في وزارة الاوقاف الدكتور عبدالرحمن المطيري أنه لا يجوز شرعا اجراء البصمة الوراثية في اثبات النسب في المطلق فالشرع بيّن ان «الولد للفراش وللعاهر الحجر»،موضحا ان البصمة الوراثية تدخل فيها الريبة والظنون ولا يؤخذ بها شرعا.
واضاف «فقد جاء شخص الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله ان امرأتي ولدت غلاما اسود واني انكرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من ابل؟ قال نعم، قال ما الوانها؟ قال حمر، قال فهل فيها من اورق، قال نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنى هو؟ قال لعله يا رسول الله نزعة عرق له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لعله يكون نزعة عرق له»، موضحا انه اذا كان ثم زواج شرعي بيِّن فلا يجوز الفحص مطلقا والا وقعنا في الاتهام بالزنى وفتح باب شر على المجتمع نحن في غنى عنه.
واشار المطيري الى ان فتح باب الطعن في الانساب يفتح معه باب القتل والهرج ومن اجل نقطة نخشى منها نقع في فساد عظيم ولذلك الشريعة الاسلامية منعت ذلك فالولد ينسب للفراش ولا يلتفت الى هذه الظنون والى هذه التحاليل فنحن في غنى عنها.
ومن جهته قال الامام الخطيب في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الشيخ ناصر شمس الدين ان الشريعة الإسلامية أحاطت المجتمع بسياج من الوقاية من أن «تَتَذَبْذَبَ لُحمتُه ويُمَزَّقَ صَفُّه ويُفَرَّقَ جَمْعُهُ» وأكثر ما عنيت الشريعة بحمايته أصل المجتمع وهوالأسرة المسلمة لذلك جاء الإسلام للحفاظ على كليات بها قوام دنيا الناس ودينهم وفلاحهم في معاشهم ومآلهم من هذه الكليات حفظ الأنساب، مبينا نصت الشريعة وأقرت على أن إثبات أو نفي الأنساب لا يكون إلا بطرق محكمة منضبطة لا يخالطها شك أو ريب وإثبات النسب أو نفيه عن طريق البصمة الوراثية طريقة مستحدثة جديدة.
وأضاف للنظر بمدى قبول البصمة الوراثية كوسيلة لقبول أو نفي النسب لابد من النظر هل هذه الطريقة ترتقي إلى القطع في دلالتها أم أنها ظنية ؟ وهل هذه الطريقة لا تصطدم وقواعد الشريعة؟ فإذا كانت البصمة الوراثية تفتقد أحد هذين الشرطين أو كلاهما فلا يصح حينئذ اعتمادها كوسيلة لإثبات النسب أو نفيه موضحا وبالنظر إلى كلام المختصين فإن الخطأ بالبصمة الوراثية وارد بأسباب كثيرة كتلوث العينة والخلط مع غيرها والخطأ البشري...الخ لذلك صارت البصمة الوراثية ظنية الدلالة وليست قطعية والقاعدة الشرعية تنص على أن: (اليقين لا يزول بالشك).
ولفت شمس الدين الى انه إذا ثبت النسب أو انتفى بطريق شرعي صار هذا الاثبات أو النفي قطعي الدلالة فلا يجوز حينها ويحرم رد ذلك أو نفيه بطريقة ظنية (البصمة الوراثية) ومما سبق يتبين أن البصمة الوراثية فاقدة لشرطي قبولها في إثبات أو نفي النسب، فلا يجوز استخدامها كوسيلة لذلك ومن أجاز من العلماء استخدام البصمة الوراثية أجازوها لنفي الأبوة لا لإثباتها ولإثبات الأمومة، لكن قولهم هذا اشترطوا له انعدام الأدلة المعارضة ولا شك أن توافر الأدلة والطرق الشرعية التي تُثْبَتْ بها الأنساب أو تُنفى من الأدلة المعارضة لاستخدام البصمة الوراثية كوسيلة لإثبات أو نفي الأنساب لذلك جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي والمنعقد بمكة عام 1422 بمنع استخدام البصمة الوراثية كوسيلة لإثبات أو نفي الأنساب.
مسائل لا يجوز إثبات النسب فيها بالبصمة
نص بعض الفقهاء في بعض الدول الإسلامية على مسائل لا مجال للقيافة في إثبات النسب بها، وبالتالي فإنه لا مجال للبصمة الوراثية في إثبات النسب بها ومن هذه المسائل:
* إذا أقر رجل بنسب مجهول النسب، وتوفرت شروط الإقرار بالنسب فإنه يلتحق به، للإجماع على ثبوت النسب وتوفرت شروط الإقرار بالنسب فإنه يلتحق به، للإجماع علي ثبوت النسب بمجرد الاستلحاق مع الإمكان، فلا يجوز عندئذ عرضة علي القافة لعدم المنازع فكذا البصمة الوراثية كالقافة في الحكم هنا.
* إقرار بعض الإخوة بإخوّة النسب لا يكون حجة على بقية الأخوة، ولايثبت فيه نسب، وإنما تقتصر آثاره على المقر في خصوص نصيبه من الميراث ولا يعتد بالبصمة الوراثية هنا، لأنه لا مجال للقيافة فيها.
* إلحاق مجهول النسب بأحد المدعيين بناء على قول القافة، ثم أقام الآخر بينة على أنه ولده، فإنه يحكم له به ويسقط قول القافة لأنه بدل على البينة، فيسقط بوجودها، لأنها الأصل كالتيمم مع الماء، وهكذا البصمة الوراثية في الحكم.
المجمع الفقهي الإسلامي: مسموح في الجرائم... ممنوع بالنسب
سمح المجمع الفقهي الاسلامي باستخدام البصمة الوراثية في التحقيق في قضايا الجرائم، لكنه منع استخدامها في مسألة إثبات أو نفي النسب.
وبحث المجمع استخدام البصمة الوراثية في اجتماعه الذي انعقد في مكة المكرمة عام 2002 وجاء في بيانه: وبعد الاطلاع على ما اشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة باعداده من خلال اجراء دراسة ميدانية مستـفيضة للبصمة الوراثية، والاطلاع على البحوث التي قدمت الموضوع من الفقهاء والاطباء والخبراء، والاستماع الى المناقشات التي دارت حوله، تبين من ذلك كله ان نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في اثبات نسبة الاولاد الى الوالدين او نفيهم عنهما، وفي اسناد العينة «من الدم او المني او اللعاب» التي توجد في مسرح الحادث الى صاحبها، فهي اقوى بكثير من القيافة العادية «التي هي اثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الاصل والفرع»، وان الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردا من حيث هي، وانما الخطأ في الجهد البشري اوعوامل التلوث ونحو وذلك.
وأعلن المجمع الفقهي في قراره انه «لا مانع شرعا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة اثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر (ادرأوا الحدود بالشبهات)، وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة مشددا على ان استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد ان يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية ولذلك لابد ان تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية».
وأكد قرار المجمع الفقهي على انه لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان وأنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الانساب الثابتة شرعا ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لان في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونا لأنسابهم.
ضوابط إسلامية لإجراء البصمة الوراثية
من أجل ضمان صحة نتائج البصمة الوراثية ذكر فقهاء وأطباء مختصون بالبصمة الوراثية ضوابط لابد من تحققها كي يمكن الأخذ بنتائج البصمة الوراثية في غير إثبات النسب، وهذه الضوابط تتعلق بخبراء البصمة الوراثية وبطريقة إجراء التحاليل، والمختبرات والمعامل الخاصة بالبصمة الوراثية وأهم هذه الضوابط:
* أن تكون مختبرات الفحص للبصمة الوراثية تابعة للدولة أو تشرف عليها إشرافاً مباشراً، مع توافر جميع الضوابط العلمية والمعملية المعتبرة محلياً وعالمياً في هذا المجال.
* أن يكون جميع القائمين على العمل في المختبرات الخاصة بتحليل البصمة الوراثية، سواء كانوا من خبراء البصمة الوراثية أو من المساندين لهم في أعمالهم المخبرية ممن توافر فيهم أهلية قبول الشهادة كما في القائف، إضافة إلى معرفته وخبرته في مجال تخصصه الدقيق في المختبر.
* توثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية، بدءاً من نقل العينات إلى ظهور النتائج حرصاً على سلامة تلك العينات وضماناً لصحة نتائجها، مع حفظ هذه الوثائق للرجوع إليها عند الحاجة.
* عمل التحاليل الخاصة بالبصمة بطرق متعددة، وبعدد أكبر من الأحماض الأمينية، ضماناً لصحة النتائج قدر الإمكان.
فإذا توافرت هذه الشروط والضوابط في خبراء البصمة الوراثية وفي المعامل ومختبرات تحليل البصمة، فإنه لا مجال للتردد في ما يظهر في مشروعية العمل بالبصمة الوراثية واعتبارها طريقاً من الطرق المعتبرة لإثبات النسب كالقيافة إن لم تكن أولى، كما تقدم بيانه.