| د. صباح السويفان* |
هذا عام يستعد بعد أيام قليلة للرحيل... وعام جديد يقف على بوابة الحياة استعدادا لأن يمنحنا أيامه، بينما نحن لا نزال ندور في فلك هذه الدنيا، التي تتوالى فيها السنوات أفولا وسطوعا، وأمام هذه الدورة الأزلية هل لنا أن نفرح ببزوغ عام جديد على حياتنا نرى فيه الأمل والمستقبل الأفضل لأمنا الأرض التي تئن وتتألم جراء ما يحدق بها من صراعات وحروب ودماء تسيل، أم نحزن لأن عمرا مقداره سنة قد نفد من حياتنا... خسرناه بكل جراحاته وأفراحه؟!
إذاً نحن في كل أفول عام وبزوغ آخر... علينا أن نفكر هل نفرح أم نحزن؟!
وفي اعتقادي أن الأهم من كل هذا وذاك... هو أن نتأمل أيامنا التي تمضي مع مضي سنة... وتجديد سنة أخرى، هل كانت موسومة بالسلام معبرة عن الإنسان الذي يجب أن نكونه، محققة ولو بأدنى قدر من الحب الذي يأخذ المشاعر إلى آفاق أكثر رحابة...؟ إن كانت كذلك فلنا الفرح والسعادة، ولا يهم في هذه الحالة إن كنا كسبنا أم خسرنا في ما يتعلق بالأشياء المادية، المهم أن الضمير مرتاح والرأس تنام هانئة البال، والمشاعر تتحرك وفق سلامها الإنساني الخلاق. ولكن لو كان تأملنا مبنيا على أسس مدعومة بالكراهية والهرولة خلف المكاسب، بأي ثمن والصعود على أكتاف الآخرين للوصول إلى الأهداف المنشودة، والتنافس على جني ثمار الأحقاد والنفاق، فهذا يدعو إلى الحزن... الشديد.
فتحية لكم أيها البسطاء الذين تستقبلون عامكم الجديد وأنتم في أنقى مشاعر وأجمل أخلاق، وأسعد قلب، لأنكم تنامون براحة وأريحية وسعادة. تحية لمن يرى في عامه الذي يستعد للرحيل... مرحلة مرت بحلوها ومرها، ولا يفكر في الخسارة أو المكسب، ولكنه يفكر كيف يكون مستعدا للعام الجديد ليكون أكثر حبا وسلاما.
تحية لمن يرى في عامه الذي ولَى عمرا انتهى... وفي عامه الجديد عمرا سيبدأ فيه العمل من أجل إعمار الأرض، وإدخال البهجة إلى النفوس التي قُدّر لها أن تكون في مواجهة البؤس والشقاء... تحية لهؤلاء الذين يمسحون دمعة المنكوبين بفعل الخير.
هذا عام يلملم حاجاته... وسيغادرنا من دون أن يلقي علينا نظرة الوداع، لأنه باق بذكرياته، وأحداثه، وعام جديد سيدخل علينا من دون استئذان، وسيبدأ في رسم ملامح المراحل القادمة من حياتنا، وستتوالى أيامه، وتطول أو تقصر لياليه، وبالتالي فإننا مطالبون بان نحسن التعامل معه، وألا نبدده في الشر والكراهية، وأن نقف على بوابته نفكر في الطرق السليمة التي بها نكون أكثر إنسانية وعطاء، فالعمر مهما طال فهو قصير، والذي يبقى للإنسان هو العمل الصالح، ولن يكون لأحد الخلود أبدا. فتحية لكل من فهم الحياة جيدا وعرف أنها فانية، وليس في استطالتها إلا القصر، وليس في حلاوتها إلا المرارة، وليس في سعادتها إلا الحزن، وليس في بهرجتها وألوانها إلا السراب، وليس في لمعانها إلا الأفول.
* كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت
[email protected]