«أريقاتو» اليابان

1 يناير 1970 08:54 ص
قبل أيام قليلة كنت في زيارة جميلة لدولة تعتبر من أعظم دول العالم في السنين الأخيرة، بسبب مما تمتلكه هذه البلدة من مكانة اقتصادية وثورة صناعية يفتخر بها العالم أجمع وهي اليابان، بالتأكيد إن ما سمعنا به عن اليابان من سمو الأخلاق والفكر ما هو إلا جزء بسيط مما شاهدته في عيني عندما سافرت لهذه البلدة، ولعل الإعلامي المميز محمد الشقيري قد عكس لنا بعض الصور التي تعكس رقي المجتمع الياباني في برنامجه الرائع خواطر ولكن ما سوف تراه في اليابان في أم عينك سيذهلك أكثر.

فحدثني عن الأخلاق أحدثك عن اليابان، جلسنا فيها أسبوعين فقط فتعلمنا دروساً كثيرة في كل يوم، فلاحظنا الاحترام والتمسك ببعض العادات الجميلة التي نبعت من الأخلاق السامية التي هي من الأساس متأصلة في ديننا الحنيف، وما لفت نظري هو اهتمامهم بذوي الاحتياجات الخاصة ففي كل مكان تجد هناك طرق مخصصة للمشاة من ذوي الاحتياجات الخاصة وحتى المصاعد الكهربائية مصممه لهم وكأنها رسالة من الحكومة اليابانية أن في بلدنا من لديه بعض الاحتياجات الخاصة يستطيع أن يجول اليابان عرضاً وطولاً دون مساعدة أحد، فكيف لا فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الياباني الراقي، وما لفت نظري أيضاً هو إتقان العمل الذي لمسته عندما كنت أشاهد عمال النظافة الذين يلقبون هناك بـ (مهندسي النظافة) وهم يتفقدون الحاويات للتأكد من خلوها من أي مواد قادرين على إعادة تدويرها، والدقة ستلمسها عندما ترى اهتمام اليابانيين بالتفاصيل وهذا الذي ذكره رسولنا الكريم في الحديث الشريف (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَه)..

والأمر الآخر الذي تعجبت منه هو وجود مصليات خاصة للمسلمين في أماكن عدة في اليابان من ضمنها أحد المجمعات التجارية، التي كنت أزورها، فشاهدت لوحة توضح مكان المصلى ومكتوبة باللغة العربية فقمت بسؤال أحد العاملين هناك فدلني على طريق المصلى، في بادئ الأمر توقعت إنه مكان مخصص لكل الأديان ليمارسوا عباداتهم، ولكن الذي أثار استغرابي هو أنه عندما توجهت للمصلى وجدته مصلى على مستوى عالٍ من النظافة ومخصص للمسلمين فقط، وفيه مكان للوضوء وهو في قمة النظافة والإتقان وفيه اتجاه القبلة وتعليمات خاصة لمستخدمي المصلى باللغة العربية واليابانية، فهي توصي باحترام المكان فكل هذا الاهتمام بالمصلى خرج من بلدة يبلغ عدد مسلميها 120 ألف مسلم من إجمالي عدد السكان الذي يبلغ 126 مليون نسمة، فغالبية الشعب الياباني لا ينتمي لمذهب، فتبادر في مخيلتي سؤالاً لماذا يهتم اليابانيون بالدين الإسلامي بهذا الشكل؟ وأتفكر في الوقت نفسه العداء الذي يحمله بعض المسلمين لبعض الأديان وتناسيهم سماحة الإسلام التي تلزمنا باحترام الأديان أما قال الله في كتابه العزيز (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وأتفكر أيضا وأنا أتجول بالمصلى كيف بعض من يدعي أنه ينتمي للإسلام يشوه صورته ويقتل الأبرياء ضاربين تعاليم ديننا الحنيف عرض الحائط، فأستنتج أن كل هذه الأخلاقيات التي أراها في اليابان ذكرها القرآن والسنة فلماذا أصبح البعض الآن يخالف الكتاب والسنة؟ واليابانيون الذين لا ينتمون معظمهم لأي دين يلتزمون بها، فهنا تذكرت مقولة الإمام الراحل محمد عبده (وجدت الإسلام ولم أجد المسلمين).

فأقول (اريقاتو) اليابان وهي تعني شكراً باللغة العربية، فشكراً لكم على الدروس التي تقدموها للعالم أجمع، ونتمنى أن تتعلم شعوبنا منكم فليس عيباً أن تقلد الآخرين خصوصاً وإن كانت هذه نماذج ناجحة مثل النموذج الياباني ولكن هذا الأمر يحتاج إلى قرار وسنوات لكي تأسس أخلاقيات سامية لأجيالنا القادمة وهذا أمر قادرين أن نطبقه ولكن يحتاج التزام تام وجدية في التطبيق ونشر ثقافة التسامح والاحترام.

* كاتب كويتي

Twitter: @Aziz_815