ستيف إتش. هانكي / عمليات إنقاذ اقتصادية مشكوك فيها

1 يناير 1970 08:58 ص
التاريخ العسكري يكتبه المُنتصرون. أما التاريخ الاقتصادي فتكتبه إلى حدّ ما البنوك المركزية. وفي الحالتين كليهما، عليك أن تأخذ آراء المسؤولين الرسمية بدرجة كبيرة من الحذر. ولسوء الحظ، فإن من الصعوبة بمكان أن تتغلب الحقائق على المعتقدات المزيّفة. وتلعب تلك الآراء المزيّفة دوراً بارزاً في الأبحاث المتعلقة بالسياسات الاقتصادية.
حتى نضع يدنا على الأوضاع الراهنة في ما يتعلق بالآراء التي تُطرح في شأن مجلس الاحتياط الفيديرالي، لا يوجد مكان أفضل لذلك من البدء في ما ذكره رئيس البنك السابق آلان غرينسبان في كتابه «عصر الاضطراب». ووفق ما جاء في الكتاب، فإن الاحتياطي الفيديرالي كان على صواب في كل ما فعله غرينسبان خلال فترة ولايته أغسطس 1987 ديسمبر 2006.
دعونا نأخذ نظرة أكثر تعمقاً. هل كانت هنالك أي أخطاء أو أنماط سياسات غير سوية خلال فترة ولاية غرينسبان؟ إن أسهل طريقة للإجابة عن هذا السؤال هو قياس توجه نسبة النمو في المبيعات النهائية الاسمية للمشترين الأميركيين (إجمالي الناتج المحلي - الصادرات + الواردات - التغيّرات في المخزونات) ومن ثم التفحص في الانحرافات عن ذلك التوجه.
خلال ولاية غرينسبان، نمت المبيعات الاسمية النهائية بمعدل 5.4 في المئة سنوياً. هذا يعكس مجموع النمو الحقيقي للمبيعات بمعدل 3 في المئة مضافاً إليه التضخم بمعدل 2.4 في المئة.
الانحراف الأول من هذا التوجه بدأ بعد فترة وجيزة من تولي غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياط الفيديرالي. فاستجابة لانهيار السوق المالي في أكتوبر 1987، فتح البنك مفاتيح مضخة ماله، وعلى امتداد السنة اللاحقة ارتفعت نسبة المبيعات النهائية بـ 7.5 في المئة، وهو معدل أعلى من المعتاد.
بعد أن ذهب البنك المركزي بعيداً جداً، تحوّل ليعود مرة أخرى في الاتجاه المعاكس. وكان من نتيجة التشديد الذي فرضه الاحتياطي الفيديرالي حدوث تراجع اقتصادي معتدل في عام 1991، وما بين عام 1992 وحتى 1997 كان النمو في القيمة الاسمية للمبيعات النهائية مستقراً. بيد أن الانهيارات المتلاحقة التي لحقت ببعض العملات الآسيوية، والروبل الروسي، وإدارة صندوق الأمان الطويل الأمد، وأخيراً ما أصاب الريال البرازيلي، أدى ذلك كله إلى قيام البنك بضخ كمّيات زائدة من السيولة، الأمر الذي أدى إلى انتعاش في أرقام المبيعات الاسمية النهائية. وقد أعقب ذلك دورة أخرى من التشدد من قبل الاحتياطي الفيديرالي ترافق مع انفجار فقاعات الأسهم في عام 2000 وانخفاض في النشاط الاقتصادي.
وكان آخر قفزة كبيرة في نسبة المبيعات النهائية الاسمية نتيجة لقيام الاحتياطي الفيديرالي بضخ سيولة في الأسواق لمعالجة مخاوف الانكماش المزيَّف الذي وقع عام 2002. في ذلك الوقت، كانت الزيادة السنوية في جدول الأسعار بالنسبة إلى الإنفاق الشخصي الأساسي الاستهلاكي ينحدر إلى ما هو أدنى إلى 1 في المئة، بحيث أعطى إشارة بوقوع انكماش اقتصادي.
خلال ولاية غرينسبان، تبدو الحقائق واضحة: كان رد فعل مجلس الاحتياط الفيديرالي للأزمات الحقيقية أو المُفترضة رداً مبالغاً فيه وخلق ثلاث فقاعات للطلب في فترة ما بعد الأزمات. وقد تبع تلك الفقاعات تشديد في السياسة النقدية والذي كان ضرورياً للقضاء عليها.
إن الانكماش الحالي في الاقتصاد الأميركي يحمل جميع علامات «الدورة الاقتصادية النمسوية». في مثل هذا النمط من الدورات، فإن انتعاشاً في توفر السيولة يؤدي إلى ارتفاع في مستوى الأسعار ويؤدي في النهاية إلى زرع بذور دمارها - أي إلى حدوث انكماش اقتصادي.
الدورة الاقتصادية الأميركية والأوروبية التي جرت في أواخر 1920 وأوائل الثلاثينات كانت نموذجاً للدورات النمسوية التقليدية. والازدهار الياباني، ثم الانهيار الذي وقع في أواخر الثمانينات، كان أيضاً تجسيداً لشكل من أشكال الدورة النمسوية.
بموجب الدورة النمسوية، تلعب البنوك دوراً مفصلياً سواءً في الصعود أو في الهبوط. فعندما تتكشف دورة الهبوط، تبدأ أسعار الموجودات بالانكماش. ونتيجة لذلك، فإن رؤوس أموال البنوك تصبح مهددة وتجهد البنوك لإعادة بنائها.
يكون الاقتصاد مكشوفاً لما يسميه علماء الاقتصاد في المدرسة النمسوية بالانكماش الثانوي، إذ تستدعي البنوك القروض وتُصبح متشددة في إعطاء تسهيلات مالية أخرى. أما العائلات فتُنتج صيغتها الخاصة بها حيث تُسيّل الموجودات الأكثر تعرضاً إلى الخطر (مثل سندات الصناديق المشتركة) وتُحول موجوداتها إلى نقد وإلى سندات حكومية، وبالنسبة إلى الاقتصاد عموماً، تُعاني الاستثمارات ويعاني الاستهلاك سواءً بسواء.
عندما يقع هذا السيناريو، فإن صفقة الإنقاذ التي يعمد الاحتياطي الفيديرالي إلى اتخاذها تصبح موضع شكّ ذلك، لأن البنوك تُصبح أكثر تشدداً في إعطاء التسهيلات وتعمد إلى إعادة بناء أرصدتها وتستخدم السيولة المتوافرة لديها لشراء السندات الحكومية. وباختصار، فإن آلية خلق السيولة تتعثّر وتصبح غير قابلة للتنفيذ.
فإذا كان هنالك إمكانية بأن تفشل السياسة النقدية في إنقاذ الاقتصاد الأميركي المُنكمش، ماذا إذاً عن سياسة الدولة المالية؟ لقد وقّع الرئيس بوش على صفقة إنعاش للاقتصاد بقيمة 170 مليار دولار في 13 فبراير الماضي. معظم ذلك المبلغ كان على شكل خصم ضريبي - شيكات من الحكومة. الفكرة وراء ذلك هي أن الناس سوف يتراكضون لإنفاق هذه الثروة التي نزلت عليهم وأن الاستهلاك سوف يشهد نشاطاً.
هناك مشكلة في ما يتعلق بهذا النمط من السياسة المالية الكينزية. فالناس يقيّمون استهلاكهم بالنسبة إلى المتغيرات في توقعاتهم البعيدة المدى أو مداخيلهم (الثابتة)، ولا يعطون سوى أقل اهتمام للتغيّرات المرحلية.
ونتيجة لذلك، فإن الخصم الضريبي لمرة واحدة (مثل تلك التي حصلت في عام 1975) لا يؤدي إلى مزيد من الاستهلاك، ذلك لأنه لا يغيّر من مداخيل الناس الثابتة.
وإذ يغرق الاقتصاد الأميركي، تُستخدم الوسائل النقدية والمالية لرفعه وانتشاله. ولكن هناك أسباب قوية للشك في فعالية تلك العمليات الانقاذية.
ستيف إتش. هانكي
كبير الزملاء في معهد كيتو بواشنطن العاصمة. هذا المقال برعاية «مصباح الحرية»
www.misbahalhurriyya.org