استمتعت بقراءة رواية (شفرة دافنشي) الشهيرة لأنها تكشف كثيرا من الحقائق عن بشرية عيسى ابن مريم عليه السلام وحقائق تتعلق بالكنيسة والخرافات المتعلقة بها مثل تأليه المرأة وتعذيب النفس وغيرها، ولكني قمت بعدها بطرح الرواية جانبا ولم استطع اكمالها والسبب هو أن معظم شخصيات الرواية الذين وثق بهم بطل القصة قد تبين بأنهم أفراد في العصابة ويتآمرون عليه. أشعر بأن أحداث القصة تتكرر عندنا في الكويت بصورة مشابهة، فكلما امتدحنا شخصية عامة من وزير إلى نائب إلى وكيل أو مدير يأتينا من يكشف لنا بأن له تجاوزات خطيرة وتلاعباً في المال العام وفساداً ادارياً، وكلما امتدحنا مشروعا حيويا يعود على البلد بالفائدة جاءنا من يكشف التلاعب الخطير في ذلك المشروع أو ان هدفه تنفيع أشخاص وجهات، وإليكم أمثلة مما أقول:
مشروع شركة أمانة للتخزين الذي تسابق الناس على الاكتتاب فيه تبين بأن تأسيسه مخالف للقانون وأنه جاء لتنفيع أفراد بعيدا عن الأمانة.
مستشفى جنوب السرة الذي صوروه لنا بأنه المشروع الصحي الأعظم مازال عبارة عن لوحات تشينكو (صفيح) تحيط بالأرض منذ سنوات.
طوارئ 2007 و 2008 الذين طبلوا لهما وزمّروا وأنفقوا عليهما المليارات تبين بأنه بضع قطع من المكائن السكراب التي أرادوا التخلص منها فأرسلوها إلينا باسم المولدات، وقد زاد القطع غير المبرمج عندنا عن سابقته أضعافا.
مشروع المصفاة الرابعة الذي أوهمونا بأنه أكبر مشروع عالمي لتكرير النفط وانه الحل لمشاكل الوقود لدينا اكتشفنا بعد سنوات من التداول حوله بان الحكومة لم تسلك الطرق الصحيحة لترسيته وانما تم سلقه على نار تنفيع هادئة وايهام الناس بأنه قد أخذ مجراه الطبيعي، وأنه يستحق الـ 17 مليارا التي ستنفق عليه.
مشاريع للـ BOT والقسائم الصناعية تم توزيعها على المقربين ولم يسألهم أحد عن انجازاتهم أو مخططاتهم، وما دامت الصين موجودة فما فائدة الصناعة للكويت؟!
جواخير واسطبلات ومزارع تحتوي على كل شيء عدا الماشية والخيل والابل والدواجن والزرع، اما الاكتفاء الذاتي من اللحوم والبيض فهو في آخر أولويات الحكومة والمواطنين.
أناس يرفعون شعارات الوطنية والمحاسبة والرقابة ثم نسمع عن صفقات مع الحكومة لتأسيس مدن اعلامية وصناعة فحم مكلسن وغيرها، ونحار في طلب أدلة البراءة ثم لا نجدها حتى الآن!!
نواب يرفعون شعارات اسلامية وتتصدع حناجرهم من الخطب الرنانة ثم يبيعون كل ذلك مقابل صفقة تافهة ومصلحة قريبة، ويصوتون صباحا على قوانين حاربوها مساء.
نشاطات حكومية دينية ظاهرها خدمة المسلمين ونشر الدعوة ثم نكتشف بان جزءا منها تنفيعي يصرفون عليها الملايين لخدمة بعض القيادات الحكومية الدينية!!
زيارات خارجية لنواب ومؤتمرات داخلية وخارجية لمسؤولين لا يحضرها أحد وانما هي سياسة تنفيع لطابور من المشاركين الوهميين يسترزقون منها.
عمالة هامشية بعشرات الآلاف ملقاة على قارعة الطريق وقد قبض أربابها المقسوم وتركوها سائبة تؤذي خلق الله وتسرق وتنهب.
القائمة طويلة ولا يمكن حصرها في مقال ولكنها جميعا تدل على اننا نعيش في عصر الدرهم الذي وصفه الشاعر أحمد شوقي بقوله:
قل لابن سينا: لا طبيب
اليوم إلا الدرهم
هو قبل بقراط وقبلك
للجراحة مرهم
والناس مذ كانوا عليه
دائرون وحوَّم
وبسحره تعلو الأسافلُ
في العيون وتعظم
ما غبطت أحداً مثله
لعل فاجعة أسرة الأخ ماهر الساير- رحمه الله - من أعظم الفواجع التي اصيبت بها أسرة كويتية، إذ ان مثل ذلك الحادث الأليم الذي أصاب تسعة أفراد من أسرته ووفاته وزوجته واثنين من أبنائه هو مصيبة لا تعدلها مصيبة، ولكن ايماننا بقضاء الله وقدره يلهمنا الصبر والسلوان وان يردد قوله تعالى «إنا لله وإنا إليه راجعون».
وحقيقة أني ما غبطت إنسانا مثلما غبطت الأخ ماهر الذي ينتمي الى أسرة كريمة وغنية، لكنه منذ صغر سنه كان شابا ملتزما وبعيدا كل البعد عن سفاسف الامور، وكان مثالا في التواضع وحسن الخلق والاقبال على طلب العلم، وكان له صولات وجولات في التبرع في سبيل الله وحض أهله على التبرع بصمت ودون ضجة أو تفاخر.
أسأل الله تعالى أن يكتبه وأهله من الشهداء والصديقين وأن يغفر لهم ويواسي من عاش من أسرته ويعوضهم خيرا.
د. وائل الحساوي
[email protected]