متى يتوقف هذا الجنون؟
| حسين إبراهيم |
1 يناير 1970
12:06 ص
تصاعدت اللهجة العنصرية في الغرب ضد المسلمين في الآونة الأخيرة، ومعها الاعتداءات عليهم، إذ سُجلت في الولايات المتحدة في 2015، أعلى نسبة من الاعتداءات منذ هجمات سبتمبر 2001. وإذا كان من الخطير أن مثل هذه اللهجة أصبحت معتمدة من قبل قادة لهم حظوظ حقيقية في الوصول إلى السلطة، فإن الأخطر هو أن بعض الأوساط الغربية يعزو الصعود المخيف لليمين المتطرف، إلى التهديد الذي يمثله على المجتمعات الغربية ليس فقط التنظيمات الإسلامية المتطرفة كـ «داعش»، بل الإسلام نفسه.
لحسن الحظ أن التيارات السياسية الأخرى في الغرب، ومنها اليمين المعتدل، ما زالت تمثل مجتمعة الغالبية، وهي ترى في صعود اليمين المتشدّد كرد على التهديد الإرهابي المكنّى زورا باسم الإسلام، خطرا على النظام الليبرالي الذي يمثل الركيزة الأساسية لـ «العالم الحر»، يفوق خطر الإرهاب.
فالغرب قد يتحمّل بعض الهجمات الإرهابية التي يمكنه التخفيف من احتمالات حدوثها من خلال إجراءات أمنية، ولكن الاتجاه العام فيه لا يتحمّل أبدا وصول أحزاب اليمين الفاشي مثل الجبهة الوطنية الفرنسية أو حركة «بيجيدا» المعادية للأجانب في ألمانيا إلى الحكم. فهل يقبل الاسبان مثلا بالعودة إلى ظلام عهد فرانكو؟ أو يستسيغ الألمان العودة إلى جنون عهد هتلر؟
الجواب عن أسئلة كهذه، جاء في تكتل اليمين المعتدل واليسار في الجولة الثانية من انتخابات الأقاليم في فرنسا، لمنع حزب الجبهة الوطنية من الفوز، بعد تقدمه في الجولة الأولى. ومع ذلك حصل الحزب على مستوى قياسي من الأصوات بنيله 6.8 مليون صوت من أصل 45 مليون ناخب مسجل، وهو أعلى من رقم 6.4 مليون صوت الذي نالته في الانتخابات الرئاسية في 2012 زعيمة الحزب مارين لوبن، التي كانت قد ورثت قيادة الجبهة عن والدها جان ماري، ثم طردته منها بداعي أنه أصيب بالخرف، بعد أن عبّرت عن ضيقها من مواقفه التي اعتبرتها متراخية.
رغم ان المعركة تدور رحاها في الساحات الانتخابية، لكون الغرب منتظماً بشكل راسخ في مؤسساته منذ أن أقام فصلا بين الدين والدولة، فان اللغة العنصرية التي تزيد من حماوة المعارك الانتخابية، سجلت انتشارا في أوساط العموم، ولم تعد حكراً على بعض القادة المتطرفين، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي التي أبقت شخصا كدونالد ترامب في طليعة المرشحين الجمهوريين للرئاسة الأميركية، بل أظهرت زيادة في تقدمه، رغم دعوته لمنع المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة، بعد أن نجح في تحويل الحملة الانتخابية إلى برنامج لتلفزيون الواقع، مثل برنامج «أبرنتيس» الذي كان يقدمه بنفسه على قناة «ان بي سي».
ليس مجديا في المقابل، التنكر للتهديد الذي تمثله التنظيمات الإسلامية المتطرفة للغرب والشرق معا، مثلما تفعل الإدارة الأميركية التي حاولت بعد هجمات باريس ان توحي للمواطنين الأميركيين بان تنظيمات مثل «داعش»، لا تمثل تهديداً داهما للولايات المتحدة. هذه النظرية سقطت، كما كان متوقعا، مع هجوم سان برناردينو الذي كان واضحا أن حصوله مسألة وقت فقط، وأظهر أن الإدارة الأميركية في واد، والناس في واد آخر. فنبض الناس تعكسه الحملات الانتخابية التي تقيسه بدقة من خلال استطلاعات رأي يومية، أكثر من إدارة دخلت مرحلة «البطة العرجاء»، كما يصطلحون عليه في الولايات المتحدة في تسمية السنة الأخيرة من عهد الرئيس.
اليمين يحقق تقدما في كل العالم الغربي ولا سيما في أنحاء أوروبا من أقاصي اسكندينافيا التي طالما تغنّت بنظامها الاجتماعي الديموقراطي القريب الى الاشتراكية، والذي يحقق أكبر قدر من الرفاه للمواطنين والوافدين الذين كان مرحبا بهم على الدوام، وحتى حدود بلغاريا، حيث تولت الكنيسة في الصيف الماضي وصف اللاجئين المسلمين المتدفقين على القارة هرباً من الحروب بـ «الغزاة».
على المقلب الآخر، نجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلوّح بالسلاح النووي، حين يأمل بألا تدعوه الحاجة لاستخدامه ضد الإرهاب في سورية. والسؤال هنا، هو كيف يمكن استخدام النووي ضد الإرهاب الذي من خصائصه انه لا يمثل جيشا واضحا له ثكنات ودبابات، بل يتغلغل بين الناس ويخرج من بينهم. وهل اذا دعت الحاجة، لا قدر الله، سيستخدم بوتين السلاح النووي على بقعة من الأرض يرى أن فيها إرهابيين، فيبيد أخضرها ويابسها؟
وأيضا يجب التسجيل هنا، أن الحكم التركي الحالي برئاسة رجب طيب أردوغان، الذي جاء بشعار صفر عداوات مع الجوار، فانتهى بصداقات اقل، عربيا ودوليا، نتيجة سياسات مختلفة تتعلق بسورية والأكراد والإخوان المسلمين والمهاجرين، وحتى «داعش»، يضيف كثيرا إلى التوتر الذي يسود الشرق الأوسط.
سيظل الانسان العادي في هذه المنطقة يدفع ثمنا كبيرا من ماله وأمنه ومستقبل أولاده لكل هذا التطرف، إلى ان يعود التعقّل إلى السياسة الدولية في يوم يؤمل أن يكون قريباً ... وقبل ذلك، إلى أن نغيّر نحن ما بأنفسنا.