«الراي» تجول على تجمعاتهم في سعدنايل وقب الياس / يلتحفون الخيم ويفترشون الأرض... ويعيشون على ما يتوافر من مساعدات «اليونيسيف»
اللاجئون السوريون في لبنان... ندم وعذاب وضيق حال!
| بيروت - من أسامة مروة |
1 يناير 1970
12:20 ص
• الأمهات يلعبن دور «رب البيت» ويعملن لتوفير قوت عائلاتهن
• أطفال يلحقون بالزائرين... «اعطيني ألف ليرة الله يخليك»
• رجال يتظاهرون بالقوة أمام عائلاتهم ولسان حالهم «يا ليتني بقيت في سورية بعيداً عن الذل»
يعيشون في خيم مغطاة بتربال (شادر) لا تقيهم شر البرد ولا الطقس الحار، على فتات مساعدات لا تتجاوز قيمتها 40 دولاراً شهرياً، يموتون من البرد شتاء، ومن الحرارة العالية صيفاً، هذه ببساطة قصة اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان، الذين هربوا من جحيم النار في بلدهم، ليجدوا أنفسهم تحت رحمة مساعدات المنظمات الإنسانية، والجهات الرسمية اللبنانية، وبعض التبرعات من المواطنين اللبنانيين.
أطفال بملابس لا تساعد على ستر الجسد صيفاً وشتاء يعملون في الحديد والبناء والخضار وبيع الورود، أمهات يتجمعن والأسى باد على وجوههن بعد اضطرارهن للعب دور «رب البيت» في ظل منع الرجال من العمل، رجال يخبئون وجوههم من الواقع الذي فرض عليهم يضربون يدهم بالأخرى يبكون في الخفاء ويتظاهرون بالقوة أمام عائلاتهم لعدم إشعارها بالضعف، هذه المشاهد ليست لأفلام سينمائية هوليوودية، بل هي خلاصة لمعيشة القاطنين في التجمعات السكانية السورية غير الشرعية في لبنان.
نقص في المواد الغذائية، انتشار للأمراض خصوصاً في الشتاء، لا وجود للملابس الشتوية على الدوام، غياب شبه تام لمواد التدفئة شتاء أو التهوئة صيفاً، معاناة مستمرة منذ 4 سنوات للاجئين الذين ظنوا أنهم بهروبهم من سورية سيقضون أياماً أفضل، إلى أنها اليوم تجعل كل منهم يقول في قرارة نفسه «يا ليتني بقيت في بلدي بعيداً عن الذل الذي أنا فيه».
«الله يخليك اعطيني ألف» أو «اشتري مني هالوردة» أو «خليني امسحلك حذاءك»، عبارات يسمعها الداخل إلى مراكز التجمعات السورية في منطقة البقاع اللبنانية، من أطفال ونساء ينتظرون الفرج وتحسن الأوضاع قبل العودة إلى بلدهم، ولسان حالهم «شو بدها تكفي الـ40 دولاراً الي عم يعطونا ياها، ومين بيقدر يعيش فيها كل الشهر».
1.5 مليون سوري مسجلين رسمياً في الدوائر الرسمية من أصل مليوني لاجئ سوري في لبنان بحسب أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» نصفهم أو 600 ألف منهم أطفالاً يسألون كل من يزروهم «متى سنعود إلى سورية؟، متى سنعود إلى منازلنا؟، متى سنلعب مع الدار؟، ومتى سأرى جاري أبو أحمد لأشتري منه البليلة؟، أسئلة تسيل الدمعة من عيون الضيوف وتجعلهم يشعرون بالعجز مهما كانت مراكزهم وأحوالهم، وتجبرهم على الهروب من حصار هؤلاء بضحكة مصطنعة».
نصف مليون عائلة سورية هربت من بلدها، بعد تدمير المنازل على رؤوس قاطنيها، هرباً على الأقدام باتجاه الحدود اللبنانية السورية اللبنانية، قبل أن يستقروا في خيم بمساحة 9 أمتار مربعة فقط على بعد دقائق من الحدود، وليجدوا أنفسهم محكومين بالتحرك في مساحة ضيقة ممنوع عليهم مغادرتها إلا بالخفاء وإلا فالضرب من «أشقائهم» اللبنانيين بالانتظار على الكوع.
أطفال ولدوا في الأراضي اللبنانية من دون أوراق ثبوتية، يلهون في مراكز أنشأتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» في لبنان، بالتعاون مع جمعية بيوند الإنسانية، ووزارات الشؤون الاجتماعية والتربية والصحة والطاقة، والعديد من المؤسسات في القطاع الخاص.
مسؤولو «اليونيسيف» يضربون يداً بيد عند الحديث عن الأزمة السورية، التي جاءت لتزيد الضغوطات عليها وعلى عملها في لبنان، كيف لا و80 في المئة من اللاجئين يعيشون في أماكن تعد من الأكثر حرماناً من الخدمات في الدولة، في طرابلس وعكار والضنية وأقصى الجنوب وبعلبك والهرمل وغيرها.
مسؤولو المنظمة الدولية والعالمية التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن الأطفال، يتساءلون خلال استقبالهم لوفد صحافي كويتي جال على مخيمات سعدنايل والعمرية وقب الياس في البقاع، كيف يمكننا أن نقوم بواجبنا كاملاً مع إمكانيات محدودة، وزيادة متواصلة في أعداد الأطفال السوريين المحتاجين للخدمات؟ كيف يمكننا القيام بواجبنا كاملاً في أماكن تحوي 64 في المئة من اللبنانيين الأكثر فقراً في لبنان وأضيف إليهم نحو 80 في المئة من إجمالي اللاجئين السوريين؟
الكويت... ودعم مركز قب الياس الصحي
الكويت صاحبة المبادرة والداعمة الأكبر عربياً لليونيسيف بأقوال مسؤوليها في لبنان، وعلى لسان رئيس المنظمة الخيرية الإسلامية الدكتور درويش خان، الذي يشير إلى أن الكويت وبمبادرة من صاحب السمو أمير البلاد والحكومة الكويتية ساهمت في دعم مركز قب الياس الصحي الذي تديره الجمعية، من خلال تبرعها بإنشاء قاعتين داخله، وتوفير كميات كبيرة من الأدوية للمرضى، ودفع أجرة الطبيب داخل المركز.
خان خلال استقباله الوفد الصحافي قال إن المركز يستقبل يومياً بين 40 إلى 50 مريضاً من الأطفال السوريين والأمهات الحوامل، ويقدم لهم العناية اللازمة والفحوصات المطلوبة بدعم من «اليونيسيف»، لافتاً إلى أن 65 في المئة من اللاجئين السوريين المقيمين في البلدة البقاعية يلجؤون إليه، لقربه من أماكن إقامتهم من جهة، ولتكفله بتحمل جزء كبير من قيمة العلاج، منوهاً بأن المركز يتقاضى من «اليونيسيف»5 دولارات فقط عن علاج كل مريض.
وذكر الطبيب الباكستاني أن الكويت مستمرة بتقديم المساعدات للمركز منذ بدء الأزمة السورية، مبيناً أنها تبرعت بمبلغ 10 آلاف دولار قبل فترة قصيرة لشراء بعض الأجهزة اللازمة لفحوصات الأمهات الحوامل، كما تتكفل بتوفير الأدوية اللازمة لمعالجة حالات نقص الغذاء التي يعاني منها 60 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان.
وأفاد رئيس المركز أن الكويت تتكفل بإقامة الدورات التدريبية حول أهمية الرضاعة والنظافة والتغذية السليمة التي يقيمها المركز بالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود ووزارة الصحة اللبنانية و«اليونيسيف»، كاشفاً أن عدد المرضى يرتفع بنحو 65 في المئة خلال فصل الشتاء الذي يشهد ارتفاعاً في حالات الرشح والالتهابات الرئوية وغيرها.
من ناحيته، أشار الأخصائي في طب الأطفال الدكتور أكرم زيادة، أن المركز يستقبل يومياً من 10 إلى 15 حالة لأطفال يعانون من ضعف التغذية، فيجري لهم الفحوصات المجانية التي يتقاضى مقابلها 30 دولاراً من «اليونيسيف»، كاشفاً أن المركز يعمل على معالجة الأطفال من عمر يوم حتى 5 سنوات.
أحمد يتخلّص من سوء... التغذية
أحمد طفل سوري من المترددين الدائمين إلى مركز قب الياس الصحي، كان يعاني عند ولادته قبل نحو 6 أشهر من مشاكل في التغذية والجاز الهضمي، إلا أن جهود أطباء المركز ساعدت على تحسن حالته الصحية بشكل كبير بعد تقديم العلاج المناسب له، وتوفير الدواء والمغذيات المناسبة لعمره.
خيمة... بفلوس
يدفع اللاجئ السورس نحو 80 إلى 100 دولار شهرياً لاستئجار خيمة ينصبونها في أحد التجمعات من صاحب الأرض اللبناني، في مسألة تظهر الاستغلال الكبير للأحوال المادية الصعبة التي يعاني منها اللاجئون على جميع المستويات
طفلة تربّي.. طفلها
تنتشر في تجمعات السوريين حالات الزواج المبكر، وتزيد حالات الأمهات اللواتي لا يتجاوز عمرهن 14 سنة واللواتي يحملن أطفالهن.
هبة طفلة عمرها 15 سنة تزوجت منذ 3 أشهر، تنصح بعدم تكرار تجربتها وعدم الزواج المبكر تحت أي ظرف من الظروف، قائلة «اضطر اليوم للعمل وللحصول على الأموال من أجل الإنفاق علي وعلى زوجي الذي لا يستطيع العمل، خسرت اجمل فترات حياتي، واضطررت للعمل في كل شيء من أجل دفع إيجار الخيمة، والكهرباء وتأمين بعض الاحتياجات، وبت أعاني من الأوجاع في ظهري».
وعن طموحها تقول هبة «أطمح للسفر مثلكم إلى الخليج والعمل والسكن في منزل يليق بالإنسان بالحد الأدنى، أطمح لأكون سعيدة في حياتي، أطمح لمساعدة أهلي وزوجي والخروج من حياة الذل والعيش على المساعدات التي لا تكفينا لأسبوع واحد».
منال طفلة سورية أخرى تعيش في تجمع سعدنايل للاجئين عمرها 15 سنة، اضطرت أيضاً للزواج المبكر من ابن خالها، إلا أنها اليوم تربي ابنها الذي يبلغ من العمر 4 أشهر، تقول «اخترت الهرب من العيش في حبس وعدم الخروج من الخيمة إلا لقضاء حاجتي لا غير، اخترت الزواج لمساعدة أهلي في تخفيض نفقاتهم».
وتضيف «لدي أخوتي يعملون في البناء والحديد والزراعة من أجل الحصول على بعض الأموال وأعمارهم لا تتجاوز 10 و12 سنة فقط»، متسائلة «ما ذنب الأطفال في دفع ثمن الأزمة؟ ما ذنبنا لتسرق منا أجمل فترات حياتنا؟ ما ذنبنا للذهاب بهذا العمر إلى العمل بدل البقاء في منازل تليق بالإنسان وعلى مقاعد الدراسة؟».
450 ألف طفل سوري
المدير العام في جميعة بيوند الإنسانية جوزيف عواد، الذي تدير مراكز تعليمية متنوعة في مختلف المناطق اللبنانية للاجئين السوريين بالتعاون مع وزارات الشؤون ومنظمة «اليونيسيف»، يشير إلى وجود 450 ألف طفل سوري مسجلين رسمياً في لبنان، لافتاً إلى أن الجمعية قامت بإنشاء مراكز تعليمية وتدريبية لهم، من أجل إعادة دمجهم في أجواء الدراسة مع خروجهم من المدارس قبل 3 سنوات على الأقل.
عواد قال خلال استقباله الوفد، إن الكويت مساهم رئيسي في تقديم الدعم للجميعة عبر «اليونيسيف»، منوهاً بأنها تقدم من فترة لأخرى الحقائب المدرسية، والأجهزة الموسيقية، والأدوات الرياضية لأطفال التجمعات غير الشرعية السورية، فضلاً عن توفير بعض الملابس خلال فصل الشتاء.
وأفاد عواد أن في لبنان اليوم نحو 2600 مخيم تشهد وجود ما بين 4 إلى 6 خيم في مراكز التجمعات غير الشرعية، لافتاً إلى أن التسمية تأتي لرفض الحكومة اللبنانية إقامة مخيمات رسمية للسوريين على الأراضي اللبنانية، وكاشفاً أنه في كل خيمة هناك عائلة أو عائلتين وفي بعض الأحيان 3 عائلات بمجموع أفراد يصل إلى 40 شخصاً ينامون في خيمتين فقط.
ويشير عواد إلى أن التجمعات السورية تشهد ارتفاعاً متواصلاً في أعداد الأطفال العاملين في جميع القطاعات، وهذا يعود إلى عدم وجود فرص أو منع الرجال من العمل تحت طائلة حرمانه من المساعدات، مبيناً أن «بيوند» تعمل على توفير بعض فرص العمل للأهل في المراكز التي تقيمها.
مريم... شُلّت
مريم طفلة سورية تبلغ من العمر 6 أشهر، ولدت في منطقة قب الياس في لبنان منذ نحو 6 أشهر وكانت طبيعية، إلا أن البرد القارس الذي تعيش به المنطقة أدى إلى إصابتها بمرض شلل الأطفال الكلي بشكل مفاجئ.
وتنتظر عائلة مريم اليوم نتائج الفحوصات التي أجرتها في مركز قب الياس الصحي، والفرج من خلال تقديم مساعدة مادية تؤدي إلى إجراء العملية الجراحية المناسبة لها للشفاء من مرضها.
آلاف الحالات من الزواج المبكر
من ناحيتها، أشارت المديرة التنفيذية في جمعية بيوند الإنسانية ماريا عاصي، أن هناك آلاف حالات الزواج المبكر داخل التجمعات السورية في لبنان، معتبراً أن هذا الأمر يعود إلى رغبة الوالدين بالتخلص من هم الفتاة فيلجؤون عندما يصبح عمرها 12 أو 13 سنة إلى تزويجها، في ظل الصعوبات التي يعانون منها، وعدم القدرة على توفير الحماية الكاملة لهن، وعدم وجود أماكن يخرجن إليها، فيقبلن بالزواج المبكر للهروب من حبس «الخيمة» الذي تعيش به الفتاة.
أطفال... عاملون
أحمد، وابراهيم، وسعد، أطفال سوريون يتلقون التعليم في مراكز «بيوند» التعليمية و«اليونيسيف» في فترة بعد الظهر، إلا أنهم يذهبون إلى العمل في الصباح، بسبب منع آبائهم من العمل تحت طائلة حرمانهم من بقايا المساعدات الإنسانية من الجهات الرسمية في الدولة اللبنانية.
الأطفال الثلاثة يعملون يومياً مقابل 10 دولارات يومياً في قطاعات البناء والحديد والزراعة لمدة لا تقل عن 7 ساعات يومياً، وقد انضموا في الفترة الأخيرة إلى نادي الصحافة في مراكز «بيوند» التعليمية، سعياً منهم لتحقيق أحلامهم بالتحول إلى صحافيين ومراسلين في المستقبل.