الصين مخيفة ... أم خائفة؟

1 يناير 1970 11:06 م
الصين التي يخاف منها العالم، تخاف منه هي أيضا، وتحاول ان تبقى بعيدا عن التأثر به، ولذلك فإن خدمة الانترنت مثلاً، التي اصبح التأثير الثقافي العابر للحدود يمر عبرها اليوم، ليست في أفضل حال في الصين. وما زال موقع البحث «غوغل»، الأكبر في العالم، غير موجود في البلاد بسبب الخلاف بين الشركة والحكومة الصينية.

رغم ذلك، تجد الصينيين يزدادون تأثراً بالثقافة الغربية في ملبسهم وموسيقاهم ونمط حياتهم. وتنتشر في هذه الأيام على أبواب عيد الميلاد، شجرات الميلاد المضاءة على مداخل الأسواق التجارية.

الصينيون يطمحون ويعملون للأفضل، والفرص تبدو إلى حد ما متاحة لذلك. وبرغم وجود كثير من المهمشين وحتى المشردين عند حوافي المدن، إلا أنه لا حالة يأس في هذه البلاد الواسعة. مستوى حياة المواطنين تقدّم بشكل ملحوظ، كما يشير النمط الاستهلاكي في كل جوانب الحياة، ومنها السيارات التي تجول في الشوارع والتي بغالبيتها يابانية وكورية وأوروبية، وليست صينية.

ليست إدارة بلد بهذا الاتساع يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، مهمة سهلة، ولا حتى على سلطة صارمة كالحزب الشيوعي الصيني، لا سيما إذا كانت مطالبة دائما، من قبل العالم الخارجي ومواطنيها على السواء، بتخفيف القيود على حياة الناس، فيما الاتجاه الأصلي للسياسة الصينية تحت قيادة الحزب، هو الحد من الانفتاح.

الصين عالم آخر، ومشكلاته وهمومه تختلف عن مشكلات وهموم عالمنا. الحروب التي تجري في أماكن كثيرة من العالم مثلا، لا تقلق أحدا هناك، ولا حتى الهجمات الإرهابية، التي يقتصر تأثر الصين بها على إقليم شينجيانغ المحاذي لدول آسيا الوسطى والذي يغلب على سكانه المسلمون.

التلوث، أو ما يسمى الضباب الدخاني الناجم عن غبار مشاريع البناء العملاقة ودخان المصانع، يمثل المشكلة الأولى في الصين، وهي يومية وداهمة وتؤثر بصورة مباشرة على صحة السكان ولا سيما في المدن الصناعية الكبرى مثل بكين وشنغهاي. وتبحث السلطات عن حلول عاجلة لها قد تفضي إلى وقف مصانع عن العمل وتجميد مشاريع بناء.

من مشكلات الصين أيضا عدد سكانها، ففي حين أن سياسة الولد الواحد التي طبقت قبل عقود، نجحت إلى حد ما في الحد من النمو السكاني، الا انها في المقابل جعلت المجتمع أكثر هرما، وهدّدت بتراجع انتاجيته، ما حدا بالسلطات إلى تغيير هذه السياسة والسماح للزوجين بإنجاب ولدين بدلا من واحد.

يدرك القادة الصينيون، انه من المستحيل في عالم متداخل ومتفاعل إلى هذا الحد، وفي بلد يواصل بسرعة، مسيرة صعوده الاقتصادي، التي أوصلته إلى أن يكون ثاني أكبر اقتصاد عالمي، الاستمرار في الحكم بقبضة من حديد، ويدركون أكثر الحاجة إلى تخفيف مركزية السلطة. التعامل مع هونغ كونغ منذ استعادتها من الحكم البريطاني في منتصف تسعينيات القرن الماضي، والسماح لها بالحفاظ على وضعيتها الخاصة، نموذج على هذا الإدراك، وكذلك الموافقة أخيراً على عقد قمة جمعت رئيسي الصين وتايوان.

لكن حتى الأقاليم التي يتألف منها البر الرئيسي، كما يسمونه، تحتاج إلى صلاحيات واسعة لتحسين حياة السكان، فمهما كان الحكم جيدا، لن يستطيع من مركز واحد هو بكين، توفير عدالة لهذا الكم الهائل من البشر على كل هذه المساحات الشاسعة.

إذا كانت دول كثيرة في أنحاء العالم، ولا سيما الدول الصناعية القريبة كاليابان وكوريا الجنوبية، وحليفتهما الولايات المتحدة، تتهيّب «الخطر» و«الطموحات التوسعية» الصينية، فان التاريخ يدل على أن الصين مظلومة في هذا الجانب. فهي نفسها كانت ضحية للطموحات التوسعية لغيرها، وتحديدا اليابان، وها هي تطالب مع كوريا الجنوبية بتعويضات عن «نساء الراحة» الصينيات والكوريات اللواتي اغتصبهن الجنود اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية. الصين لم تستعمر أحدا، ولا حتى في إفريقيا، والطريق الذي تتبعه لفتح الأسواق العالمية هو المنافسة بالتكنولوجيا والأسعار، وهذا طريق مشروع إلى حد كبير، إذا استثنينا الاعتداء الواسع على الملكية الفكرية، الذي لا يقارن بأي شكل من الأشكال، بالاعتداء على الملكية المباشرة للناس، وعلى حياتهم، الذي تمارسه دول ضد دول أخرى في الكثير من أرجاء هذا العالم.