السفير الأميركي زاره... وحِراك مسيحي «فرْمل» الاندفاعة

«خيار فرنجية» رئيساً يترنّح... أم «يُطبخ على نار هادئة»؟

1 يناير 1970 12:22 ص
تعيش بيروت أجواء ما بعد استيعاب «الصدمة الأولى» التي أحدثها بروز زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية كـ «خيار جدّي» لرئاسة الجمهورية بمبادرةٍ «تسْووية» من زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري جاءت بمثابة «إنزالٍ سياسي» خلف كل خطوط الانقسامات بين فريقيْ 8 و 14 آذار، أحدث اهتزازات قاسية بين مكوّنات كلّ منهما.

وبدا واضحاً امس ان مناخاً من «الفرْملة» ساد الملف الرئاسي بعدما استشعر «طبّاخو» خيار فرنجية بأن «جبهة الاعتراض» عليه نجحت في امتصاص ارتدادات «الوهلة الأولى» بعد انكشاف حدَث لقاء الحريري - فرنجية الباريسي الاسبوع الماضي ثم إعلان زعيم «المردة» ان ترشيحه من الفريق الآخر «خيار جدي ولكنه غير رسمي بعد».

وبحسب معطيات متقاطعة، فإن «ورقة» فرنجية التي قد تكون الأخيرة التي تسمح بإمرار الاستحقاق الرئاسي وفق تسوية بـ «مكوّنات» يطغى عليها «المحلّي»، تقف أمام منعطفٍ تتساوى فيه امكانات النجاح في تعبيد الطريق امام انتخاب زعيم «المردة» اللصيق بالرئيس بشار الاسد و«حزب الله» رئيساً، كما سقوط هذا الخيار تحت وطأة تعقيدات متشابكة.

فبعدما شاع انطباع بـ «ان ما كُتب قد كُتب» على صعيد السير بفرنجية رئيساً من ضمن عدم ممانعة اقليمية - دولية، برزت مجموعة مؤشرات تنطوي على واحد من احتماليْن: الأول ان يكون الملف الرئاسي يُطبخ على «نار هادئة» وان الصعوبات التي تعترضه، ولا سيما لجهة «الممانعة» المسيحية من القطبين الابرز العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، هي في سياق رفع «سقوف التفاوض» لتحسين شروط التسوية وتحصيل «أثمان» سياسية كبيرة. والاحتمال الثاني ان تشكّل الإشارات السلبية، اذا لم تتبدّد قريباً، عائقاً امام الاستمرار بخيار رئيس «المردة» الذي سيكون عندها مكلفاً على أكثر من صعيد.

ولعلّ أبرز المؤشرات غير الايجابية على الجبهة الرئاسية تجلّت في ملامح تبايُن حيال «الإخراج» المفترض لترشيح فرنجية، وسط معلومات عن ان فريق 8 آذار يشترط ان يُصدِر الحريري موقفاً علنياً يعلن فيه رسمياً ترشيحه فرنجية للرئاسة الجمهورية مع تقديم ضمانات بأن هذا الترشيح يحظى بموافقة 14 آذار، مقابل تحبيذ الفريق الآخر ان يأتي الترشيح من 8 آذار ولا سيما «حزب الله» الذي عليه بهذه الحال ضمان ان يسحب العماد عون ترشيحه.

ويظهر جلياً من هذا التباين، ان «حزب الله» يحرص على رمي الكرة في اتجاه 14 آذار التي يريدها ان ترشّح زعيم «المردة» بما يحرج حينها عون وتالياً يسهل إقناعه بالانسحاب، وإلا فإن دون ذلك خشية من ان يؤدي صدور الترشيح من 8 آذار وقبل التأكد من سير كل 14 آذار بخيار فرنجية الى خسارة ترشيح عون من دون ضمان فوز زعيم «المردة».

ويترافق هذا التجاذب مع قراءتين لأفق الاستحقاق الرئاسي:

الأولى ترى ان «حصان» الرئاسة خرج من الحظيرة ويصعب العودة الى الوراء في ظل وجود «قرار كبير» بانتخاب رئيس جديد جرى تسويقه خارجياً، وان «شدّ الحبال» الحالي ولو «المكتوم» لا يعدو كونه الا «مخاض ما قبل الولادة»، في إطار إنجاز الترتيبات الضرورية للتسوية وتحديداً في ما خصّ العناوين المتفرّعة من الملف الرئاسي والتي لا تقلّ أهمية عنه ولا سيما قانون الانتخاب الذي يشكّل مرتكز تكوين السلطة وتوازناتها في العهد الجديد، وتركيبة الحكومة إضافة الى التفاهم على موقع لبنان حيال أزمات المنطقة وخصوصاً القضية السورية في ضوء العلاقة «فوق العادية» التي تربط فرنجية بالأسد. علماً ان اوساطاً سياسية توقفت باهتمام امام زيارة السفير الاميركي ريتشارد جونز امس لفرنجية الذي تشير تقارير الى ان السفير السابق ديفيد هيل كان له يد في توفير «بيئة حاضنة» ترشيحه.

والقراءة الثانية تعتبر ان طريق فرنجية الى «القصر» محكومة بمعوقات حقيقية مردّها الى صعوبة توفير غطاء مسيحي من على ضفتيْ 8 و 14 آذار لهذا الخيار، في ظل المعلومات عن إصرار عون على الاستمرار بترشحه ما يجعل «حزب الله» غير قادر على تجاوُز هذا المعطى، وممانعة جعجع السير بأي مرشح لا يتطابق مع مشروع «القوات اللبنانية» اي مشروع 14 آذار.

وكان الأبرز في هذا السياق، تحديد رئيس «القوات» ما يشبه «البرنامج الانتخابي» لفرنجية يشكل المعيار للسير بالتسوية او لا، اذ قال امس في «اول كلام» بعد طرْح خيار زعيم «المردة»: «في هذا الظرف بالذات، أُجددُ تمسُّكنا بالمقاومة اللبنانية و»14 آذار»أهدافاً ومبادئَ ومشروعاً سياسياً واضحَ المعالم،»14 آذار»لبنان سيّد، حر، مستقل، وحدود مرسّمة بين لبنان وسورية محفوظة من الجيش اللبناني وحده، وسياسة خارجية للبنان تعكسُ تنوّعه بحيادٍ إيجابي واضح المعالم».

وبدا لافتاً انضمام حزب «الكتائب اللبنانية» الى المترددين في السير بفرنجية من خارج ضمانات تتعلّق خصوصاً بسلاح «حزب الله» وحياد لبنان والنأي عن الأزمة السورية، وهو ما استدعى تحركاً باتجاه «الكتائب» عبر نائب رئيس البرلمان فريد مكاري القريب من الرئيس الحريري بعدما كان لانائب وليد جنبلاط أوفد اول من امس الوزير وائل ابو فاعور الذي التقى رئيس الحزب النائب سامي الجميّل.

وعكس تريُّث الكتائب، التي أطلقت امس تحركاً في اتجاه عون وجعجع، محاذير تفلُّتها من موقف مسيحي موحد في النظرة الى انتخاب فرنجية، علماً ان هذا الأمر استدعى من جنبلاط إرجاء اجتماع كتلته النيابية الذي كان مقرراً امس لإعلان دعمها خيار فرنجية، وذلك خشية ان يظهر الأطراف المسلمون وكأنهم هم الذين يرشحون الرئيس المسيحي، علماً ان اوساطاً مطلعة ترى ان عدم حصول فرنجية على الضوء الأخضر المسيحي سيشكّل «ضوءاً أحمر» امام بلوغه قصر بعبدا.

وثمة مَن تحدّث في هذا السياق عن تململ في أوساط «تيار المستقبل» جراء مفاجأة الحريري بامكان اعتماد فرنجية كمرشّح رئاسي، وهو ما يُخشى ان يترك تفاعلات داخل البيئة السنية المؤيدة بغالبيتها الكبيرة للحريري. علماً ان الأمين العام لـ «تيار المستقبل» أحمد الحريري أطلق اول اشارة علنية ولو ضمنية الى هذا الموضوع اذ اعلن أن «لبنان بأمسّ الحاجة الى زمن التوافقات للوصول إلى تسوية وطنية جامعة، تحت سقف اتفاق الطائف، تنهي الشغور الرئاسي وتضع حداً للتعطيل المتمادي للمؤسسات وتعيد للبنان مناعته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي فقدها في الاعوام الماضية»، مشدداً على «أن الرئيس سعد الحريري باعتداله وبحديثه الشجاع عن التسوية الوطنية الميثاقية، يعان ولا يدان، مثله مثل أي سياسي يبحث عن حلول، لأنه لم يعد هناك من خيار أمام اللبنانيين إلا الذهاب إلى تسوية، تعطل مفاعيل التعطيل الذي تحول لقنبلة موقوتة ستنفجر بنا بأي لحظة».