سليمان فرنجية: طرح اسمي لرئاسة لبنان جدّي ولكنه غير رسمي بعد
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
12:21 ص
هل هي خطوة مرتبطة بترتيبات المرحلة الانتقالية في سورية والتي ستفضي إلى خروج الرئيس بشار الأسد من السلطة، أم أنها محاولة «محلية» لفكّ الارتباط بين الأزمة اللبنانية المتمادية وبين الملف السوري؟
سؤالٌ يشغل بيروت هذه الأيام على وهج الأسئلة الكبرى التي تطايرتْ في كل الاتجاهات حول «سرّ» اللقاء، الذي لم يعد سرّاً، بين زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، والذي عاود فتْح ملف رئاسة الجمهورية على مصراعيه وفق قواعد جديدة غير واضحة الأفق بخلفياتها ومآلها.
وما جعل تحريك المياه الراكدة في الملف الرئاسي من خلال الإيحاءات بإمكان السير بفرنجية رئيساً لكسْر المراوحة ضمن المأزق، يكتسب أبعاداً بارزة لم تخلُ من مفارقات، أن «المحاولة الجدية» التي يقودها زعيم «المستقبل» لإنهاء الشغور الرئاسي المستمرّ منذ 25 مايو 2014، تأتي في لحظة إقليمية - دولية اشتدّت معها فصول «الحرب الباردة» في سورية وحولها.
وثمة مَن يرى في هذا السياق أن المناخ الذي يرفع من حظوظ بلوغ فرنجية، الوثيق الصلة بالأسد و«حزب الله»، سدّة الرئاسة في لبنان، يستند إلى قراءة تعتبر أن الأزمة السورية التي «انفلشت» تشظياتها على مستوى العالم بأسره من خلال إرهاب «داعش»، باتت أصعب من أن يتحمّل المجتمع الدولي أكلاف استمرارها، وتالياً فإن بداية المسار الذي انطلق في فيينا محكوم بأن يوصل إلى حلّ لن يكون الأسد جزءاً منه.
وانطلاقاً من هذه القراءة تعتبر أوساط سياسية أن مجيء فرنجية إلى الرئاسة اللبنانية، يمكن أن يشكّل جزءاً من الضمانات لمرحلة ما بعد الأسد، على مستوى التوازنات في سورية كما في لبنان، وخصوصاً أن فرنجية، اللصيق بـ «حزب الله» يمكن أن يشكّل عامل طمأنة للحزب يعوّض له خسارة حليفه الاستراتيجي أي الأسد.
وبهذا المعنى، تعتبر الأوساط أن حركة الحريري، غير معزولة عن مناخ إقليمي ودولي، وأنها إشارةُ بدايةٍ لتحضير الواقع اللبناني لـ «هضْم» فكرة انتخاب فرنجية وتوفير التوافق حوله، لافتة إلى صعوبة تَصوُّر أن يكون زعيم «المستقبل» يفتح «على حسابه» في مسألة ذات أهمية إقليمية، ومتوقّفة في هذا السياق عند الرّسالة التي وجّهها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى رئيس الحكومة تمام سلام لمناسبة الاستقلال وأكد فيها أنه «الآن الوقت المناسب لانتخاب رئيس للجمهورية».
وفي المقابل تعبّر أوساط سياسية أخرى عن اقتناعها بأن ما يجري في الملف الرئاسي، هو في إطار محاولة من «حواضر البيت» اللبناني لـ «اقتناص» مخرج من المأزق السياسي في ظل غياب لبنان عن «الرادارات» الخارجية، ومخاوف أطراف محلية، ولا سيما «المستقبل»، من مخاطر امتداد حال الانتظار وما يترتب عليها من انهيارات متوالية للدولة ومؤسساتها.
ومن هنا، وضعت هذه الأوساط ما يقوم به الحريري من خلال الكوة التي فتحها في جدار الانتخابات الرئاسية عبر فتح حوار مع فرنجية، في سياق إحراج الفريق المعطّل للانتخابات الرئاسية عبر عدم ممانعة السير بمرشح من «قلب بيت» 8 آذار، باعتبار أن هذه هي «الخرطوشة» الأخيرة التي يمكنها إنقاذ البلاد من حال الشلل، على أن تكون هذه المحاولة من ضمن خريطة طريق تشمل مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، سواء على مستوى الحكومة رئاسةً وتركيبة وقانون الانتخاب، إضافة إلى ضمانات تطمئن لها جميع المكونات اللبنانية.
على أن الأوساط نفسها، تعتبر أن من الصعوبة بمكان تَصوُّر إمكان إحداث خرق «محلي» في الملف الرئاسي اللبناني في غمرة اشتداد «التطاحن» الإقليمي - الدولي في سورية واليمن، والذي يؤشر إلى مزيد من التعقيدات ليس أدلّ عليها من «المواجهة الجوية» الروسية - التركية والتي بدت مرتبطة في خلفياتها بالصراع على إقامة المنطقة الآمنة في شمال سورية.
كما ترى هذه الأوساط، أن اللحظة الداخلية قد لا تكون ملائمة للسير حتى النهاية بخيارات رئاسية يمكن أن تفضي إلى عملية خلط أوراق دراماتيكية في التحالفات، من شأنها أن تطيح بتحالفيْ 8 و 14 آذار، وتترك «جروحاً» سياسية - طائفية قد تعيد البلاد إلى مناخات أكثر تعقيداً.
وعلى وقع هذا الغبار الكثيف، خرج المرشح «الافتراضي» سليمان فرنجية أمس عن صمته للمرة الأولى منذ التداول باللقاء الذي عُقد في باريس بينه وبين الحريري، فتمسّك بعد خروجه من اجتماع طاولة الحوار الوطني بعدم نفي أو تأكيد خبر الاجتماع «إذ ليس هذا هو بيت القصيد»، ليؤكد في المقابل الكلام عن تسوية يجري العمل عليها في الكواليس ويشكّل هو «الجزء الرئاسي منها».
وقال فرنجية بعد خروجه من جولة الحوار التي عُقدت في مقر رئيس البرلمان نبيه بري في عين التينة: «إننا أمام طرح جدي من الفريق الآخر ولكن غير رسمي بعد»، مؤكداً: «أننا نثق بالفريق الآخر، وحين يصبح الطرح رسمياً ويخرج من الكواليس والاجتماعات سنتعاطى مع الأمر بوقته».
وإذ شدد رداً على سؤال على أن «فريق 8 آذار ما زال على ترشيح العماد ميشال عون»، أشار إلى أن «هناك جواً عن طرح جديد من فريق 14 آذار، وقد يكون من الرئيس الحريري، وعندما يُعلن الأمر رسمياً سنرى، والآن الأمور ما زالت حكي كواليس واجتماعات ثنائية»، مُطَمْئناً إلى أن «التواصل مع العماد عون مستمر وسنكون بإزاء أي طرح نتحدث لغة واحدة»، ومؤكداً: «أننا في أول الطريق، ونسمع تأييداً (عن ترشيحي للرئاسة) من البعض وعدم رفض من البعض الآخر».
وكانت جلسة الحوار انعقدت وسط توقعات بأن يحصل على هامشها لقاء بين عون وفرنجية، إلا أن الأول لم يحضر الطاولة وأوفد النائب إبرهيم كنعان لتمثيله، فيما كان لقاء قبل بدء الجلسة بين زعيم «المردة»(فرنجية) والرئيس بري.
وتقاطعت المعلومات المتعلقة بالجلسة عند أنها لم تتناول ملف رئاسة الجمهورية بل ركّزت على قانون الانتخاب، الذي سيجري بحثه ضمن «لجنة العشرة» التي شُكلت خصيصاً لهذه الغاية، وتضم ممثلين لمختلف الأطراف، كما على تفعيل عمل الحكومة التي يواصل رئيسها مساعيه لتوفير مخارج لأزمة النفايات، انطلاقاً من خيار الترحيل الذي ما زال يُدرس، وسط صعوبة توقُّع إمكان عقد جلسة وزارية لهذا الغرض قبل توجُّه سلام السبت إلى باريس للمشاركة في مؤتمر المناخ، الذي سيفتتح أعماله في دورته الـ21 الاثنين على أن يعود إلى بيروت في الأول من ديسمبر المقبل، أي في اليوم التالي.