«الدستورية» تبطل حصانة قرارات «الشؤون» في شأن الأندية وجمعيات النفع
مساواة عقوبة الغرامة بـ «الحبس» في الطعن تمييزاً
| كتب أحمد لازم |
1 يناير 1970
10:46 ص
• الآثار المدنية المترتبة على عقوبة الغرامة هي ذاتها
في الحبس
وقد تكون
أشد وطأة
• التمييز في الطعن بين العقوبتين
هو تمايز
في ممارسة حق التقاضي بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية
منحت المحكمة الدستورية المحكوم بغرامة حق الطعن امام محكمة الاستئناف في هيئة التمييز بالاحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة، بعدما كانت المادة «200 مكرر» من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية تقصر هذا الحق على المحكوم بالحبس.
وقضت المحكمة في جلستها امس برئاسة المستشار يوسف المطاوعة بعدم دستورية ما تضمنته المادة المذكورة «من قصر الحق في الطعن امام محكمة الاستئناف بهيئة تمييز في الاحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة على الاحكام الصادرة بعقوبة الحبس».
وجاء في صحيفة الحكم ان الطاعن اقام طعنا بطريق الادعاء المباشر وذلك بموجب صحيفة أودعت ادارة كتاب هذه المحكمة بتاريخ 9/11/2014، حيث قيدت في سجلها برقم (2) لسنة 2014، طالبا القضاء بعدم دستورية المادة (200 مكرر) من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، على سند من ان الادعاء العام اقام ضده الجنحة رقم (2305) لسنة 2008 بلدية بوصف: 1 - عدم مراجعة ادارة السلامة قبل مباشرة العمل. 2 - عدم الاحتفاظ بالترخيص في موقع العمل بصفة دائمة. 3 - اقامة منشآت وسور حول موقع العمل دون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة. ولدى نظر القضية ادعت ضده بلدية الكويت بطلب الزامه بتعويض مدني مقداره (37.631.020) د. ك، وبتاريخ 30/3/2009 قضت المحكمة غيابيا بتغريمه ألف دينار عما اسند اليه وألزمته بالتعويض المدني المطلوب وتأيد هذا الحكم بتاريخ 16/1/2012 في المعارضة التي اقامها، ومن بعد ذلك في الاستئناف رقم (2456) لسنة 2012 جنح مستأنفة بتاريخ 8/9/2014، فلم يكن امامه مناص الا الطعن بطريق التمييز على الحكم المشار اليه، ثم رفع طعنا مباشرا امام هذه المحكمة قيد في سجلها برقم (2) لسنة 2014 «غرفة مشورة» بعدم دستورية نص المادة (200 مكرر) من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، تأسيسا على ان ما تضمنه نص هذه المادة يعد مانعا له من الطعن بالتمييز في الحكم الصادر عليه بعقوبة الغرامة. واذ عرض هذا الطعن على المحكمة بتاريخ 11/5/2015 - في غرفة المشورة - قررت تحديد جلسة 8/6/2015 لنظره، وتم قيد الطعن في سجل المحكمة برقم (12) لسنة 2015 «طعن مباشر دستوري»، وبعد اخطار ذوي الشأن أودع الطاعن مذكرة طلب في ختامها الحكم بطلباته سالفة البيان، وقدمت النيابة العامة مذكرة بالرأي لتعلق المنازعة الدستورية بنص جزائي عملا بالمادة (15) من لائحة المحكمة الدستورية، وانتهت فيها الى عدم دستورية المادة (200 مكرر) من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.
المحكمة
حيث ان المادة (200 مكرر) من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية - المطعون عليها - تنص على ان «لكل من النائب العام او من يفوضه من المحامين العامين من تلقاء نفسه، او بناء على طلب الادعاء العام، وللمحكوم عليه والمسؤول عن الحقوق المدنية او المدعي بها الطعن في الاحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة بعقوبة الحبس، امام محكمة الاستئناف العليا - بهيئة تمييز - طبقا للحالات والمواعيد والاجراءات المقررة للطعن بالتمييز والطعون الجزائية المنصوص عليها في القانونين رقمي (17) لسنة 1960 و(40) لسنة 1972 والمرسوم بالقانون رقم (38) لسنة 1980 المشار اليه.
وتكون الاحكام الصادرة فيها غير قابلة للطعن فيها امام محكمة التمييز».
وحيث ان مبنى النعي على هذا النص - حسبما ورد بصحيفة الطعن - انه قد انطوى على اخلال بمبدأ المساواة، والانتقاص من حق التقاضي، وضمانات الدفاع، اذ انه قد اقام تفرقة غير مبررة بين الشخص الصادر ضده حكم بعقوبة الحبس والشخص الصادر ضده حكم بعقوبة الغرامة، فقصر الحق في الطعن امام محكمة الاستئناف - بهيئة تمييز - في الاحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة على الاحكام الصادرة بعقوبة الحبس، بينما حجب هذا الحق عن الشخص المحكوم عليه بعقوبة الغرامة شأنه في ذلك شأن المسؤول عن الحقوق المدنية أو المدعي بها، على الرغم من أن الاثار المدنية المترتبة على الحكم الصادر بعقوبة الغرامة هي ذات الاثار المدنية المترتبة على عقوبة الحبس، وفي بعض الاحوال قد تكون اشد وطأة، واوخم عاقبة مما يرتبه الحكم بالحبس، وهو ما يناقض حق التقاضي، ويخل بالضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، ويتعارض مع مبدأ المساواة، بالمخالفة للمادتين (29) و(34) من الدستور.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه من المستقر عليه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه ليس هناك من تناقض بين حق التقاضي- كحق دستوري اصيل - وبين تنظيمه تشريعيا، إلا أن ذلك مشروط بالا يتخذ المشرع من هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق أو اهداره.
وحيث ان مبدأ مساواة المواطنين امام القانون المنصوص عليه في المادة (29) من الدستور بحسبانه ركيزة اساسية للحقوق والحريات على اختلافها واساسا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال اعماله على ما كفله الدستور من حقوق بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
وحيث ان الدستور بما نص عليه في المادة (34) من أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، قد دل على أن حق المتهم في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، هو في اصل شرعته حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد الاعتداء على حقوقهم دفاعا عن مصالحهم الذاتية، وان الناس جميعا لا يتمايزون بينهم في مجال حقهم في مجال النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الاجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية ولا في مجال التداعي في شأن الحقوق المدعي بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، وصولا إلى محاكمة قانونية منصفة تؤمن فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، إذ ينبغي دوما أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها، او الدفاع عنها أو الطعن على الاحكام الصادرة فيها.
لما كان ذلك، وكان النص الطعين لم يجز للمحكوم عليه الطعن امام محكمة الاستئناف - بهيئة تمييز - في الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة إذا كان بعقوبة الغرامة، بينما اتاح الطعن بذات الطريق للمحكوم عليه إذا كان الحكم صادرا بعقوبة الحبس، شأنه في ذلك شأن المسؤول عن الحقوق المدنية أو المدعي بها في الحالين، فإنه يكون بذلك قد مايز في مجال ممارسة حق التقاضي بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية - دون أن يستند هذا التمييز إلى اسس موضوعية تقتضيه - بما يناهض مبدأ مساواة المواطنين امام القانون، ويعد انتقاصا لحق التقاضي في محاكمة قانونية منصفة تؤمن فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، مما يخالف نص المادتين (29) و(34) من الدستور، ولا يقيل هذا النص من عثرته التذرع بان قصر الطعن على الاحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة بعقوبة الحبس (فقط) من شأنه تيسير اجراءات التقاضي وتحقيق السرعة في حسم الانزعة، أو انها عقوبة قليلة الاهمية، ذلك أن لحق التقاضي غاية نهائية تتمثل في الترضية القضائية التي يتناضل المتقاضون من اجل الحصول عليها بجبر الاضرار التي اصابتهم من جراء الاعتداء على حقوقهم التي يطالبون بها، فاذا حد المشرع منها بقيود تعسر الحصول عليها، أو تحول دونها، كان ذلك اخلالا بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق، ووجب على المحكمة بسط رقابتها اعلاء لمبدأ الشرعية الدستورية.
وترتيبا على ما تقدم، واذ كان نص المادة (200 مكرر) من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية فيما تضمنه من قصر الحق في الطعن امام محكمة الاستئناف بهيئة تمييز على الاحكام الصادرة بعقوبة الحبس يناقض مبدأ المساواة بين المتماثلين في ذات المراكز، وينتقص من حق التقاضي، ويخل بضمانات الدفاع مما يصم هذا النص مخالفته لاحكام المادتين (29) و(34) من الدستور، ومن ثم فقد حق القضاء بعدم دستوريته.