الفتى اليتيم بنى رصيداً محلّياً وتحالفات علامتها الفارقة العلاقة اللصيقة مع عائلة الأسد

سليمان فرنجية من الزعامة المبكرة إلى الرئاسة... الصعبة

1 يناير 1970 12:21 ص
• كلّما سئل عن ترشيحه للرئاسة يجيب: أنا أدعم عون وحين يقرر الجنرال ألا يترشح... أترشح أنا

• يحضّر نجله طوني للنيابة ويسلّمه مفاتيح اللعبة الشمالية والزغرتاوية لكنه لا يريد ترك العمل السياسي
في ذاكرة الذين يحبّونه، هو ذلك الطفل ابن الثانية عشرة المرتمي في حضن جدّه الرئيس سليمان فرنجية، إثر اغتيال والديه طوني وفيرا فرنجية وشقيقته جيهان، الذين قضوا في مجزرة إهدن العام 1978.

وفي ذاكرة الذين يناصبونه العداء، هو حليف سورية وصديق الرئيس السوري بشار الأسد، والصديق المقرّب لشقيقه الراحل باسل الأسد والمُجاهر دائماً بحلفه وصداقته مع النظام السوري الحالي.

وهو بالنسبة الى جيل من الشباب الذين يوالونه، صيّاد ماهر يجوب بلدان عدة في رحلات صيد متنوّعة، عارضاً ما اصطاده في بيته الجبلي، وهو مدافِع عن البيئة ويحافظ على غابات مدينته ويسعى الى حماية إرثها التاريخي. وهو مصوّر محترف، يهوى التصوير الفوتوغرافي ويوثّق رحلاته والطبيعة المحيطة به صُوَراً يحفظها بعناية. هو أيضاً الشاب الوسيم الذي تَزوّج، بعد زواج اول أنجب منه ابنيه طوني وباسل، مذيعة تلفزيونية معروفة هي ريما قرقفي، فأنجب منها ابنته فيرا، وشكل معها ثنائياً ناجحاً ومحبوباً، علماً انها تتولى نشاطات ثقافية كمهرجان «اهدنيات»، واجتماعية كرئاستها لجمعية تعنى بمرضى التوحد.

من بين هذه الصُوَر، يطلّ سليمان طوني فرنجية (مواليد 18 اكتوبر 1965)، سليل عائلة سياسية «إقطاعية» من زغرتا في شمال لبنان. هو ابن نائب ووزير، وحفيد رئيسٍ للجمهورية، ويتحدّر من عائلة زغرتاوية طبعت حياة زغرتا ولبنان، وقدّمت ايضاً وزير الخارجية الراحل رجل الاستقلال حميد فرنجية، شقيق الرئيس سليمان فرنجية ووالد النائب السابق والقيادي في قوى 14 آذار سمير فرنجية.

ابن الثانية عشرة الذي قُتل والداه وشقيقته في مجزرة إهدن، تربّى في زغرتا حيث كانت الحرب تعصف بلبنان وبالمسيحيين فتُمزِّق عائلاتهم وتقسم قياداتهم، بعدما عرفت الساحة المسيحية في اوائل الحرب سلسلة عمليات أمنية داخلية سمّتها «القوات اللبنانية» آنذاك بقيادة بشير الجميل قبل ان يصبح رئيساً للجمهورية «عملية توحيد البندقية». كان بشير الجميل يريد قيادة موحدة للميليشيات المسيحية في مرحلةٍ شهدت خلافات بين أركان «الجبهة اللبنانية» التي كانت تضمّ القيادات المسيحية والمارونية تحديداً.

جاءت مجزرة اهدن، لتحرم سليمان الحفيد من عائلته، فتربّى في كنف عائلة كبيرة يشرف عليها جدّه الرئيس فرنجية وجدّته السيدة ايريس، وعمّه روبير وعماته اللواتي كنّ فاعلات في تلك المرحلة خصوصاً السيدة صونيا فرنجية الراسي.

بين زغرتا واهدن، البلدة الصيفية لزغرتا، وحيث قضت عائلته في 13 يونيو 1978، نشأ سليمان فرنجية، محاطاً بتضامن أهل زغرتا الذين وحّدتهم المجزرة وألغت خلافاتهم السياسية التقليدية، فاحتضنوا «ابن البيك والست فيرا».

لا يمكن الحديث عن سليمان فرنجية اليوم من دون العودة الى تلك المرحلة حين كانت منطقة زغرتا معزولة عن بقية المناطق وعن بيروت وعن العمق المسيحي في جبل لبنان، بفعل الانقسام المسيحي الداخلي، وسيطرة «القوات اللبنانية» عليها. اذ ان تلك المرحلة هي التي ساهمت في تعميق أواصر الصداقة بين عائلة فرنجية وعائلة الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد.

تَتلْمذ سليمان فرنجية على يد جدّه، فبدأ يتدرّج في عمله السياسي داخل زغرتا كمدينة وقضاء على السواء. فالزعامات التقليدية اللبنانية تبني صداقاتها وعلاقاتها مع البيئة التي تنتمي اليها، فكيف الحال في مدينة كزغرتا، ساهمت الحرب في عزلتها وفي توطيد أواصر العلاقات داخل عائلاتها.

تولّى سليمان فرنجية العمل السياسي لعائلة فرنجية بإشراف جدّه، فعمل على توثيق علاقاته في زغرتا والشمال، متبعاً الخط الذي رسمه الرئيس فرنجية والتحالفات التقليدية التي تربطه بزعامات شمالية كعائلة كرامي في طرابلس. متّن فرنجية الحفيد علاقته بسورية، بفعل ارتباط جدّه ايضاً بعائلة الرئيس حافظ الاسد، وربطته صداقة متينة بنجل الأسد باسل، حتى انه سمّى ابنه الثاني باسم باسل.

عُيّن فرنجية الحفيد نائباً العام 1991 بعد اتفاق الطائف ليكون أصغر نائب في المجلس النيابي وكان في الـ 26 من عمره. وبوفاة جدّه العام 1992، بات زعيم العائلة والمدينة، وبدأت رحلته منذ ذلك الوقت مع السياسة اللبنانية نائباً ووزيراً ومرشحاً لرئاسة الجمهورية مع كل استحقاق.

لا يمكن اختصار «بروفيل» فرنجية بتواريخ نيابته او توليه وزارات عدة منذ العام 1992 حتى تاريخ اعلانه انه سيتنحى عن النيابة ويسلّم مقاليدها الى نجله البكر طوني. لان فرنجية بوصفه احد الزعماء الموارنة الاربعة الحاليين، يتمتّع بخصوصية تختلف عن الزعماء الآخرين، فزعامته الزغرتاوية أسّست لحالة سياسية محصور تأثيرها في الشمال، او في زغرتا تحديداً، لكن تحالفاته ولا سيما منها في مرحلة ما بعد 1990، جعلت منه اسماً لا بد منه في الحياة السياسية المارونية العامة، على طريق الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية.

بعد العام 1990، اي تاريخ اتفاق الطائف الذي ايّده الرئيس فرنجية، انطبعت حياة فرنجية الحفيد السياسية بوجهيْن، وجه داخلي وآخر سوري، وهما تماهيا احياناً. اذ ان فرنجية سلك طريق جده بالحفاظ على العلاقة مع عائلة الاسد، في وقت كان النظام السوري يمسك بمقاليد السلطة في لبنان عبر حلفائه، ولا سيما في عهد الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود، ورئاسة الرئيس رفيق الحريري لحكومات المرحلة السابقة.

وشكّل فرنجية أحد أركان السلطة في تلك الحقبة. وبفعل زعامته الشمالية وعلاقته مع النظام السوري، تحوّل رقماً صعباً وأساسياً في كل الحكومات المتتالية، الى ان تولى وزارة الداخلية العام 2004، وشاءت أقداره ان يتمّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 وهو على رأس هذه الوزارة.

مرحلة 1990 - 2005، شهدت صعوداً مضطرداً للنائب الشاب، الذي تمرّس بالسياسة تدريجاً، ليصبح ركناً فاعلاً في محافظة الشمال، يشارك بل يلعب دوراً محورياً في تسمية النواب المرشحين وتأليف لوائح انتخابية بعدما امتدّ تأثيره من قضاء زغرتا الى سائر الأقضية الشمالية وليس المسيحية فحسب. من دون ان ننسى انه في تلك المرحلة كان مسيحيو «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» لاحقاً، ممنوعين من ممارسة عملهم السياسي. وكان العماد ميشال عون في المنفى والدكتور سمير جعجع في السجن، والرئيس امين الجميل في المنفى ايضاً، فتحوّل فرنجية أحد أبرز الوجوه المارونية السياسية الفاعلة على الساحة السياسية. ولعب دوراً فاعلاً في عهد حكومات الحريري وكانت تربطه به علاقات جيدة، بخلاف الصورة التي أُعطيت عنه لاحقاً، وكان حاضراً بقوّة في الحكومات، سياسياً وخدماتياً، لاسيما انه تولى وزارات خدمات عدة منها الصحة والإسكان والبلديات والزراعة.

في مرحلة العام 2000 -2005، اي المرحلة التي تَطوّر فيها دور البطريركية المارونية تحت قيادة البطريرك السابق الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وصعود نجم لقاء «قرنة شهوان» المعادي للوجود السوري في لبنان، كان فرنجية على خصومة مع بكركي. كان دائماً يردد ان «البطريرك رئيسي الديني ولكن ليس رئيسي في السياسة»، علماً ان فرنجية كان أوّل من وصل برفقة جده الرئيس فرنجية الى المقر الصيفي للبطريركية في الديمان، حين ترك صفير بكركي وانتقل اليه العام 1990، بعد هاجمته مجموعة من «التيار الوطني الحر» واعتدت عليه نتيجة الخلاف حول اتفاق الطائف الذي غطّته الكنيسة.

وشارك فرنجيه في اللقاء النيابي المسيحي التشاوري الذي أنشىء رداً على «قرنة شهوان»، من المسيحيين الذين يدورون في فلك سورية. لكن لم يُكتب لهذه التجربة ان تستمرّ.

العام 2004 حصل تَحوّل أساسي في مسيرته، عندما تسلّم وزارة الداخلية التي تولت التحضير للانتخابات النيابية التي كانت المعارضة المسيحية قررت خوضها. وعملت وزارة الداخلية حينها على فتح ثغرة في جدار الأزمة، من خلال الإعداد لقانون انتخابي لا يمتّ الى «قانون المحادل» الذي كانت تعترض عليه هذه القوى والذي عُرف بـ «قانون غازي كنعان».

في تلك المرحلة ربطت فرنجية علاقة ايجابية مع البطريرك صفير، عندما اعتمد فرنجية قانون 1960 كقانون انتخابي، وهو ما شكّل خطوة مفاجئة لحلفاء سورية وخصومها، لانه كان سيسمح للمسيحيين باختيار نوابهم بعيداً عن التأثيرات السورية والمحادل. وبدأت التحضيرات للانتخابات وسادت أجواء ايجابية في الوسط المسيحي تحديداً. لكن فبراير من العام 2005، أحدث تحولاً درامتيكياً في حياة فرنجية السياسية. ففي ظل الإعداد للانتخابات، وبروز اسم فرنجية في الساحة المسيحية بإطلالة جديدة تركت أثراً ايجابياً عند المسيحيين، بعدما أكد مراراً انه يعدّ القانون وفق رغبات صفير، وبدء الاستعداد للانتخابات على اساس قانون 1960، اغتيل الحريري، وبدأت معركة فعلية لإخراج سورية من لبنان. وتعرض فرنجية لهجوم سياسي قاسٍ، رُفعت معه صوره كمتهَم سياسي بوصفه وزيراً للداخلية. وشن مؤيّدو الحريري حملة سياسية وإعلامية شرسة ضده دفع ثمنها من رصيده الانتخابي.

وبعدما خرجت سورية من لبنان في ابريل 2005، أجريت الانتخابات على أساس قانون العام 2000، وخسر فرنجية مقعده النيابي. وكان قد عاد في تلك المرحلة الى مخاصمة بكركي وصفير تحديداً، وصولاً الى إطلاق مناصريه هتافات «انت البطرك يا سليمان» في احدى التظاهرت التي جرت لدعمه، بينما كان يدعو البطريرك الى ان «يتطلع بنا قليلا، ونتمنى عليه ان يكون فوق الجميع».

وبين عام 2005 -2009، لم تكن المرحلة سهلة على فرنجية في ظل حرب داخلية ضده وخروج سورية من لبنان، وبدء الحملة الدولية ضدها. وصار «بروفيل» هذا المرشح الرئاسي هدفاً بذاته، شنّ عليه «تيار المستقبل» هجوما صاعقاً واستهدفه سياسياً في شكل مستمر.

ومع عودة عون الى بيروت (مايو 2005) وخروج جعجع من السجن (يوليو 2005) استعاد المسيحيون زعاماتهم، وبدأ كل فريق يمتّن حضوره في البلدات والاقضية، وبدأت زعامة فرنجية تعود الى حجمها الضيق. وانكفأ زعيم «المردة» حتى العام 2009، حين عاد الى البرلمان بعدما وثّق علاقاته مع حلفاء سورية، «حزب الله» والرئيس نبيه بري، وفعّل علاقته مع العماد ميشال عون كحليف، وانضمّ ممثلوه الى «تكتل التغيير والاصلاح».

فرنجية المرشح الرئاسي، دعم ترشيح عون للرئاسة، وكلما سئل عن ترشيحه كان يجيب «انا أدعم عون وحين يقرر الجنرال ألا يترشح، أترشح أنا».

وقد وقف فرنجية الى جانب عون منذ اللحظة الاولى لعودة الأخير، وربطته في بداية الطريق علاقة جيدة مع صهر «الجنرال» الوزير جبران باسيل، لكن فرنجية لم يرغب ان يدخل العونيون عقر داره فرفض ترشيح اي عوني في زغرتا، وحاول قدر الامكان إبعادهم عن الشمال. وتدريجاً بدأت علاقته تسوء مع باسيل وهو ما انعكس سلباً على صلاته مع عون رغم نفي الطرفين لذلك.

اما علاقة فرنجية مع «القوات اللبنانية» فظلت محكومة بشبح مجزرة اهدن، وعنها يقول فرنجية: «لم أنس ولكن أسامح قتلة عائلتي. لكن ما بينه وبين جعجع لا يمكن ان يصبح من الماضي. فرئيس القوات ينفي علاقته بالمجزرة بل يؤكد إصابته قبل وصول المجموعة الكتائبية الى اهدن، لكن بالنسبة الى تيار المردة، فجعجع هو المسؤول اولاً وآخراً. مع مفارقة ان فرنجية بنى علاقة جدية مع رئيس حزب الكتائب امين الجميل (ونجله النائب سامي) رغم ان حزب الكتائب هو الذي أمر بتنفيذ مجزرة إهدن.

جمعت لقاءات بكركي فرنجية وجعجع حين دعا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي القيادات المارونية الاربعة عندما تولى السدة البطريركية الى لقاء رباعي في ابريل 2011. لكن اللقاء الاول بين فرنجية وجعجع، الذي تركزت الأنظار عليه، لم يبدّل شيئاً في قناعات الخصمين. لا بل ان حرب سورية والانقسام الداخلي اللبناني حولها زاد في الشرخ بين فرنجية وقوى 14 آذار. وظل زعيم«المردة»يجاهر بصداقته لسورية وللرئيس الاسد، وبخصومته السياسية لفريق 14 آذار، وتحالفه مع«حزب الله»وخط المقاومة.

وفي الأشهر الأخيرة، بدا ان فرنجية يميّز نفسه عن الإطار السياسي الذي يقوم به عون، في أكثر من مجال، سواء لجهة تسيير عمل الحكومة او إطلاق عجلة التشريع في البرلمان. وقد حيّد فرنجية نفسه عن لعبة الشارع، وظلّ بعيداً عن التشنّج في العلاقات التي حكمت علاقة عون بتيار«المستقبل»في الآونة الأخيرة. وفي الأسابيع الماضية عادت علاقته مع باسيل بفضل«حزب الله»الى ايقاع مدروس، فزاره صهر عون، ومن ثم زار هو باسيل. وفي المرتين كان مسؤول«حزب الله»وفيق صفا موجوداً.

يحضّر فرنجية نجله طوني للنيابة. يسلّمه مفاتيح اللعبة الشمالية والزغرتاوية. لكنه لا يريد ترك العمل السياسي. فالمرشح للرئاسة في زمن الوجود السوري، عاد اسمه مطروحاً في زمنٍ يتعرض فيه النظام السوري لحرب هي الاولى من نوعها. ولقاؤه الاخير في باريس مع الرئيس سعد الحريري فتح التكهنات، حول مستقبل العلاقة بين الطرفين ولا سيما وسط تكهنات تتعلق باحتمال ان يكون للقاء صلة بتسوية سياسية لترتيب الأوضاع اللبنانية الداخلية بدءاً من رئاسة الجمهورية. ما طرح علامات استفهام كثيرة حول اللقاء - المفارقة، الذي يشكل بالنسبة الى الزعيمين محطة استثنائية في العلاقة الثنائية، في مسار عمره عشر سنوات، بدأ بخصومة شديدة وسجالات عنيفة بين فرنجية و«المستقبل»، لينكسر الايقاع العام 2010 بعد ترؤس الحريري الحكومة، حين زار بنشعي والتقى رئيس تيار«المردة»بناء على دعوة من الأخير. لكن بعد خروج الحريري من الحكومة بانقلاب فريق 8 آذار عليه، ووقوفه الى جانب المعارضة السورية، عادت الخصومة بين الرجلين.

واليوم يعود اسم فرنجية متقدماً في صف القيادات المارونية، وخصوصاً بعدما حاول عون وجعجع اختزالها في الفترة الاخيرة. فهل ينجح في تقديم نفسه مجدداً على طريق الرئاسة؟ وهل يحقق فرنجية الحفيد بديموقراطية التوافق الوطني ما كان حققه جده العام 1970 بديموقراطية الفوز بفارق«الصوت الواحد» (عن الياس سركيس)؟