«14 آذار» مأزومة و«8 آذار» مرتابة

«نيران صديقة» تحاصر تسوية الحريري - فرنجية المفترضة

1 يناير 1970 12:21 ص
تنتاب المشهد السياسي الداخلي في لبنان حمّى شديدة السخونة، تَتوزّع معها معالم الاضطراب على فريقَي «14 آذار» و«8 آذار»، على نحو أشدّ حدّة من أيّ مرحلة من مراحل الانقسامات الجذرية، التي لا تقتصر انعكاساتها على الصراع الطويل بين هذيْن الفريقين، بل تتجاوزه الى أطراف الصف الواحد نفسه لدى التحالفين.

ذلك انه، في حين مضى الرئيس سعد الحريري في عقْد لقاءاته بين الرياض وباريس، وكان آخرها الاجتماعيْن، اول من امس، مع كل من رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل في العاصمة الفرنسية، تصاعدتْ بقوّة في بيروت أصداء اللقاء الذي جمعه الأسبوع الماضي، برئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، والذي أشعل عاصفة من ردود الفعل العلنية او المكتومة، اتّسم معظمها بالسلبية حيال ما أوحى به اللقاء، من إمكان تزكية اسم فرنجية مرشحاً متقدماً لرئاسة الجمهورية، على حساب انحسار فرص حليفه وغريمه في آن معاً، ضمن فريق «8 آذار» العماد ميشيل عون.

واذ تميّزت خريطة المواقف العلنية في الساعات الأخيرة ببداية إطلاق مواقف من شخصيات سياسية ونيابية في قوى «14 آذار»، رافِضة بحدّة لوصول فرنجية الى الرئاسة الاولى، على خلفية ارتباطه المباشر والقوي والثابت بالنظام السوري، بدا واضحاً ان تفاعلات هذا التطور تهدّد بخلط أوراق واسع، بدليل انها المرة الاولى التي تتقاطع فيها معطيات لدى أوساط من فريقَي «آذار» و«8 آذار» حول التحذير من مغبة التداعيات التي أثارها لقاء الحريري - فرنجية خصوصاً.

وتُجمِع هذه المصادر في المقام الاول، على الاعتراف بان تحالف «8 آذار» وخصوصاً «حزب الله» يبدو في موقع حذر جداً حيال ما جرى، ولو ان اي مسؤول فيه لم يعلّق لا سلباً ولا ايجاباً على اللقاء. كما ان تحالف «14 آذار» بدا كأنه أصيب بصدمة جراء تَفرُّد الحريري بهذه الخطوة، من دون إطلاع أيّ من حلفائه عليها مسبقاً. واذا كان عون يُعتبر المستهدَف الاول والأساسي بهذا التطور، كما تقول مصادر «8 آذار» المؤيدة دائماً لترشيحه للرئاسة، فإن هذه المصادر باتت تتساءل الآن عما يمكن لـ «حزب الله» ان يفعله لرأب الفجوة الضخمة التي قامت بين حليفيْه عون وفرنجية، بعدما تعاملت الاوساط العونية، بما فيها الإعلامية، مع لقاء باريس، على انه استهداف متعمّد لعون، مذكّرة بتجربة الحريري الفاشلة معه.

وفي المقابل، لا يبدو الوضع أقلّ تَأزماً داخل فريق «14 آذار» الذي تفيد مصادره بأن توقيت لقاء الحريري - فرنجية جاء سيئاً في الشكل والمضمون معاً. ذلك ان هذا الفريق كان منصرفاً في الاسبوع الماضي الى لملمة خلافات وتمايزات برزت بين أطرافه بعد محطتي انعقاد الجلسة التشريعية لمجلس النواب وانتخابات نقابة المحامين، واللتين شهدتا صعود الخلافات بين مكوّنات «14 آذار» الى السطح.

و عُقدت لهذه الغاية اجتماعات بعيدة عن الأضواء، كان آخرها ليل الخميس من الأسبوع الماضي، في دارة الرئيس سعد الحريري، في بيت الوسط، واتُفق خلاله على تنقية الأجواء والشروع في إعادة تمتين التحالف على قاعدة الأولويات السياسية الملحّة. ولكن انعقاد لقاء الحريري - فرنجية تَزامَن مع ذاك الاجتماع، وسرعان ما أخذ بالوضع الى نقطة توترات أوسع وأعمق، ولا سيما بين الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي - وإن التزم الصمت حتى الآن - فإنه يُخشى ان تكون ردّة فعله على لقاء الحريري - فرنجية شديدة الوطأة على التحالف، نظراً الى تَراكُم حساسيات باتت معروفة بين الحريري وجعجع رغم كل ما يقال للتخفيف من هذا الواقع.

وأما في ما يتصل بترابُط هذا المشهد مع الأزمة الرئاسية، فإن المصادر نفسها لدى فريقي «8 آذار» و «14 آذار» لا ترى ان ثمة أفقاً واضحاً بعد للتفاؤل بإمكان اقتراب نهاية أزمة الفراغ الرئاسي، ولو انه يصعب تجاهل أهمية لقاء يجمع الحريري وفرنجية في هذا التوقيت الاقليمي والداخلي.

وتخشى المصادر ان تطغى التوترات السياسية والحسابات الشديدة التناقض التي أثارها اللقاء على اي معطيات ايجابية قد تلوح في أفق الأزمة السياسية بما يعني نشوء مزيد من التعقيدات الداخلية في مرحلة انتظار لمعطيات اقليمية غير مضمونة لتَوقُّع انفراج داخلي قريب.

واستبعدت دوائر مراقبة في بيروت ان تكون خطوة الحريري في اتجاه فرنجية بمعزل عن ضوء أخضر سعودي، وقالت لـ «الراي» ان «هذا التطور المفصلي اذا انتهى الى وصول فرنجية الى القصر الرئاسي سيعني حتماً انه جزء من ترتيبات تتصل بالوضعيْن اللبناني والسوري معاً».

ولفتت الدوائر عيْنها الى انه «لا يمكن تَصوُّر وجود فرنجية (صديق الاسد) في قصر بعبدا اذا استمر الرئيس السوري الحالي في قصر المهاجرين، وهو الأمر الذي أعطى خطوة الحريري بُعداً اقليمياً ودولياً يتّصل بالموقفيْن السعودي والروسي على حد سواء».

وأوحت مصادر في «14 آذار» مؤيّدة لتحرك الحريري بأن سليمان فرنجية من دون الأسد هو غيره مع الأسد، وذلك في معرض محاولة تبديد هواجس بعض مكوّنات تحالف «14 اذار» من ان «وجود فرنجية في قصر بعبدا يعني وجود بشار الاسد على رأس الجمهورية في لبنان».

وفسّرت أوساط واسعة الاطلاع امتعاض «حزب الله» من عدم أخذ فرنجية بنصيحته عدم الاستعجال، بان الحزب لا يريد رئيساً للجمهورية إلا بتوقيته الذي لم يحن بعد، ناهيك عن دلالات إمكان تبنّي الحريري لترشيح فرنجية قبل ان يعلن «حزب الله» بأن الأخير مرشّحه الرسمي.