نسمات

خبز ... حرية ... عدالة اجتماعية!!

1 يناير 1970 06:46 ص
كم هو جميل ذلك الشعار الذي رفعه الكثيرون في ساحات الارادة العربية واستبدلوا فيه شعارات الثورة والحرية بشعار الخبز أولا!! إنها ثورة الجياع كما وصفها الزميل عماد المرزوقي في بحثه في جريدة «الراي» يوم أمس!!

لقد اعتقدت الجموع الغاضبة بأنها ستحقق مطالبها في الحرية والعدل من خلال رفع شعارات إسقاط الديكتاتوريات في البلاد العربية، ثم شاهدت بعض تلك الأنظمة القمعية تستجيب لها سريعا وتتخلى عن الحكم - ظاهرا - بينما امسكت بجميع مفاصل الدولة العميقة من إعلام واقتصاد وعسكر، ثم التفت عليها لتدخل من النافذة بعد ان خرجت من الباب!!

يقول المرزوقي «مر نصف عقد على الثورات العربية ومطالب شريحة كبيرة من جمهور العرب البسطاء على غرار (دخل كريم، فرص وظيفية،عدالة ومساواة امام القانون) لم تتحقق وبقيت وعودا على اجندات احزاب كثيرة تنافست من اجل الوصول الى السلطة.»

«وكردة فعل مؤكدة على يأس العرب من وعود التغيير وتحسن الظروف المعيشية فقد زادت معدلات الهجرة غير الشرعية الى دول الغرب، وزادت معدلات الانتحار، كما زادت جرائم العنف واليأس... وتزايدت نسبة الفقر في دول عربية بسبب الحروب وتوقف مصادر الدخل وتراجع الموارد المالية لمحدودي الدخل او انعدامه.الى ذلك كثرت الاحتجاجات العفوية لطالبي العمل او لطالبي الرعاية الاجتماعية».

وها نحن نرى في حالة الثورة المصرية كيف ازداد الفقر والغلاء والبطالة في مصر الى درجات غير مسبوقة، والمواطن المصري المسكين الذي كان يئن بسبب الظلم في عهد مبارك اصبح يئن بسبب زيادة الفقر والحرمان، وتقلص فرص العمل الذي لاحقته من دون ان يرى بادرة امل في تحسن وضعه!!

وللمفارقة فقد شاهدنا في الانتخابات البرلمانية المصرية عزوفا لغالبية المصريين عن المشاركة فيها، لكن حجم الانفاق علي الدعايات قد تجاوز الـ 20 مليار جنيه، وحجم الرشاوى الانتخابية قد فاق جميع الانتخابات السابقة، وهذا يدل على ان هنالك طبقة من المتنفذين واصحاب الاموال تمتلك الكثير بينما يحرم الشعب المسكين من كل شيء!!

اما اليمن الجريح فقد وصل عدد الجياع فيه الى اكثر من نصف الشعب اليمني بينما استطاع المعزول علي صالح ان يتصدى لقوات التحالف ببسالة اكثر من ستة اشهر بفضل ترسانة السلاح المخيفة التي تمتلكها ميليشياته!! اما لبنان فقد غرق شعبه بسبب روائح القمامة التي تغطي روائح الفساد وفي العراق اوضح برنامج «الصندوق الاسود» الذي بثته قناة الجزيرة عن حكم نوري المالكي بان اكثر من 470 مليار دولار من ميزانية العراق قد تم تبديدها على مؤامرات المالكي وتلاعبه بمقدرات العراق وتسليمها لايران (فقط خلال فترة حكمه 8 سنوات)، هذا عدا عن الحروب الفاشلة التي انفق عليها مليارات الدنانير!! ولو نظرنا الى ليبيا فسنجد ما هو أسوأ من ذلك من تسليح البلاد بمليارات الدولارات من اجل نزاعات فاشلة، وحرق للنفط وغيره حسنا تفعل الدول الغربية بسعيها لايقاف الهجرة إلى دولها، اذ انها لو سكتت على ذلك لما بقي في الدول العربية مواطن لا يسعى للهجرة إلى الغرب.

اذاً فهذا التسونامي العربي الجارف قد استطاع اعادة تشكيل البلدان العربية، ليس فقط من ناحية المفاهيم والحدود وغيرها ولكن من خلال القضاء على الطبقة الوسطى في المجتمع واحلالها بالطبقات الفقيرة التي تزداد في كل يوم مقابل الطبقات واسعة الثراء، ومن خلال التفاوت القاتل الذي يقود الى المزيد من الثورات، وها نحن نشاهد ما يحدث في العراق ولبنان من انتفاضات الجوع والخبز، الشعوب التي ترفض جميع اشكال الحكم الحالي وتطالب بمحاربة الفساد واطعام الشعب الجائع!!

د. وائل الحساوي