خلال حلقة نقاشية نكأت جراحها
الدراما الخليجية... تعاني الحصار
| كتب فيصل التركي |
1 يناير 1970
06:19 ص
• هبة حمادة: الكاتب غير ملزم بـ «تربية المشاهد»
• أحلام حسن: الدراما الكويتية «لعبوا فيها» بعض الناس
نكأ المقهى الثقافي المصاحب لمعرض الكويت للكتاب في دورته الأربعين جراح الدراما الخليجية، حيث أقيمت مساء أول من أمس في أرض المعارض، حلقة نقاشية بعنوان «الدراما الخليجية ودورها في تغيير صورة المجتمع».
وكان ضيوف الحلقة هم الكاتبة هبة مشاري حمادة والفنانة أحلام حسن والزميل بشار جاسم، إذ تناول الضيوف أبرز المشكلات التي باتت تحاصر الدراما الخليجية من كل حدب وصوب، ما يشكل مصدر قلق حقيقي لصنّاعها.
كما شهدت الحلقة النقاشية، حضور نخبة من الأدباء والمثقفين والإعلاميين، يتقدمهم الأمين العام المساعد لقطاع الفنون محمد العسعوسي والأديبة الكويتية ليلى العثمان، إلى جانب باقة من عشاق الدراما.
في مستهل حديثها، كشفت الكاتبة هبة مشاري حمادة عن أنها تعرضت في مشوارها الفني إلى الكثير من المطبات والعراقيل، التي جعلتها حبيسة المنزل لأيام عديدة، لطرحها قضايا شائكة في الدراما التلفزيونية، لم يعترف بوجودها الكثير من النقاد والمشاهدين، بالرغم من أنها تتغلغل في مجتمعنا الخليجي وأمست واقعاً لا مفر منه.
وقالت حمادة: «بعد عرض مسلسل (زوارة خميس) كنتُ أخشى الخروج من البيت والالتقاء بالناس، بل كنتُ أشعر بالخوف الشديد حتى من مطالعة الصحف اليومية، بسبب المقالات المخيفة التي تناولت أعمالي بأقذع العبارات، حيث اعتبر البعض من نقاد ومشاهدين أن مضامين تلك الأعمال لا تمت للواقع الكويتي بصلة»، ومردفة: «نحن كمجتمع شرقي عادة ما يتحول الاختلاف بيننا في وجهات النظر إلى خلاف شديد، فهناك من دأب على المزايدة الأخلاقية من دون مبرر»، مشيرة إلى أن الكاتب لا يخترع المادة الدرامية من وحي خياله، بل إنه ينسج خيوطها من أحداث حقيقية تلامس الواقع الذي نعيشه، مشددة في الوقت ذاته على أن الكاتب غير ملزم بتربية المشاهد، فكل إنسان رقيب ذاته.
ومضت حمادة تقول: «نحن كمشاهدين نتوهم أن لدينا حق المشاهدة الخاصة، فالبعض يفضل أن يتابع المحتوى الدرامي بشكل خاص، ولكنه يرفض أن يراه غيره من المشاهدين!». ومضيفة: «عندما تغلق باب المنزل، فلا تظن أنك بمعزل عن العالم، ففي وقتنا الحاضر أصبح التلفزيون هو النافذة الصغيرة التي يتسلل من خلالها العديد من الأشخاص، سواء أولئك الذين ترحب بهم، أو ممن لا ترغب بوجودهم في بيتك».
حمادة صنّفت المشاهدين إلى نوعين، الأول هو المتلقي الذي يستخدم النص الدرامي كمادة ممتعة يتعامل معها بواقعية شديدة، أما المتلقي الثاني فاعتبرته شخصاً خطيراً، كونه يحلل النص ويعتمد تحليله كمادة أساسية، مشددة على أن الأخير لا بد وأن يكون سلساً في تعاطيه مع قضايا المجتمع.
وعرجت حمادة في خضم حديثها إلى انحيازها دوماً إلى جانب المرأة في أعمالها التلفزيونية، عازية الأسباب لقناعتها بأن هناك تعسفاً ثقافياً ضدها، لذا فهي تقف معها وتؤازرها في كتاباتها. كما تطرقت إلى أنها لم تصطدم ذات مرة مع الرقابة الفنية، مؤكدة أن لديها سقفاً أخلاقياً لا تتخطى حدوده، ومن جهة أخرى لكي لا تضع منتج العمل في مأزق ما، بسبب جرأة النص الدرامي، الذي قد يلاقي الرفض، ويمنع عرضه من على الشاشة الفضية.
ولفتت إلى معاناة صنّاع الدراما الكويتية، الذين يتعرضون إلى ما وصفته بالحصار الشديد من جميع الدوائر والوزارات الحكومية في البلاد (وفقاً لكلامها) لرفض تلك المؤسسات استخراج تصاريح الدخول بغية التصوير فيها، وقالت: «البيئة الكويتية غير حاضنة للدراما، وإنما طاردة لها، فنحن ليس بإمكاننا تصوير لقطة في مستشفى ولا نستطيع أن نلتقط مشهداً في مخفر أو جمعية أوغيرها»، مبينة أنه في دولة الإمارات تشرّع الأبواب للفنانين بالتصوير في كل الأماكن الحكومية، وحتى الحيوية منها، كما يحظى فريق العمل هناك بالسكن المجاني أيضاً.
وعلى جهة أخرى، لم تُخفِ حمادة توقها الشديد لتأليف الدراما الكوميدية على غرار الأعمال الكوميدية القديمة كمسلسل «خالتي قماشة» وغيره، موضحة أن الكوميديا تعد من أصعب أشكال الكتابة على الإطلاق، ومنوهة إلى أن هذا الجيل لا يتلمس المتعة ذاتها في الأعمال الكوميدية القديمة، ولا تعجبه تلك النكات التي كانت تدغدغ وجنات المشاهدين في السابق.
من جهتها، أبدت الفنانة أحلام حسن استياءها الشديد، لما آلت إليه حال الدراما الخليجية، من انحدار في مستوى الطرح والمضمون، مبينة أن الأعمال التلفزيونية المحلية أصبحت «شبه تعرٍّ» بسبب الجرأة المفرطة والمقززة، فضلاً عن الألفاظ المبتذلة، وتجلى ذلك من خلال العبارات الدخيلة التي بات يرددها الأولاد الصغار من دون دراية بمعانيها.
وقالت: «الدراما الكويتية لعبوا فيها بعض الناس، ورسموا صورة مشوهة للمجتمع الخليجي، وأنا ألوم الكتّاب والمنتجين ووزارة الإعلام، لعدم إنتاج أعمال ذات قيمة عالية، تعيد الفن الكويتي إلى سابق عهده». وأشارت إلى أن الشعوب الأخرى باتت تعتقد بأنه تحت كل بيت في الكويت يوجد بئر نفط، بسبب القصور الفارهة التي يتم التصوير فيها، إضافة إلى الأزياء والاكسسوارات المبالغ بها لبعض الفنانات، فيما أشادت بالكثير من الأعمال التي تحمل بين ثناياها رسائل إنسانية عميقة، غير أن «سطحية» السواد الأعظم من المشاهدين في فهم قيمة العمل الفني، إضافة إلى تركيزهم فقط على الأزياء والماكياج والاكسسوارات وغيرها من الكماليات في الدراما الكويتية، أسهمت إلى حد ما في علو كعب الدراما التركية التي لا تتفوق علينا لناحية الرومانسية، بل تزيد علينا فقط في جمال الصورة وعدد الحلقات الممتدة والمملة.
وحمّلت حسن الرقابة الفنية جزءاً من مسؤولية التراجع في المستوى الفني، من خلال القيود التي تكبل بها قضايا شديدة الأهمية، تفوق مسألة الطلاق والشذوذ والمشاكل الأسرية التي تزخر بها الدراما التلفزيونية، لافتة إلى أنه في بلادنا لم تتحرر المرأة لغاية الآن، ولا يزال مجتمعنا ذكورياً، مطالبة في ختام حديثها أن يرتفع سقف الحرية، ولكن ليس بالشكل المقزز الذي نراه في بعض الأعمال، ومتمنية أن يتم إنشاء مدينة للإنتاج الإعلامي في الكويت لتذليل الصعوبات التي تواجه المنتج والمخرج والفنان.