ممدوح إسماعيل / أنا بوليس وأنا وطني... لا يتفقان

1 يناير 1970 02:41 ص

في ذكرى مرور تسعين عاما على وعد بلفور 1917 المشؤوم... لايزال بعض الفلسطينيين مصرين على اللهث وراء أوهام المفاوضات الفاشلة.. واليوم بعد تسعين عاما، وفي 2007، تعود لنا السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بمبشرات الوهم عبر وعد «ميس كوندي» المشؤوم أكثر من وعد بلفور.

ومن الغريب أن ميس كوندي صرحت أكثر من مرة أنها غير متفائلة بمؤتمر الخريف في أنابوليس بولاية ميرلاند الأميركية، وشاركها كثير من الدول العربية في التشاؤم في هذا المؤتمر.

 ومع ذلك تجرى الترتيبات على قدم وساق، والكل يسارع إلى «أنابوليس»، واسمه ونطقه بالعربي والإنكليزي يصب في صالح رفع لواء «أنا شرطي». ومن هنا البعض يفسر مسارعة الإسرائيليين إلى المؤتمر كي يعلنوا للغرب أنهم هم الجديرون بأن يكونوا شرطة المنطقة.. فهم بوليس المنطقة الحافظ لأمن الغرب من العرب ومن الإيرانيين.

 والنفر القليل من الفلسطينيين يسارعون إلى المؤتمر؛ إعلانا بأنهم هم الجديرون بـ «أنا بوليس» وهم الشرطيون الجديرون بالوقوف ضد المقاومة و«حماس» و«الجهاد» وكل هؤلاء الذين ينعتهم الغرب بالإرهاب.

 أما الأميركيون أصحاب الأرض والمكان، والدعوة كمان، فهم يقولون «أنابوليس العالم»... نحن شرطة العالم كله.. القانون نصنعه وننفذه كيفما نشاء حرصا على مصالحنا نحن وأمتنا. ولذلك كل من يحضر المؤتمر يعلن للملأ من دون حرج «أنا بوليس».

البعض يفسر رغبة الإسرائيليين في «أنابوليس» بسعي أولمرت أن يجد له دورا على الخريطة السياسية بعد فشله المتراكم من فضائح الفساد إلى خسائره أمام «حزب الله». وتفسر رغبة الأميركيين في المؤتمر بصرف الانتباه عن الملفين العراقي والأفغاني المشتعلين والاستعداد للملف الإيراني بمحاولتهم تهدئة الملف الفلسطيني وتقوية السلطة الفلسطينية بعد طردها من غزة، لكن بعيدا عن الأميركيين والصهاينة المؤتمر أشعل جدلا ساخنا ونقدا لاذعا لم ولن ينتهي عند كل العرب المهتمين بالقضية الفلسطينية، فالكثيرون من العرب متشائمون، فهم يقولون إن المؤتمر يعلن فيه بوضوح أن حقوق الفلسطينيين قابلة للبيع.

لكن نفرا قليلا يحاولون أن يلتمسوا أي عذر لهؤلاء المسارعين إلى «أنا بوليس» ويفسرون ما يحدث أن الضغوط الأميركية شديدة على هؤلاء الفلسطينيين. والبعض يقول إنه ضعف وتساهل في الحقوق الفلسطينية، ولكن المعارضين للسلطة الفلسطينية يقولون ياليت الأمر ضعف أو ضغوط ووقف عند هذا الحد؛ بل هناك عداء من السلطة الفلسطينية، لكل من يطالب بحقوق الفلسطينيين في الوقت الذي يتقربون فيه للعدو الصهيوني.

وتزداد وتيرة المعارضين عندما يواجهون السلطة بأن منهم من أعلن على الملأ أنهم كانوا يتعاونون مع العدو الصهيوني ضد المقاومة ويبلغونه بتحركاتهم لإحباطها قبل أن تقع «فلايرجى منكم خير لحقوق الفلسطينيين»، ويؤيدون قولهم إنه في الوقت نفسه الذي يقتل فيه أبناء شعبهم الذي لا ينتمون إليه ليلاً ونهاراً بواسطة طائرات وقنابل ورصاص العدو الصهيوني يخرج أطراف في السلطة الفلسطينية في نشرات الأخبار ووسائل الإعلام بتصريحات بتمنياتهم بالشفاء العاجل لقاتل الفلسطينيين رئيس وزراء العدو الصهيوني أولمرت.. بعد أن ابتلاه الله بالسرطان، ويقولون حتى تستمر عملية السلام كأنه نوع من الغيظ الطفولي وإخراج اللسان للوطنيين والمقاومة الفلسطينية.

 وعلى الطرف الآخر، فإن السلطة الفلسطينية خافت من سخونة وشدة المعارضة التي زادت بمؤتمر أعلن عن عقده في دمشق يجمع جميع المعارضين لمؤتمر «أنابوليس» ويرفعون شعار «أنا وطني» ضد «أنابوليس». وقد ضغط رئيس السلطة بكل مايستطيع حتى تم تأجيل المؤتمر. وأنا مستغرب ما دامت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية معها أميركا ودول غربية يعني معهم القوة العسكرية والقوة السياسية ويزيد عليهم الدعم المالي أهم هدف عند مدرسة «أنا بوليس». فلماذا ينزعجون من مؤتمر شعبي لن يفعل سوى تفريغ القوة الغضبية المعارضة في خطابات وشجب واستنكار ؟

ولكن ربما هم لايحبون الضجيج ويحبون أن يعملوا في صمت؟ هذا الجدل والصخب المشتعل كله فقط على الساحة العربية والفلسطينية، أما الساحة الصهيونية والأميركية فلاصخب ولاضجيج لأنهم متفقون على مخطط «أنا بوليس»؟

وأخيرا، إن العدو الصهيوني نجح دائما في تضييع حقوقنا في فلسطين خلال 90عاما. عن طريق مؤامرات السياسة والمفاوضات واللجان والمؤتمرات، ولكن الصهاينة فشلوا أمام المقاومة، لأنهم يعلمون أن المقاومة لن تبيع حقوق الفلسطينيين المغتصبة والأقصى والقدس، وهي لن تعود إلا بالمقاومة الشريفة المخلصة لإسلامها ووطنها. لذلك هناك شبه إجماع عربي على أن مؤتمر الخريف في «أنا بوليس» ليس من أجل فلسطين مطلقا، إنما هو مؤامرة ضد حقوق الفلسطينيين.


ممدوح إسماعيل


محام وكاتب مصري

[email protected]